الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

العالم امرأة - السعد عمر المنهالي

9 سبتمبر 2006 02:33
مارجريت بيكيت ·· زرقة ومساحيق السعد عمر المنهالي: تعد مهنة تجميل الموتى من المهن الجديدة التي تلقى رواجا في بعض الثقافات، إذ يصر ذوو الميت على إلقاء النظرة الأخيرة عليه وهو في كامل زينته، لذلك راجت مهنة تجميل الوجه بمساحيق تخفي برودته وزرقته· وفي بريطانيا هناك من يحاول القيام بأكثر من ذلك بإعادة الحياة لميت مضى على انقطاع نبضه ما يقارب العقد من الزمان، بعد أن تحولت السياسة الخارجية البريطانية -كما يصفها رجال السياسة والإعلام الإنجليز- إلى تابع للولايات المتحدة الأمريكية· وكالعادة هناك دائما وجوه تصبح في الأزمات السياسية جاذبة أكثر من غيرها لرسامي الكاركاتير يصبون فيها غضبهم على صانعي الأزمة، كما حدث مع وزيرة الخارجية البريطانية ''مارجريت بيكيت'' التي تحاول القيام بعمل محاولة بث الحياة في سياسة بلادها الخارجية·· ولكن بعد انتهاء الوقت الضائع· ''مارجريت بيكيت'' كانت أحدى أكثر أربع نسوة ظهرن على الساحة الدولية خلال الأزمة اللبنانية، بجانب ''كونداليزا رايس'' وزيرة الخارجية الأمريكية و''إنجيلا ميركل'' المستشارة الألمانية و''تسيبي ليفني'' وزيرة خارجية إسرائيل، غير أنها أكثرهن تعرضا للنقد بسبب موقف بلادها من القصف الإسرائيلي للبنان وموقف رئيس حكومتها المخزي والتابع للولايات المتحدة الأمريكية المتلكئ في الدعوة لوقف إطلاق النار -كما ورد في تقارير بريطانية· فالسيدة ''مارجريت بيكيت'' التي شارفت على الرابعة والستين، ورغم تجربتها السياسية الطويلة والتي زادت على ثلاثة عقود، لم تفلح في إدارة السياسة الخارجية البريطانية خلال القصف الإسرائيلي للبنان، بشكل يقنع البريطانيين أن لبلادهم سياسة خارجية· ولدت ''مارجريت جاكسون'' في الخامس عشر من يناير عام ،1943 وتوفى والدها الذي كان يعمل نجارا وهي لا تزال في الثانية عشرة من عمرها، في حين تكفلت والدتها الأيرلندية الأصل برعايتها حتى أنهت تعليمها في معهد العلوم والتقنية التابع لجامعة مانشستر لتحصل على درجتها العلمية لتصبح مهندسة تعدين· بالتأكيد أثر عملها في المؤسسات الصناعية بجانب موروثها الأسري في توجهاتها السياسية، فأظهرت ميولا لحزب العمال البريطاني في فترات مبكرة من حياتها الجامعية، وبدأت في شق طريقها النقابي في تلك المرحلة من حياتها· جنون البشر وفي عام 1970 التحقت ''مارجريت'' بحزب العمال كباحثة في السياسة الصناعية، واستطاعت بعد أقل من ثلاث سنوات أن تقنع قيادات الحزب بها ليرشحها في البرلمان البريطاني نائبة له عن دائرة ''لنكولن''، لتظل هناك حتى عام ،1979 وخلال تلك الفترة مثلت حزبها في قضايا التعليم والصحة والكفالة الاجتماعية المطروحة في البرلمان، وفي عام 1989 تزعمت المعارضة العمالية في مجلس العموم البريطاني حتى عام ،1992 وهو العام الذي تقلدت فيه منصب نائبة لحزب العمال حتى أصبحت زعيمه للحزب مؤقتا في يوليو عام 1994 بعد وفاة زعيمه ''جون سميث'' بأزمة قلبية وذلك حتى تولى ''توني بلير'' منصبها، في تلك الفترة تقلدت ''مارجريت'' عددا من المسؤوليات في الحزب كممثلة له في وزارة الخارجية والمالية والصناعة، حتى ترأست مجلس العموم عام 1998 بعد انتصار حزبها الكاسح في انتخابات عام ،1997 وفي العاشر من يونيو عام 2001 في أعقاب فوز حزبها للمرة الثانية كلفت بحقيبة وزارة البيئة التي استحدثها رئيس الحكومة ''توني بلير''، لتمضي خمس سنوات قبل أن تتولى حقيبة الخارجية للمملكة المتحدة في الخامس من مايو عام ·2006 لم يكن حال وزيرة الخارجية في وزارتها الجديدة بأفضل حالا من وزارة البيئة التي ورثت مشاكل كل القطاع الزراعي والغذائي، وإن كان اشد سوءا من أزمة مرض جنون البقر الذي أثر على أداء وزارتها في تلك الفترة، فجنون البشر أشد فتكا، إذ لم يمض على توليها مهام منصبها أقل من شهرين حتى اندلعت الحرب في لبنان، في وقت تعاني فيه بلادها أساسا تبعات مشاركتها الولايات المتحدة في حربها على العراق· وعلى الرغم أن ''مارجريت بيكيت'' كانت من الشخصيات العمالية التي اكتسبت حنكة سياسية جيدة خلال عملها في المعارضة في ملفات مختلفة كالمالية والصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية والتجارة، غير أن هذا لم يكن يجدي نفعا في سياسة خارجية بلادها التي تحتاج إلى عملية نقل قلب أكثر من إنعاشه· الخاسر الأكبر لم تظهر ''مارجريت بيكيت'' أي موقف يحسب للخارجية البريطانية أثناء حرب لبنان التي استمرت 33 يوما، وذلك على عكس موقفها الحاد من سياسة الولايات المتحدة البيئية، لدرجة اعتبرت فيها ''الأمريكيين هم الملوثون الرئيسيون في العالم'' في تعقيبها على تراجع الرئيس الأمريكي ''جورج بوش'' عن اتفاقية ''كيوتو'' المناخية، بل ودعت المجتمع الدولي في يوليو عام 2005 بالضغط على الولايات المتحدة لدفعها لاتخاذ موقف أكثر عقلانية في القضية المناخية· فشلت ''مارجريت'' منذ أيامها الأولى في الحصول على صورة خاصة لها في وزارة الخارجية البريطانية، وإن كان هذا إرث بلادها منذ عقد من الزمان تقريبا منذ قدوم ''توني بلير'' إلى السلطة، فإنه قد أصبح الآن من إرثها الذي لا يمكن أن تتبرأ منه، الأمر الذي جعلها هدفا لسهام الكثيرين الراغبين في نقد إدارة ''بلير'' للأزمة، فقد سلطت الأضواء عليها مرارا فترة الحرب لإظهار جهلها بتفاصيل الأزمة مما أظهرها -حسب الصحف البريطانية- عديمة الكاريزما، وهو ما استنتجته من تعليقاتها حول الأزمة· فحرصها على ولائها لرئيس الحكومة ''توني بلير'' كان أكثر وضوحا من حرصها على إبراز سياسة بلادها الخارجية بصورة أكثر استقلالية، لدرجة أن بعض الصحف البريطانية دعتها للاستقالة، بل تمادت أكثر من ذلك بالقول عنها ''في أعماقها شخص كهل منعزل''!!· خارج العزلة وعلى ما يبدو فإن الوزيرة قررت أن تفاجئ الإعلام وتؤكد له ألا مكان داخلها لكهل منعزل، فتوجهت لأول مرة منذ توليها مهام منصبها إلى العراق في الرابع من سبتمبر الجاري -في زيارة لم يعلن عنها مسبقا-، وخلال زيارتها تلك -التي لم تخرج بجديد منها- قالت ما كلفت التصريح به دون النظر إلى الواقع الأمني الذي بدا أكثر سوءا وقت زيارتها -وهو ما استخدمه البعض مجالا للسخرية من السياسة البريطانية في العراق- وذلك عندما صرحت : أن ''الوضع الأمني يتحسن في البلاد وإن المسلحين يعلمون ذلك''· ويسخر الكاتب ''مارك ستيل'' في صحيفة ''الاندبندنت'' من رد ''مارجريت'' عندما سئلت عن سبب عدم تسليم القوات العراقية المهام الأمنية إلى الآن، بقولها: ''إن السبب الوحيد لعدم تسليم قوات التحالف مقاليد الأمور للحكومة العراقية هو كون الأخيرة غير مستعدة لذلك بعد''، مستغربا من ردها، معتبرا أن العراق يبدو الآن غير مستعد لشيء على الإطلاق، بعرضه الحالة الأمنية والصحية والحياتية كافـــــة، مؤكدا أن العــــــراق وقـــــت الحصار الاقتصادي فترة التســـــعينات كان أفضل بكثير من الآن· وعلى ما يبدو فهذه السخرية لن تنتهي قريبا، فعودة رئيس الوزراء البريطاني ''توني بلير'' الذي أنهى أجازته، اقترنت بزيارة ''مارجريت'' المفاجئة لمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما يؤكد أن بلير يحاول أن يحسن من صورة سياسة بلاده الخارجية التي يركز خصومه هجومهم عليها، والتي تعد من أكثر العوامل المهددة لوحدة صفوف حزبه· غير أن الاستقالات الست التي خرج بها الإعلام البريطاني حتى قبل أن يعلم بها ''بلير'' لن تجعله يسعد طويلا، بصورة ''مارجريت بيكيت'' أثناء زيارتها في وسائل الإعلام، لاسيما استقالة ''توم واتسون'' وزير الدولة لشؤون الدفاع، كما أن جولة ''مارجريت بيكيت'' التي شملت العراق والقاهرة لن تفيده كثيرا،لا سيما وأن صورة سياستها الخارجية تحتاج إلى أكثر من ترميم قد يصنعه تجميل لميت يبحث ذووه في وجهه عن لمحة حياة· الدليل على ذلك إعلان بلير عن استقالته في أجل أقصاه سنة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©