الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا وتداعيات حظر استيراد الغذاء من الغرب

17 أغسطس 2014 23:30
الروس على وشك أن يفقدوا فعلاً إمكانية الحصول على كل طعام مستورد من الغرب وهو يمثل قسطاً كبيراً مما يستهلكه الروس من طعام. بوتين أصدر أمراً بحظر الاستيراد كرد على البلدان الغربية التي فرضت عقوبات اقتصادية ضد روسيا، بعد إسقاط طائرة الرحلة 17 للخطوط الجوية الماليزية شرق أوكرانيا. وحظر الطعام يمثل أكبر نقطة تحول لروسيا، أكبر من أي شيء آخر حدث هذا العام. فهي نقطة تحول أكثر تأثيراً من ضم شبه جزيرة القرم ومن أحدث مجموعة من القوانين القمعية التي أقرها البرلمان الروسي ومن تأثير العقوبات التي فرضها الغرب. روسيا الآن، بلد في حالة حرب. فالحظر على الأغذية الغربية أدى بالفعل إلى رفع الأسعار وإلى تهافت على المتاجر. وكانت أسعار الغذاء ترتفع بمعدل مثير للإزعاج قبل الحظر، والآن قد تحلق أسعار الغذاء إلى ارتفاع شاهق. وقد يحدث نقص في بعض المواد الغذائية. ومازالت ذكريات النقص في المواد الغذائية حية في وجدان الروس الذين تزيد أعمارهم على 30 عاماً. لكن آلة الدعاية الحكومية تعمل جاهدة على ألا تجعل الروس يربطون بين الصعوبات التي تلوح في الأفق وبين ذكريات الاقتصاد الفاشل للاتحاد السوفييتي، بل بالكفاح أثناء الحرب العالمية الثانية، وأن ينظروا إلى خسائرهم باعتبارها تضحيات تاريخية تبذل في الحرب. وهذه الدعاية التي تستند إلى ذخيرة كبيرة من القصص الأدبية والسينمائية عن الحرمان المجيد في زمن الحرب، قد تحقق نجاحاً بالفعل مع الغالبية العظمى من الروس الذين يدعمون جهود الحرب الحالية على المدى القصير على الأقل. ومن الثابت أن أي بلد في حالة حرب لا يعلن الحرب على العدو في الخارج فحسب، وهو في هذه الحالة الغرب الذي تمثله أوكرانيا لكن أيضا على العدو في الداخل. وأشار بوتين في كلمته التاريخية في البرلمان في مارس التي أعلن فيها ضم القرم إلى «الطابور الخامس» من «خونة الوطن» الذين يتواطؤون مع الغرب. ومع فرض الحظر على الطعام المستورد خرق بوتين هدنة طويلة الأمد مضطربة مع الجماعة التي ينظر إليها بأكبر قدر من الريبة وهي مجتمع المقاهي الروسية. ومن الجدير بالذكر أن أول عقد لبوتين في السلطة واكبته فترة من الرخاء غير المسبوق في روسيا مدعوما بفضل انتعاش كبير في أسعار الطاقة. وهذه الثروة التي جاءت عرضاً سمحت لبوتين بأن يعزز سلطته سريعاً، وأن يؤسس حكماً سلطوياً في روسيا. وبينما كان بوتين يفرض سيطرته على وسائل الإعلام ويفكك النظام الانتخابي، كانت الطبقة المثقفة والطبقات التي حققت ثراء حديثا تستكشف مباهج الطعام والشراب الجيدين. واتضح أن أي شخص يتمتع بدخل وافر مستعد في واقع الحال لخسارة قدر كبير من الحرية، إذا رافق هذا الحصول على الوجبات اللذيذة في أجواء وأماكن أكثر راحة. والحق يقال إن الأماكن الجميلة جاءت أولاً ثم جاء بعدها الطعام متأخراً بسنوات. لكن بحلول نحو عام 2010 أصبحت موسكو تزخر بالكثير مما تقدمه لمحبي تذوق الطعام الفاخر. والشهر الماضي، أمضيت أسبوعاً أجريت خلاله مع أشخاص مختلفين محادثات تدور حول موضوع واحد وهو الوجبات الجيدة في مطاعم موسكو المختلفة. وتحدثنا عن تغير اتجاه التاريخ وعن التوقعات المستقبلية الكئيبة للغاية للبلاد واحتمالات الهجرة لبلاد أخرى. وفي كل المحادثات جاءت مرحلة ما من الحوار ينظر فيها الشخص الذي أحاوره حوله ويقول شيئاً من قبيل «لكن يوجد هذا هنا»، في إشارة إلى مكان يقدم الطعام الجيد من قائمة وجبات مبتكرة في شرفة في الهواء الطلق. وأصدقائي محقون في أن وجود مثل هذه المطاعم في موسكو لا يتواءم مع روسيا التي تتحول إلى بلد محارب من العصور الوسطى. ويعرف بوتين أيضا هذا والحظر الذي فرضه على الأغذية ينقل رسالة بسيطة إلى أشخاص أصحاب عقلية مختلفة مفادها: لن تستطيعوا الجلوس في مقاهيكم فيما بعد. وفي اليوم التالي لإعلان بوتين الحظر على الأغذية وجه رئيس الوزراء ديميتري ميدفيديف ضربة أخرى قد تكون قاتلة لثقافة المقاهي الروسية، بإعلانه ما يرقى إلى الحظر على إمكانية الحصول على الإنترنت اللاسلكي «واي فاي» في الأماكن العامة. وبعد التحسر على اختفاء جبنة الموزاريلا الإيطالية واللحوم الأسترالية والزبادي الفنلندية والآيس كريم الأميركي الرخيص، أشار مدونون روس أيضاً في الأيام القليلة الماضية إلى أن بوتين بفرضه ما يرقى إلى عقوبات إضافية قد يُضعف حكومته. وقُصد بالعقوبات التي فرضها الغرب بالطبع أن تؤثر على تغيير النظام لا أن تغير عقلية بوتين. فهل سيجدي أي نوع من العقوبات نفعاً في الضغط على الصفوة كي تتحد ضد بوتين؟ إذا حصل هذا فلن نعرف إلا عند حدوثه بسبب النسيج المحكم للنظام الذي وضعه بوتين. وهناك شيء واحد واضح رغم هذا، وهو أن روسيا في عهد بوتين أصبحت منغلقة على نفسها والحظر على الأغذية جزء مهم من نفي أي ادعاء بأنها جزء من العالم الأوسع. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©