الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحجاج والعُمار وفد الله

الحجاج والعُمار وفد الله
28 أكتوبر 2010 21:09
في مثل هذه الأيام من كل عام، تهفو قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وتتجه الأنظار نحو بيت الله العتيق، يحملها الشوق ويدفعها الأمل فيما عند الله سبحانه وتعالى، مستجيبين بذلك لدعوة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام- عندما أمره ربه سبحانه وتعالى بقوله : (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) ( سورة الحـج الآية 27). ومن المعلوم أن الحج ركن عظيم من أركان الإسلام فهو الركن الخامس، وهو عبادة روحية ومالية وبدنية، حيث يقول الحق تبارك وتعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (سورة آل عمران الآية 97). وتتولى مواسم الطاعات وتنجلي، بالأمس القريب ودعنا شهر رمضان، وها نحن نستقبل موسماً آخر من مواسم الطاعات، فمن قصّر في أيامه الماضية فعليه أن يستدرك ما فات، وأن يغتنم عمره قبل الممات، وأن يتوب إلى الله توبة نصوحا، لقوله رسولنا الأكرم محمد- صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم تطلع الشمس من مغربها) (أخرجه مسلم). فها هم المسلمون يحذوهم الشوق لمهبط الوحي الذي عم البلاد لينعموا بالصلاة في المسجد الحرام وليطوفوا بالبيت العتيق، ولتكتحل عيونهم بالصلاة في مسجد الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ . والغرض من الحج تهذيب النفوس، والتعرف على المسلمين، ومعرفة أحوالهم والإحسان إليهم والتعرف على مهد الإسلام ومنطلق هذه الدعوة، فإذا أكرمك الله- أيها الحاج- بالوصول إلى تلك الربوع الطاهرة، وملأت عينيك من تلك الرياض على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فتأدب مع صاحبها، وتقدم لزيارته بلطف، وسلِّم عليه حيث أمكنك السلام، واشتغل ما دمت هناك بغرضك الذي جئت من أجله. واعلم أن ركعة في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تساوي في الفضل ألف ركعة فيما سواه، فإذا ذهبت إلى مكة المكرمة وكنت في جوار الله وفي ضيافته، فحيّي بيته أولاً بالطواف، واستكثر من الصلوات بلا كلل، واعلم أن ركعة في بيت الله الحرام تساوي في الفضل مائة ألف ركعة فيما سواه، واخفض من صوتك، واغضض بصرك، وأحسن لمن أساء إليك، وكن كالنخلة يقذفها الناس بالحجارة وتلقي إليهم الرطب الجني. وإن استطعت أن تكون خادماً للضعفاء، وعوناً لذي الحاجة، فلا تبخل بما أعطاك الله من صحة ومال، فإن من أجلِّ مناسك الحج التعاون على البرّ والتقوى، واعلم أخي الحاج أنك ستفتح مع الله صفحة جديدة، وسترجع بثوب ناصع أبيض، وصحيفة بيضاء، فلا تسوِّدها بالمعاصي قبل رجوعك إلى أهلك. فضل الحج الحج من أفضل الأعمال والقربات عند الله سبحانه وتعالى، كما أنه يعدل الجهاد في سبيل الله، فالحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة، كما أنه سبب لغفران الذنوب، وهو أحد أركان الإسلام لقوله تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) (سورة الحج، الآيتان 25-26)، كما ورد في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (سُئِل النبي- صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور)(أخرجه الترمذي)، ولقوله- صلى الله عليه وسلم- يقول: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) (أخرجه البخاري). فضل العمرة العمرة عبادة عظيمة فيها منافع كثيرة نذكر منها أنها تنفي الفقر والذنوب، فعن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ( تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة) (أخرج البخاري ومسلم). وروي عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (الحجاج والعمار وفد الله تعالى، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم) (أخرجه النسائي وابن ماجة). وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (إن عمرة في رمضان تعدل حجة)(حديث متفق عليه)، وفي حديث آخر قال عليه أفضل الصلاة والسلام: (فعمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي)(أخرجه مسلم)، وورد عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: ?( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)(أخرجه البخاري). وعليك يا أخي الحاج حتى يكون حجك مبروراً، وسعيك مشكوراً، وذنبك مغفوراً أن تتعلم كيفية الحج، وأن تسأل عن أمور دينك {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (سورة النحل الآية 43)، وعليك أن تقتدي بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: (لتأخذوا مناسككم)، (أخرجه مسلم)، لذلك نسوق إليك أخي الحاج بعض الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج كي تبتعد عنها، ولتكون على بينة من أمر دينك فالوقاية خير من العلاج : 1- يتجاوز بعض الحجاج الميقات بدون إحرام خصوصاً حجاج الطائرة، حيث يقول بعض الحجاج بأنني سأحرم من جدة أو المكان الذي سأنزل فيه، وهذا مخالف لما ورد بأن لكل جهة ميقاتاً خاصاً بها، لذلك يجب على من تجاوز الميقات بدون إحرام أن يرجع إليه ويحرم منه، وهذا هو الأصل والأفضل، وإلا فعليه فدية يذبحها في مكة ويطعمها للفقراء. 2- يقوم بعض الحجاج بالطواف من داخل حجر إسماعيل، وطوافه باطل لأنه لا يكون قد طاف بالكعبة وإنما طاف ببعضها، لأن الحجر من الكعبة، والصواب أن يطوف من خارج حجر إسماعيل. 3- يقوم بعض الحجاج بالصلاة عند مقام سيدنا إبراهيم مع ما فيه من الأذى للطائفين، حيث يعرقل طوافهم ويؤذيهم، فصلاة ركعتي الطواف جائزة في أي مكان من المسجد، فالصلاة تحتاج إلى خشوع، وهاتان الركعتان ليستا من الطواف، ولا شرطاً لصحته، بل يصح الطواف بدونهما. 4- الإسراع في السعي بين الصفا والمروة في جميع الأشواط السبعة، والوارد في السنة أن يكون الإسراع بين العلمين الأخضرين فقط في كل شوط، ويعرف ذلك بخطين أخضرين في البلاط ويكفي المشي في بقية الأشواط. 5- تصميم بعض الحجاج على صعود جبل عرفة والوصول إلى قمته مما يلحق الكثير من الأذى والضرر، وعرفة كلها موطن كما جاء في الحديث إلا وادي عُرنة، كما أن البعض يقف خارج حدود عرفة، وهذا خطأ كبير يفوت الحاج فقد جاء في الحديث (الحج عرفة) فعلى الحاج أن يتحرى الحق والصواب، ومن الخطأ الانصراف من عرفة قبل غروب الشمس فقد جاء في الحديث أن الرسول وقف بعرفة حتى غربت الشمس تماماً. 6- انشغال بعض الحجاج بجمع الحصي من المزدلفة، بدلاً من المسارعة إلى صلاة المغرب والعشاء، فالحصي يجوز أخذها من أي مكان من الحرم. 7- ما يرتكبه البعض من أفعال سيئة عند رميهم الجمار كأن يرمونها بحجارة كبيرة أو أحذية، وما يحدث عندئذ من ألفاظ نابية مخالفة لهدى الرسول الكريم، كما ويقوم البعض برمي الحصي من مسافة بعيدة، وهذا يسبب الأذى لمن يقومون بالرمي عن قرب، بل إن الحصى لا تصل إلى المكان المخصص للرمي، بل تسقط على الرؤوس، والمشروع رمي الحصى واحدة فواحدة، والتكبير مع كل حصاة. 8- قيام بعض الحجاج بإيذاء إخوانهم، وما يحدث من تدافع يسيء إلى الطائفين والراكعين عند محاولات البعض تقبيل الحجر الأسود، مع أن الوارد شرعاً استلامه وتقبيله إن تيسر ذلك وإلا فيجب البعد عن إيذاء الحجاج وتكفي الإشارة والتكبير إذا حاذاه ولو كان بعيداً عنه، لما ورد أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب-رضي ا لله عنه-قال: (و الله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك). 9- ترك بعض الحجاج المحافظة على صلاة الجماعة، والانشغال بشراء الحاجيات من الأسواق، نذكّر هؤلاء بأنهم قدموا لأداء الفريضة ولتحصيل الثواب، ولا يخفى على الحاج فضل صلاة الجماعة، وأنها أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة. 10- يسرف بعض الحجاج في شراء الهدايا على حساب الهدي الواجب عليهم إن كانوا متمتعين أو قارنين، فالحاج عليه أن يختار الهدي الطيب، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وعليه أن يتولى الذبح بنفسه، ويقوم بسلخه وتوزيعه على الفقراء، ويجوز أن يأكل الحاج من هديه، ومن تعسر عليه الذبح والتوزيع فيجوز- وفي هذا الوقت هو الأفضل- أن يدفع ثمن الهدي للبنك الإسلامي الذي يذبح عنه، ويتولى توزيع الذبائح على فقراء المسلمين، وذلك مقابل شيك يستلمه الحاج من البنك الإسلامي مقابل المبلغ الذي دفعه ثمناً للهدي. نسأل الله للجميع حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©