الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر... ما وراء اضطرابات المحلة

24 يوليو 2012
منذ أربع سنوات على وجه التقريب، بذرت الاحتجاجات التي اندلعت في المحلة الكبرى هذه المدينة المشهورة بصناعة الغزل والنسيج، بذور الثورة، التي أطاحت بحكم مبارك. واليوم تغلي المحلة مرة ثانية، بعد أن دخل إضراب عشرات الآلاف من العاملين في مصانعها أسبوعه الثاني، وهو ما يمثل اختباراً مبكراً لرئيس مصر الجديد محمد مرسي. والقلاقل العمالية الآخذة في الانتشار تهدد واحدة من صناعات التصدير المصرية الرئيسية، في وقت تترنح فيه البلاد على شفير أزمة في ميزان المدفوعات، كما تبين كيف أن التوقعات التي خلقتها الثورة التي جرت العام الماضي قد ظلت غير متحققة لحد كبير، وكيف يمكن لمشاعر الإحباط أن تتفاقم وتسبب المزيد من القلاقل، التي يمكن أن تقود بدورها إلى المزيد من العواقب الكارثية على الاقتصاد. يقول حمدي نشيبي(60 عاماً) وهو يرتدي جلباباً رمادياً فضفاضاً، وعمل في مصانع المحلة الواقعة في قلب منطقة الدلتا الخصبة لمدة خمس وأربعين سنة كاملة:"المحلة هي التي خلقت روح الثورة... ولكن بعد أن تمت الثورة السنة الماضية ونال الناس حقوقهم، فإنهم جميعاً وبلا استثناء نسوا تضحيات المحلة... باختصار استطيع أن أقول إن الثورة قد نسيتنا". وقبل أن ينتهي"نشيبي" من كلامه كان قد تجمع حوله عشرات من المحتجين المتجمعين حول مباني المصانع في ظهيرة يوم قائظ الحرارة مؤخراً، والذين راحوا يشيرون بأياديهم في غضب، وهم يحاولون شرح مطالبهم التي كانت تتمثل في الحصول على نصيب من الأرباح التي تحققها شركة مصر للغزل والنسيج الضخمة، وتحسين نظام الرعاية الصحية، وزيادة قيمة معاشات ومنافع التقاعد، ورفع الحد الأدنى للأجور من 700 إلى 1000 جنيه مصري شهرياً. ومن المعروف أن الإضرابات قد انتشرت في مصر خلال الأسابيع التي تلت انتفاضة2011 وهو ما وجه ضربة قاصمة للاقتصاد المصري، لم يفق من تداعياتها حتى الآن. ولم تقتصر الأضرار على ذلك حيث أدت تلك الإضرابات، والاختلال الأمني في البلاد في الشهور التي تلت الانتفاضة، إلى إحجام السائحين والمستثمرين عن القدوم لمصر، الأمر الذي اضطر سلطاتها إلى السحب من الاحتياطي النقدي الأجنبي لمواجهة الخسائر المتوالية والمتطلبات العاجلة، ما أدى في نهاية المطاف إلى هبوط ذلك الاحتياطي إلى مستويات متدنية بدرجة خطيرة. وعلى الرغم من أن وتيرة إضرابات العام الماضي العمالية قد خفّت، فإن الإضراب في مصنع مصر للغزل والنسيج في المحلة الكبرى، الذي يبلغ عدد العاملين فيه 22000 عامل قد انتشر لسبعة مصانع أخرى أصغر حجماً تابعة للقطاعين العام والخاص، وهو ما جعل الناشطين في المجال العمالي، يتحدثون عن ثورة عمال جديدة شاملة ستمتد هذه المرة لمختلف أنحاء البلاد. وتمثل الإضرابات العمالية الحالية تحدياً عويصاً ومبكراً للرئيس الجديد محمد مرسي، كما يقول مصطفى كامل السيد من مؤسسة "شركاء التنمية في البحوث والاستشارات" وهو بيت خبرة مصري متخصص في تقديم الاستشارات في مجال دراسات التنمية مقره القاهرة. ويرى"السيد" أن التحدي الكبير الذي يواجه مرسي في الوقت الراهن هو الوفاء بالتوقعات المتنامية للمصريين، والعمل على إعادة ليس فقط الضبط والربط في المجال الأمني، وإنما الانضباط الاقتصادي أيضاً، مع مواجهة التدهور المتزايد في موارد المالية العامة. ويقول"السيد":" لقد أصاب الركود الاقتصاد منذ قيام الثورة... فالحكومة تفتقر إلى الموارد ولكنها لا تستطيع مع ذلك فرض ضرائب أعلى. وهو ما يضعنا في وضع بالغ الحرج والحساسية". وكان مرسى الذي تولى الحكم في الثلاثين من يونيو الماضي، قد وعد بالتحرك بسرعة من أجل إنعاش الاقتصاد المصري المأزوم. ولكن ما حدث بدلاً من ذلك، هو أنه وجد نفسه خلال الأسابيع الثلاثة الأولى منهمكاً في صراع على السلطة والنفوذ ضد القادة العسكريين، الذين استغلوا الصلاحيات العريضة التي كانوا يحظون بها بعد الثورة، في حل البرلمان الذي لم يكن قد مضى وقت طويل على انتخابه، وفي الحد من صلاحيات رئيس الجمهورية. وفي هذا السياق يحذر الخبراء الاقتصاديون من أن عدم اليقين بشأن الجهة التي تدير البلاد بالفعل يمكن أن يؤخر قرضاً من صندوق النقد الدولي تدور بشأنه المفاوضات، وتحتاج إليه مصر بصورة ماسة. في نفس الوقت تحطمت آمال هؤلاء الذين كانوا يعتقدون أن مرسي سوف يتحرك سريعاً، ويقوم بتعيين مجلس وزراء جديد، وذلك بعد تلكؤه في القيام بذلك، وقيام صحيفة بنشر خبر مؤداه أن تشكيل المجلس لن يتم إلا بعد انتهاء شهر رمضان الذي يصوم فيه المسلمون، وهو" ما مثل خيبة أمل كبيرة لمجتمع الأعمال والكتل الناخبة الأوسع نطاقاً" كما يقول أنجس بلير مؤسس مركز"ساينت" للبحوث الاقتصادية والسياسية ومقره القاهرة. وحذر خالد على المحامي، والناشط السياسي، وأحد المرشحين الذين خاضوا سباق انتخابات رئاسة الجمهورية الأخير، من أن خصمه السابق يحتاج إلى العمل بسرعة لمعالجة المظالم التي يعاني منها العمال، مع العمل في نفس الوقت على الوفاء بالتوقعات الأوسع نطاقاً للأمة بأسرها. وقال خالد علي بعد أن اجتمع مع العمال المضربين في المحلة:"لقد كان الناس يأملون الكثير من فترة المئة يوم التي حددها مرسي بنفسه لحل الكثير من المشكلات. وإذا ما استمر في العمل على هذا النحو الذي نراه، وإذا ما تواصل صراعه ضد العسكر، فإنني اعتقد أن الناس لن يظلوا هادئين ومستقرين".وأنهى"علي" كلامه بالقول" هذه الإضرابات سوف تتفاقم وتعزز صفوفها في مواجهته وحينئذ سوف يجد نفسه في وضع بالغ السوء". سايمون دينيفر المحلة الكبرى - مصر ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©