الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد محيي الدين: الإمارات ملتقى جنسيات العالم وأرض أحلام البسطاء

محمد محيي الدين: الإمارات ملتقى جنسيات العالم وأرض أحلام البسطاء
23 فبراير 2009 23:18
يوزع دفاتره الحمراء على زبائنه، ليكتبوا بخطوط أياديهم أسماء البضائع التي قاموا بشرائها من متجره الكبير، كي يتمكنوا من تسديد ثمنها إلى حين ميسرة·· فلا أحد في أم القيوين لايعرف محمد محيي الدين، الرجل البسيط الذي اختارت له والدته الاسم الذي أطلقه على ''السوبر ماركت'' الذي بات الآن، بعد رحلة صبر وكفاح، مشهورا ذائع الصيت·· فيما يعد هو صاحب أكبر وأشهر المتاجر الغذائية في الإمارة· خلال تلك السنوات، تشكلت لدى محيي الدين خبرات في مجالات عديدة، سواء تلك التي تتعلق بمهنته، أو في جغرافية إمارات الدولة ومناطقها، أو في الحياة عموماً، حيث قضى في الإمارات نصف عمره· قدم محيي الدين إلى الدولة قبل 30 عاماً، فبدأت رحلته عام 1979 من عجمان، حيث يقول عن البدايات: ''عملت في عجمان لمدة سنتين، في الطهي وكي الملابس ضمن البيوت، ثم عملت في ذات المهنتين بدبي لمدة سنتين، انتقلت بعدها إلى فندق ''خمسة نجوم'' في أبوظبي وعملت فيه 8 سنوات·· ثم تيسر لي أمـر القدوم إلى أم القيوين مطلع التسعينيات، وافتتحت دكاناً صغيراً بمساعدة أخي، ثم توسع نشاط الدكان، ورويداً رويداً افتتحت المتجر الكبير الذي ترونه الآن''· ويصمت محيي الدين قليلاً، ويبدو عليه التأثر، ثم يقول: ''أطلقت والدتي رحمها الله، اسماً جميلاً على الدكان، وأنا مدين لها بنجاحي وحياتي كلها، فلقد تعلمت منها أشياء كثيرة، وفي مقدمتها حسن التعامل مع الناس·· فالحمد لله لدي زبائن كثر يشترون من متجري، منهم الإماراتي، والمصري، والسوري، والفلسطيني، والمغربي، واليمني، والأردني، والفلبيني، والهندي، والباكستاني، والاسترالي، وكذلك من أوروبا''· يبتسم مؤكداً أنه يعرف جميع الأسماء التي تشتري من دكانه· ويضيف: ''لدي دفاتر حمراء يوقع عليها زبائني عند الشراء، أوزعها على جميع الذين يتعاملون بطريقة السداد آخر كل شهر، حيث يكتبون بأنفسهم قيمة الأغراض التي يشترونها، ثم يسددون عندما يقبضون الرواتب· وقد نشأت علاقات إنسانية طيبة بيننا، بعضهم يستدين مني المال لقضاء حاجة، فأساعده حباً بالله''· أخلاقيات المهنة يذكر محيي أن هذه الطريقة تريح الزبون، وتشعره أن صاحب المتجر يتفهم ظروفه ولا يحرجه، يقول: ''ما زال الناس بخير وإن شاء الله أكون منهم، فالإنسان يجب أن يكون ودوداً طيباً، وإذا ما تعرض للظلم من الصعب أن يتحول إلى ظالم، ويبدو أن هذا هو السر الذي جعل من ''السوبر ماركت'' الذي أمتلكه، مكاناً يستقطب سكان الإمارة لاقتناء حوائجهم· فلست أنسى أنني جئت إلى هذه البلاد الطيبة للعمل ''فرّاش'' ثم أصبحت من أكبر وأشهر تجار المواد الغذائية، ومتجري كما البيت للمدرسين والأطباء والمهندسين والموظفين، من الإمارات وكافة الجنسيات القاطنة في أم القيوين، يقصدونه لشعورهم بأنه يقدم لهم المواد الغذائية الجيدة والمعاملة الطيبة قوامها الود والخير''· برنامج صباحي يتسم حديث محيي الدين بخفة الظل، إذ يقول: ''أحب الصحافيين، وأقرأ أحياناً جريدة الاتحاد التي تباع في متجري، كما تتوفر جميع الصحف العربية والأجنبية الصادرة في الدولة· بينما يشتري الصحافيون من عندي ولا يناقشوني في السعر لأن الأسعار مخفضة وثابتة، وأكتفي بالربح القليل''· ويضيف موضحاً برنامجه اليومي: ''أصحو صباحاً وأتجه لجلب الخضراوات والفاكهة الطازجة يومياً من سوق دبي، أما بقية السلع الغذائية فإن السيارات تنقلها من محال الجملة الكائنة في عجمان والشارقة ودبي، وأشرف بنفسي على استلام وتسليم البضائع، خشية الغش أو انتهاء صلاحية السلع، لأنها مواد غذائية متعلقة بأرواح وصحة الناس، وحين تكون تالفة أقوم بإرجاعها إلى مصدرها، أو بالتخلص منها عبر رميها في أكياس القمامة· فلست ألجأ إلى الغش رغم غلاء الأسعار، وارتفاع الإيجارات، حيث أدفع 120 ألف درهم سنوياً أجرة المتجر، فيما كنت قبل نحو 20 سنة، أدفع 8 آلاف درهم فقط''· 100 ألف درهم بعد تجربة عمل طويلة امتدت ثلاثة عقود، بات يحقق دخلاً سنوياً جيداً يقول: ''إذا قدّر لي أن أبيع سلع بمليون درهم في العام، فبعد حسم المصاريف لا يبقى أكثر من 100 ألف درهم· والحمد لله فإن المال الذي جمعته من التجارة، أقمت به بناية من ثلاثة أدوار، بمعدل ثلاثة أدوار في ثلاثة أعوام·· ولدي في المتجر 5 من العمال الذين يأكلون ويشربون مما نأكل ونشرب، حيث تقوم زوجتي بطهي الطعام للجميع دون استثناء، كما أنهم يسكنون على حساب المحل ويتقاضون أجراً شهرياً جيداً''· ويسترسل موضحاً طبيعة حياته التي امتدت لعقود في الإمارات يقول: ''أنا منشغل طيلة الوقت بعملي لأنه يحتاج متابعة دائمة، وأسخّر موبايلي لأجل العمل، كما أن سيارتي ليست للتنزه، بل من أجل تسيير شؤون العمل أيضاً، إذ لا أذهب إلى أي مكان تقريباً خارج إطار عملي، وقبل عدة شهور ذهبت إلى دبي لمناسبة اجتماعية· كما أنني لا أقصد السينما ولا أشاهد الأفلام الهندية، رغم إقبال الهنود على مشاهدتها، إذ لا يوجد لدي أوقات فراغ، حيث أعود إلى البيت الساعة 12 ليلاً، ولا أتابع إلا الأخبار عبر التلفزيون، والأخبار المحلية عبر جريدة ''الاتحاد''· في القلب تغيرت حياة محيي الدين كلياً خلال عقود إقامته في الدولة، ونقلته فرص العمل من حال إلى حال، يقول: ''الإمارات بلد الفرص لكل إنسان جاء إليها من أجل العمل وتأمين مستقبله، وكذلك المشاركة في خدمتها وتطورها في كافة المجالات، فضلاً عن كونها تحقق الأحلام والطموحات، فلم أكن أتخيل حين قدمت إليها شاباً صغيراً أنني سأمتلك متجراً كبيراً للمواد الغذائية، فالإنسان مهما كان نشيطاً، وطاقته على العمل كبيرة، فإنه لن يصل إلى القمة، أو يحقق مكاسب مادية ومعنوية كبيرة إذا لم تتوفر له البيئة المناسبة الحاضنة لطموحاته، لذا اعتبر الإمارات بلدا يشجع القدرات والطموحات، ويدفع بها إلى الأمام''· يصمت لحظة متأثراً، ويضيف: ''أعتقد أن كل من يعيش في الإمارات يحبها، ويبقى هذا الحب في قلبه وذاكرته، بل إن كل من يزورها، أو يسبح في بحرها، ويتنزه على شواطئها، وفي أسواقها، ويأكل من خيراتها، ويتعامل مع شعبها الكريم النبيل يحبها ويحصد انطباعاً إيجابياً رائعاً عنها، فمن خلال سنوات إقامتي هنا، وتعاملي مع المواطنين، تأكدت أنهم شعب طيب يتعامل مع الآخرين بتهذيب وأخلاق وتواضع، كما أنه شعب كريم يجود بالمال على المحتاجين، قدوته في ذلك قيادته الحكيمة السباقة لفعل الخير، ومساعدة الشعوب الفقيرة والمنكوبة· كما أن الإمارات تحترم كل الجنسيات الموجودة فوق أرضها، ولا تفرق بين الناس، لأنها بلد القانون والنظام، وحين يحترم الإنسان نفسه، ويسير وفق هذه القوانين العادلة، فإنه يعيش حياته بسعادة وهناء''· مكاسب أخرى لم تقدم إمارات الدولة فرص العمل وتحقيق الطموح وجني المال الوفير فقط لمحيي الدين، بل ثمة مكاسب أخرى، يشير إليها ويقول: ''تعرفت على جنسيات متعددة واطلعت على ثقافاتهم وعاداتهم، ونشأت بيننا روابط اجتماعية وإنسانية، كما أتقنت عدة لغات ولهجات منها: ''الأوردية، العربية، الإنجليزية، الثاميلية، المالية''· وتعززت لدي سلوكيات احترام الناس وحسن التعامل معهم بصبر وأناة وتسامح، دون عصبية وانفعال مهما كانت الضغوط''· ويسترسل فيقول: ''الحمد لله لم أدخن سيجارة طيلة حياتي، لكنني أبيع السجائر، لأنه يفترض توفر السجائر في كل متجر ودكان''· أحوال العائلة يبلغ محمد محيي الدين 55 عاماً، وكان قد تزوج من ابنة خالته عام ،1982 عن وضعه العائلي وزوجته يقول: ''أحب زوجتي وأحترمها، وهي تبادلني هذه المشاعر وقد وقفت معي في جميع مراحل حياتي، من الفقر المدقع وحتى تحسن الأحوال المادية· وبدافع تقدير وقفاتها معه لم يفكر في الزواج مجدداً· ويضيف: ''أنا أحترم المرأة، وأشجع أن تتعلم وتعمل، لدي ابنة اسمها ''تسليمة'' تحمل شهادة إدارة أعمال، و ''تفهيمة'' في سنتها الجامعية الأخيرة، وهما تزوران الإمارات أثناء الإجازات، بينما ابنتي الصغرى ''راشدة'' فهي في الصف السابع تدرس في المدرسة الإنجليزية· وقد اكتملت سعادتي حين أديت فريضة الحج قبل عامين''· مسقط الرأس يعرّج محيي الدين خلال الحديث عن عائلته، إلى بلده الهند ومسقط رأسه، فيتحدث بحب وتأثر عنها، ويقول: ''أنا من مدينة ''مدراس'' الجميلة التي تشتهر بطبيعتها الساحرة، وبمصادرها الزراعية المتنوعة، حيث تزدهر فيها زراعة القطن والأرز ومختلف أنواع الخضار والفاكهة· كما أن الناس فيها على قدر كبير من الطيبة، وهم صابرون مكافحون ومتحابون· وأهم الصفات الحميدة لدى الإنسان الهندي ''إنه مؤمن وخلوق ومتعلم يجيد التعامل مع التكنولوجيا والكمبيوتر، ويعمل بجدية وإخلاص· وأنا شخصياً أحبهم كثيراً وأساعدهم قدر المستطاع، بل أحب كل أبناء شعبي، أفرح لأفراحهم وأتألم لآلامهم، وأبكي لبكاء فقرائها، وأعتز بشعبها بكل طوائفه الدينية والمذهبية· كما أحب بلاد الإسلام جميعاً وأحس بالقهر ورغبة بالبكاء حين أشاهد في التلفزيون ما يحدث في بلاد المسلمين، وكل بلاد العالم من حروب أو مآسي ومجاعات''· يصمت قليلاً ثم يقول: ''يغلبني التأثر حين أذكر مسقط رأسي مدراس ويغلبني الحنين خاصة أن فيها ابنتيي الجامعيتين، وهما غير متزوجتين بعد''· ويتطرق في الحديث عن الهند إلى مهر العروس هناك، ويقول: ''تتكفل العروس غالباً بنفقات العرس، بينما المهر مختلف بين الناس الأغنياء ومتوسطي الدخل وغير ذلك، لكن أغلب المهور هي 800 جرام ذهب، و3 آلاف روبية سمان، والمجموع كله من 50ـ 60 ألف روبية، فالعادة لدينا أن أهل العروس هم الذين يدفعون المهر! أما العريس فيحضر القليل من الذهب''· ولأن الشيء بالشيء يذكر، ابتسم وتابع القول: ''يُعرف عن الهنود حبهم البالغ للذهب عيار 24 قيراط، ولأن ''الهندوس'' يحبون الذهب كثيراً فإن المسلمين الهنود أخذوا هذا الأمر أو التقليد عنهم، خاصة أن المرأة الهندية مغرمة بالذهب الأصفر غالي الثمن، تحديداً الذهب الهندي الشهير· وهو يتوفر في إمارات الدولة بكثرة، وتحب بعض الجنسيات اقتناء قطع منه''· إيمان و تفاؤل يقطع محيي الدين استرساله، ويستدرك ليقول: ''إن الأخلاق أهم من المال والذهب، والإيمان ومخافة الله هما قمة الأخلاق الحسنة للإنسان، لهذا أنصح بعض مرتادي متجري من الشباب الذين ينظرون إلي كوالد، أن يباشروا مشوارهم في الحياة بالتعلم ومن ثم العمل وهم متسلحون بالإيمان والتفاؤل والصدق والنشاط والسعي، بعد الاتكال على الله سبحانه وتعالى في كل شيء''· في نهاية الحديث عن تجربته الحياتية التي انطلق في بدايتها من الصفر -كما يقول- ليحقق بفضل إيمانه بالله تعالى وتفاؤله وعمله وكفاحه وصبره؛ معظم أحلامه وطموحاته ويغير واقع الحال، دعى محمد محيي الدين زوجته، مشيراً إلى صبرها أمامنا ومعبراً عن امتنانه لأنها شريكة حياة وجهاد، مقدماً إليها وردة· في حين بات من المألوف أن يلاحظ الزبائن محيي الدين بين حين وآخر وهو يربت على كتف أحد عماله أو يثني على أحد موظفيه شاكراً، أو يودع أحد زبائنه ضاحكاً، أو حامداً ربه على كل حال محدثاً بنعمته، فتروي سلوكياته تلك بعض أسباب نجاحه·
المصدر: أم القيوين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©