السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المرأة وتماهيات الكائن والمكوّن

المرأة وتماهيات الكائن والمكوّن
27 أكتوبر 2010 21:04
ضمن سلسلة “نصوص أدبية”، أصدرت دار توبقال في الدارالبيضاء، الديوان الشعري الجديد للشاعر المغربي علال الحجام تحت ميسم “من يعيد لعينيك كحل الندى”. ويأتي هذا العمل الشعري الجديد بعد أعمال شعرية أخرى صدرت للشاعر وهي: “الحلم في نهاية الحداد” (1975)، “من توقعات العاشق” (1981)، “احتمالات” (1999)، “في الساعة العاشقة” (2001). وزّع الشاعر قصائد هذا الديوان على ثمانية أقسام، وفي كل قسم نجد ما بين أربع إلى تسع قصائد. في هذا الديوان نجد الشاعر علال الحجام يشتغل على تيمات عديدة تشغل الشاعر الحديث، وهي تيمات معروفة كالغياب، والعزلة، والغربة، تفاهة الحياة، اللاجدوى، العبث، الموت وغيرها من التيمات التي تتعلق بالإنسان في تواشجه الصعب مع إكراهات العصر الجديدة التي تصهرة في بوثقة اللاّ إنساني والمادي الصرف الذي يجهز على قيمه الجميلة التي ينادي بها. وهي ما يميزه عن الحيوان. ونجد أن العنوان الذي أطلقه على ديوانه يكشف عن ذلك، فالشاعر يتساءل “من يعيد لعينك كحل الندى؟”. والعنوان بذاته يكشف لنا عن قلق وخوف وتحسر من خلال التساؤل الاستنكاري الذي يقترحه الشاعر دون أن يفكر في الجواب، لأن الغرض هو استفزاز المتلقي إلى الانتباه بأن هناك شيئا ما افتقدته الحياة، وكما هو معلوم فالكحل مادة جمالية تمنح للعين قوة وزينة. يصرخ الشاعر في مقطع من قصيدته “لا أريد ندى يتوزعه حلمان”: “ليكَن ما تريدينَ.../ هذَا المساءَ الحزينَ،/ خِلافا لبرْنامجِ الأمسِ،/ إنّي سأخرِقُ كلَّ طُقوسي الأليفَةْ/ أرتِّبُ في غفْلَة من فُؤادي عَقاربَ وقْتي/ وأدْفنُ شرْنقَة الكبَواتِ السّخيفَةْ./ كلُّ شيْء غدَا قابلا للتحوّلِ/ سوْف أجوبُ الحديقةَ مشْيا.../ أُحاورُ نخْلاتِها/ وأسابِقُ صفْصافَها/ لاحْتضان ملائِكة راقصتْ خيْلَها في السُّهوبْ/ وأعدُّ عصافيرَها الراجعَهْ/ أتفرّسُ أفراحَ عشّاقِها ساعَة،/ ثمّ أرحلُ ممْتطِيا غيْمة ساعتينْ”. حضور المرأة في هذا الديوان يعيدنا إلى الأجواء لتي في القصائد الأخرى من مساحات أخرى من جسده . فالمرأة عند علال الحجام “كاهنة الألوان الغجرية” وهي هنا رمز أكثر منها امرأة مادية بجمالها وتضاريس جسدها وما تحيل عليه من متعة وأنس وخصوبة، وهو إذ يقول لها في قصيدته “من وردة على صدر الموديل”: “لا لوْم عليْكْ/ يا كاهنةَ الألْوان الغجريّهْ.../ لا لومَ على ليْل تُضيِئُُهُ الغدائرْ/ والّلومُ على بَهاء الأيْقونهْ/ فانا... ذاتَ نوْبة منْ نوْباتِ تاريخِنا المُحاصرْ/ بدأتُ أُراودُ اللَّوحةَ العذراءَ/ على نفسِها،/ أشكّلُ في سَديمها النَّظراتِ الحجرّيهْ/ خُطوطا باهِتة أزْهرَتْ/ بُقَعا تزرَعُ الّترابَ/ جِبالا/ منَ الشّبَقِ/ ظِلالا يُربِكها الدّوارْ/ قد تتذكّرينها وقد لا تتذكَرينْ.. / هل تُنكرينَ خَميرة/ على صدْركِ منْها بعضُ العَبَقِ؟/ خدَرُ الفرْشاةِ يتذكّرُها/ مثْلما تتذكّرها أقْلامُ الرّصاصِ/ كأْسا مُثلجَة في لَيالي فبْرايرَ البارِدهْ/ سُنْبلة مُكْتنِزة وعْدا/ تخْتزنُ فُصول الشّوقِ والحنينْ”. يتغنى علال الحجام بجمال المرأة في عدد كبير من قصائد هذا الديوان بصوت يجعل منها كائنا تتماهى فيه المكونات الجمالية الأخرى للكون كالطبيعة والروح والفطرة والصفاء... حين يقول: “لك اليومَ ما يجْتنيه انتِصارك فرحا بهيّا/ ولي ما يعاتب قلبي جرحا أقل،/ وموّال ليْل شجيّا.../ وماذا تبقّى له الآن من رعَشات الغباء/ سوى بعضُ نقع... هنا في الرّبُا/ ذات حرْب ضروس، وبعضُ حُطام/ من الذّكريات عَبوس بلوْن المغيبِ/ وسقْط خريف يحاصِر منتَصف الدّرب/ قبل الغُروب.../ وماذا؟/ فراشةُ شعر؟/ فراشةُ شعرِك ألطفُ/ حِينَ تعاتبُ جَمرَك بينَ المقاعِدِ/ تلثُم شاهدةَ القبرِ تَحضنني باكيَهْ.../ ربما كانتِ الآنَ إكليلَ غار يُواسي صَليبي/ وأُنشودَة شاكيَهْ...!”. ختاما نقول إن علال الحجام في أثره الشعري هذا يحمل صوتا دافئا وقوة شعرية غنية بالترميز والأيقونات ، وهو هنا إذ يختار معزوفة المرأة كطقس من طقوس الإنشاد الكورالي الطويل في ليل أطول، فإنه يعرف ما تحيل عليه من دلالات، فضلا عن كونها بؤرة الجمال، واستعارة كبرى لكل ما يغري في الطبيعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©