الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصناديق الوطنية··· تستأسد سياسياً بأنياب اقتصادية

الصناديق الوطنية··· تستأسد سياسياً بأنياب اقتصادية
13 فبراير 2008 23:17
تتوقف سلبية أو إيجابية صناديق الثروات الوطنية، على حكومات الدول التي تمنحها إما هذه الصفة أو تلك، فبينما تمكن الإشادة بصندوق الثروة الوطنية التابع لحكومة النرويج على سبيل المثال، فإنه يحق للولايات المتحدة الأميركية أن تبدي تخوفاً جدياً من صندوق ثروة وطنية آخر، ألا وهو الصندوق الصيني· وكما نعلم فإن هذه الصناديق هي عبارة عن مؤسسات استثمارية، عادة ما تتولى إدارتها حكومات الدول، بينما يتم تمويلها بواسطة فائض الاحتياطيات النقدية الأجنبية، الناتجة بدورها عن الفائضات التجارية المزمنة، وتعمل هذه الصناديق عادة بصفتها وسيلة لتحقيق الاستقرار المالي للدولة المعنية، إلا أن الصين تلجأ لاستخدام صندوقها الخاص لخدمة أغراض اقتصادية مغايرة تماماً، ترتبط بنزعة شريرة هدفها دفع الآخرين نحو الخسارة، ولعل أوضح دليل على هذا تلاعب الصين بعملتها من أجل تعزيز صادراتها من جهة، وخلق وظائف جديدة لمواطنيها من جهة أخرى، على حساب العمال الأميركيين· في سبيل الحفاظ على انخفاض قيمة اليوان وثبات سعره، تعمد بكين إلى تثبيت قيمة دولاراتها الصادرة، وذلك بواسطة إصدار السندات المالية لمواطنيها بأسعار فائدة مرتفعة جداً، وبذلك يحافظ البنك المركزي الصيني على ربط قيمة اليوان بالدولار عن طريق شراء السندات المالية الأميركية بأسعار فائدة منخفضة نسبياً، وفي حين تحقق الصين عائدات سالبة من هذه السياسات، إلا أنها تعوض عن خسائرها المالية بصادراتها الكبيرة وبرفع معدلات إجمالي ناتجها القومي، كما تستخدم بكين احتياطياتها النقدية الأجنبية كما لو كانت سلاحاً سياسياً بيدها، فمتى ما تزايدت الضغوط داخل الولايات المتحدة بهدف حمل الصين على التوقف عن التلاعب بأسعار عملتها، أو لوقف أي ممارسات تجارية أخرى غير نزيهة، سرعان ما تلوح الصين بعصا التهديد بسحب أرصدة احتياطياتها من العملات الأجنبية في الخارج، إلى جانب التوقف عن شراء السندات المالية الأميركية، وبالفعل فقد نجح المسؤولون الصينيون في إثارة الذعر في نفوس نظرائهم الأميركيين ومنعهم من تصعيد تلك الضغوط ضد بكين، مخافة أن ينجم عن التهديدات الصينية هذه، ارتفاع هائل في معدلات الرهن العقاري وأسعار الفائدة، على نحو ربما يعجل بحدوث موجة ركود مدمرة للاقتصاد الأميركي· وبسبب إظهار الصين عزمها مراراً وتكراراً على استخدام احتياطياتها من النقد الأجنبي، بمثابة سلاح سياسي اقتصادي بيدها، فمما لا ريب فيه أن خسارة أميركا سوف تكون باهظة فيما لو جرى استخدام هذه الأداة بالفعل، خاصة مع ما نرى من تسارع مخيف لقدرة صناديق الثروة الوطنية الصينية على شراء الكثير من الأصول والشركات الأميركية على نحو تمكنت به هذه الصناديق من فرض نوع من الهيمنة الاقتصادية على الأصول والشركات المعنية· ومما يثير المخاوف الاستراتيجية بحق، أن تسعى الصين لبسط هيمنتها على قطاعات اقتصادية أميركية حيوية، تمتد من الموانئ إلى خدمات الاتصالات، وصولاً إلى قطاعي الطاقة والدفاع· بل الخوف أيضاً أن تفضي هيمنة صناديق الثروة الوطنية الصينية هذه على الشركات والمصالح الأميركية، إلى تهجير الوظائف وكذلك تهجير أفضل ما لدينا من ممارسات إدارية في مجال الاستثمارات، بل وتهجير أفضل ما اكتسبناه من مهارات بحث وتطوير في شتى قطاعات اقتصادنا القومي إلى خارج الحدود الأميركية· بل الأسوأ من ذلك أن تعمد الصناديق الصينية هذه إلى تهجير التكنولوجيا الأميركية إلى الخارج، مع تقليص توفرها محلياً للمستهلكين الأميركيين، وهي سياسات تلحق أضراراً بالغة ومباشرة بالاقتصاد القومي الأميركي؛ أما في حال تهجير مهارات البحث والتطوير وكذلك النخبة الإدارية المتميزة والتكنولوجيا الأميركية إلى الصين، فإن من شأن ذلك أن يترك آثاراً سلبية كبيرة على مستقبل ونمو اقتصادنا في المستقبل· وفي حين تشكل الممارسات الصينية هذه مصدر الخطر الأكبر لصناديق الثروة الوطنية المذكورة، إلا أن تسارع نمو الصندوق الروسي لا يقل خطراً هو الآخر خلال السنوات القليلة الماضية، وفي هذا فإن صندوق ''أكزيبيت أيه'' يمثل الأداة الرئيسية التي تستأسد بها موسكو على كل من أوروبا وجمهورية أوكرانيا، وعرقلة حصولهما على احتياطيات الغاز الطبيعي بأسعار معقولة· غير أن من الخطأ بالطبع إصدار حكم سلبي مطلق على جميع هذه الصناديق، فبينها الصندوق النرويجي على سبيل المثال، الذي يلاحظ أنه يؤدي دوراً إيجابياً كبيراً في تحقيق الاستقرار المالي للنرويج، فهو يدر من العائدات المستمرة ما يؤمن للأجيال المقبلة مواصلة التمتع بنفس المستوى المعيشي الذي اعتادت عليه حالياً بفضل عائدات النفط الكبيرة التي تتمتع بها النرويج· ومهما يكن، فقد أصبحت الولايات المتحدة في أشد الحاجة لتبني سياسات متكاملة إزاء الصناديق هذه، غير أن العقبة الرئيسية أمام وضع هذه السياسات هو الدور الإيجابي الذي تلعبه الصناديق نفسها في ظل الأزمة المالية العالمية الراهنة، من خلال توفيرها للسيولة النقدية المطلوبة· بيد أن من الواجب ألا تنخدع الولايات المتحدة بهذا الدور، فتعتقد أنها في مأمن من هذه الأزمة بسبب الدور المنسوب للصناديق هذه· وبما أنه يتم تمويل الصناديق إياها من اللاتوازنات التجارية البعيدة المدى، وكذلك من دولارات النفط القادمة من البلدان الشرق أوسطية المنتجة للنفط، إلى جانب أرصدة الدولارات الناتجة عن الأنشطة التجارية الآسيوية، فقد أصبح لزاماً على أميركا تبني سياسات طاقة شاملة، تمكنها من إحداث خفض كبير لوارداتها النفطية، إلى جانب الانقضاض على شتى أشكال الممارسات التجارية غير النزيهة، التي خلقت من الصين هذا العملاق الزائف الذي تبدو عليه الآن· بيتر نافارو أستاذ علوم الاستثمار بجامعة كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©