الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عمال المناجم ونيرودا

26 أكتوبر 2010 20:40
“من المناجم السامقة انتخبتُ. جلبت الرمال معي، السهل الرمادي، القمر المترامي، المعادي بتلك القفار، ليل عامل المناجم، ظمأ النهار الوحشي، والملعقة النحاسية، البائسة، التي يحتسون بها حساءهم التعس. حملت إلى هناك الصمت الدم الدافق من ذلك القفر الشمالي، الذي يعج بعمال المناجم المطحونين”. كانت ملحمة هائلة، وتحد كبير، لا يقوى عليه غير من عرف الحياة بأسلوب آخر، ومن قرأ قصائد بابلو نيرودا جيداً، ومن شاهد الإنسان الحر كيف يتجاوز القمع في التشيلي قديماً، وينهض من المناجم صلباً وقوياً مثل عمود فولاذ، تماماً كما صمد العمال تحت الأرض أكثر من (60) يوماً، كانت عزيمة الرجال قوية وصمودهم شيئاً نادراً، بل إن التنظيم الهائل في كيفية تجاوز الأزمة بعزيمة الرجال الأقوياء، هي واحدة من الدروس العظيمة تماماً كما تقول قصيدة بابلو نيرودا “في المناجم السامقة” ورجالها البواسل: “كنت أدثر السهل الأعلى، أو كهف الحجر والمتفجرات، حيث يحيا الناس الذين بعثوا بي هناك - الرفاق الملتحون، النسوة اللاتي لا يتاح لهن وقت لتمشيط شعورهن، الرجال الذين وهبوا أنفسهم لمهنة التعدين. سرعان ما اتفقوا جميعاً مثلما المسامير، في دار عتيقة، متهاوية، انهارت ألواح الخشب، لكنهم كانوا أعمدة ذلك البناء الهالك”. المسار طويل وصعب في حياة يبحث عنها العامل تحت الأرض وحفر المناجم، لم يثنهم هذا الشقاء وهذه الحياة الصعبة، ومثلما تهاوت الدكتاتورية في تشيلي بعد ضربات المطارق والمعاول هناك تنهار أيضاً المناجم والحياة ولكن العامل ينهض دائماً قبل طائر الفينيق، كانت لحظة عظيمة وعملاً عظيماً وجباراً أن تنجح تشيلي اليوم في تخليص عمال المناجم من ذلك الانهيار الرهيب، ولكن هذا النجاح وهذا الانتصار يعزز قوة الإرادة والحرص على حياة الناس والعمال وعائلاتهم. خرج العمال وهم يرفعون قبضة التحدي والقوة وصلابة الرجال العظيمة، وربما رددوا هذا المقطع من قصيدة بابلو نيرودا الباعث على التحدي: “لحظة في الظلام لا تسلبنا النظر” بمقدار إعجابي بالتحدي والصبر والجلد الذي أظهره العمال تحت الأرض أعجبني ذلك الاحتضان والدفء من قبل المسؤولين في تشيلي والرعاية الأبوية من رئيس تشيلي ومن أفواج العمال والناس الذين أصروا على التصفيق طويلاً لهؤلاء الرجال، ووجدت نفسي أعيد قراءة الأعمال الشعرية الكاملة لشاعر تشيلي العظيم بابلو نيرودا، هذا الشاعر الذي وقف دائماً وأبداً إلى جانب الناس والعمال والفقراء والذي حمل قلمه يدافع بالقصيدة والموقف الشجاع عن حرية الإنسان في التشيلي وتحدى الدكتاتورية، التي عجلت بموته في 23 سبتمبر 1973 بعد الإطاحة بحكومة سلفادور اليندي الثورية “نحن الذين نفخنا، من روحنا في الصخر”... Ibrahim_Mubarak@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©