الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حملات التوعية بسرطان الثدي تنقلب أحياناً وبالاً على النساء

حملات التوعية بسرطان الثدي تنقلب أحياناً وبالاً على النساء
26 أكتوبر 2010 20:16
لم يبق على انقضاء شهر أكتوبر الذي يزدهر كل عام بلون الأنوثة الوردي إلا أيام معدودات، لتنتهي معه حملات التوعية بسرطان الثدي في جميع أنحاء العالم. تخصيص هذا الشهر للتوعية جعله يحطم رقماً قياسياً في الفعاليات التوعوية التي استهدفت النساء واشتركت في تنظيمها جهات عديدة. يقول بعض المراقبين إن الدول الفقيرة تكاد تكون مغيبة عن هذه الحملات بسبب نقص الإمكانات، ويقولون أيضاً إن كثافة هذه الحملات في الدول المتقدمة والغنية تحمل رحمةً في ظاهرها، لكنها قد تتحول في بعض الحالات إلى وسواس قد ينقلب وبالاً على النساء، وذلك بمنطق “إذا تجاوز الشيء حده انقلب إلى ضده”. لا ينكر الأطباء أن حملات التوعية بمرض سرطان الثدي أفادت الكثير من النساء وجعلت العديد منهن يتداركن أنفسهن قبل فوات الأوان من خلال التشخيص الدوري والفحص الشخصي واتباع عادات غذائية وصحية واقية، إلا أن هذه الحملات جعلت النساء في الوقت نفسه يهبن هذا المرض ويخفن الوقوع ضحيةً له أكثر من اللازم، فأصبحت بعضهن منشغلات البال طوال الوقت، يفكرن في هذا البعبع الذي يهجم على أثدائهن دون سابق إنذار. فواظبن على زيارة مراكز الكشف للخضوع لفحص تصوير الثدي الشعاعي بالأشعة السينية التي لا تعتبر حميدة كلياً بسبب نسبة حساسيتها التي تتراوح بين ما بين 45% و90% حسب كثافة الثدي. ويقول الدكتور جيلبرت فيلش من معهد “دارتماوث للسياسة الصحية والممارسات السريرية” ومؤلف كتاب “الإفراط في التشخيص: هستيريا المتابعة الصحية تؤدي إلى إمراض الناس” إن توعية النساء بمرض سرطان الثدي ينبغي أن تتم باعتدال وإلا أدت إلى نتائج عكسية. أبجديات التوعية لدى الدكتور فيلش مختلفة عن تلك التي يتبناها منظمو الحملات الوردية، وهو يحصرها في ست نقاط. مدعاة للقلق ما من شيء أكثر مدعاةً للقلق بالنسبة للنساء غير المدخنات من سرطان الثدي. وذلك لسبب بسيط وهو أن أي امرأة تعتبر عُرضةً للإصابة به والموت بسببه. غير أن مخاطر الإصابة به ينبغي أن تأخذ حجمها الحقيقي. إذ لم تتعد نسبة النساء اللاتي توفين بسبب سرطان الثدي في العشر سنوات الأخيرة 0,2% في صفوف النساء الأربعينيات و1% في صفوف النساء السبعينيات. وإذا نظرنا إلى النصف الآخر من الكأس فإننا نجد بالمقابل أن النساء اللاتي لم يتوفين بسبب سرطان الثدي خلال العقد الأخير، فإننا نجد نسبة 99% أو أكثر. وهذا معطى مفرح لا ينبغي تجاهله. أما النساء اللواتي ابتلين بالتدخين، فحري بهن الحذر أكثر من الإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب. التصوير الشعاعي جدلي لا شك أن غالبية النساء يعرفن أن فحص تصوير الثدي الشعاعي يتم باستخدام الأشعة السينية، وهذه الأشعة لا تخلو من مخاطر. وعلى الرغم من إدراك الأطباء لذلك منذ 50 سنة، فإنهم لم يتمكنوا من إيجاد تقنية فحص بديلة خالية من المخاطر، ولذلك فإن الجدل حول هذا الموضوع ما زال مستمراً إلى يومنا هذا. فتقنية فحص التصوير الشعاعي تفيد وتضر في الآن نفسه. وفي الوقت الذي لا يقل فيه معدل التشخيص الخاطئ في تقنية تصوير الثدي الشعاعي عن 10% بسبب الأنسجة الكثيفة التي تخفي أحياناً الكتل المميزة والتكلسات الصغيرة في الثدي، فإن عدداً من النساء تأذين صحياً بسبب إقدامهن على إجراء عمليات جراحية وأشعة وعلاجات كيميائية لأنواع بسيطة جداً من السرطان كان من الممكن كشفها دون اللجوء إلى فحص التصوير الشعاعي، وكانت لتُغني صاحبتها عن علاجات لا يُفترض أن يتبعها إلى صاحبات الأورام الخبيثة والمتطورة من سرطان الثدي. غير أن ذلك للأسف حصل في العديد من المناطق، وموثق في الكثير من سجلات مراكز علاج السرطان والمستشفيات. قرار المرأة لا الطبيب على الرغم من أنه يصعب معرفة مدى شيوع ضحايا أضرار فحص التصوير الشعاعي وأعراضه الجانبية، فإن الكثير من النساء يَخَفْن هذا الجهاز الذي قد يغير مسار حياتهن دون نتائج دقيقة وأكيدة. ويقوم غالبية الأطباء للأسف بإقناع مراجعاتهن بالخضوع لفحص التصوير الشعاعي بدعوى أن الفحص المبكر يؤدي إلى العلاج، ويتغافلون هامش الخطأ الذي قد يُحول حياة المرأة وأهلها إلى مأساة. كما أن الحملات التوعوية تركز على إقناع جميع النساء بالخضوع لهذا الفحص وتصدر التقارير الصحية والإحصاءات بناءً على نتائج هذا النوع من الفحص. ولذلك فإنه يتعين على النساء الوعي بأن إجراء هذا الفحص هو خيار وقرار شخصي، ولا ينبغي البتة أن يتم تحت الإجبار أو الإكراه. ويمكن للنساء اللواتي يقتنعن بضرورة إجرائه بدون تحفظ أو قلق أن يفعلن ذلك كل سنة أو سنتين. كما يمكن للنساء اللواتي لا يردن التحول إلى مريضات أن يؤجلن إجراء هذا الفحص أو التقليل منه أو اللجوء إلى طرق تشخيص وفحص بديلة تُغني عنه تماماً. التشخيص الشعاعي آمن يتفق الأطباء على أنه ينبغي على كل امرأة اللجوء إلى تشخيص تصوير الثدي الإشعاعي إذا شعرن بوجود تكدس غير طبيعي حول الثدي أو انتفاخات حول الحلمة. فتقنية تشخيص تصوير الثدي الإشعاعي تكشف فعلياً عن طبيعة كل تكتل أو تكدس أو انتفاخ في أنسجة الثدي. وتختلف تقنية التشخيص عن تقنية الفحص بشكل تام وبإجماع الأطباء. علاجات متطورة غالباً ما تسلط حملات التوعية ووسائل الإعلام الضوء على حالات السرطان المكتشفة الجديدة، لكنها لا تتحدث عن حالات السرطان التي عولجت بالكامل. في حين أن أساليب علاج هذا المرض تطورت بشكل كبير خلال الخمسين سنة الماضية وأصبحت الجراحات العلاجية أكثر نجاحاً وأماناً ونجاعةً. كما أن عمليات الاستئصال الجذري للثدي قلت عن ذي قبل، وأصبح النساء يُخيرن بين استئصال الثدي وجراحة استئصال الأنسجة الورمية مع إبقاء الثدي. غير أن التحسن الأبرز في مجال علاج سرطان الثدي هو العلاج الكيميائي والعلاج الهورموني الذي يلي العملية الجراحية. وقد خلُصت الجمعية الدولية للتشخيص المبكر لسرطان الثدي بعد إجراء 194 اختبار عشوائي على المصابات إلا أن إضافة العلاج الكيميائي أو الهورموني إلى عمليات سرطان الثدي يقلل وفيات المصابات إلى النصف. التوعية الزائدة ضارة إن تكثيف حملات التوعية خلال شهر واحد والتركيز على الحالات الحديثة والأرقام يؤدي إلى إيجاد مشكلات صحية لدى نساء قد يكن في الأصل سليمات. فبعض الأجهزة الدقيقة تستطيع الكشف عن أي تكدسات دقيقة غير مألوفة وتفسيرها على أنها قد تتحول إلى أورام سرطانية خبيثة. وهذا التعاطي قلب المعادلات وهولها، فصار الضغط الدموي المنخفض ضغطاً عالياً، وانخفاض نسبة السكر في الدم سكرياً، وهكذا. وليس لسلامة البدن معنى أحادياً وعلمياً صرفاً، ومن بين ما يعنيه كيفية شعور المرء بنفسه وتفكيره الذهني حول صحته وحدسه الصحي وحاسته الخفية وتعامله الإيجابي مع المرض. وطبعاً يصعب على الشخص التحلي بهذه الإيجابية عندما لا يجد في محيطه غير الُمهولين لكل شيء والذين اتخذوا من مبدأ “الوقاية” مطيةً لإرعاب الناس وتشكيكهم في حالتهم الصحية لأقل الأسباب والأعراض. فرعاية الشخص لصحته واهتمامه بها وطلبه الدواء عند المرض أمر مطلوب- يقول جيلبرت- أما المتابعة الهستيرية للصحة التي تأخذ شكل الوسواس المرضي، فإنها تضر بصاحبها أكثر مما تنفعه. فالاعتدال والرفق محمودان في كل شيء، و”ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه”. عن “لوس أنجلوس تايمز” ترجمة : هشام أحناش
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©