الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكنية.. توقير للكبار وتكريم للصغار

الكنية.. توقير للكبار وتكريم للصغار
16 أغسطس 2014 13:55
التكني هو أدب إسلامي معروف له خصوصيته في التاريخ الإسلامي، وهناك أسماء شهيرة في الحياة العربية قديماً لم تعرف إلا بكنيتها والهدف الرئيس من الكنية إظهار الاحترام للآخر، وفي الوقت نفسه تعد وسيلة للتقرب وإظهار الحفاوة. وفي العصر الحالي نرى بعض الناس يحرص على أن يكني زميله أو مديره في العمل بالكنية التي يحبها ما يخفف حدة الرتابة داخل بيئة العمل ويجعل العلاقة بين جميع الأطراف تتصف بنوع من الحميمية. لكن الكنية لها أثر بالغ في الحياة وتلعب دوراً مهماً في تضفير شبكة العلاقات الإنسانية، سواء بالنسبة للرجال أو النساء. جذر تاريخي حول المعنى الرمزي العميق للكنية، يقول رئيس شعبة الطب النفسي بمستشفى خليفة الطبية الدكتور أحمد الألمعي «عرفت العرب أدب الكنية قديماً وشكلت حلقة ممتدة عبر التاريخ من الأسماء تميزت بكنيتها، والكنية تختلف عن اللقب، إذ إن اللقب يأتي في إطار المديح، أما الكنية فترتبط بالابن أو الابنة حتى لو لم يكن الرجل أو المرأة لهما ولداً أو بنتاً وبالنسبة لما تضيفه الكنية على طبيعة العلاقات الإنسانية فهي لها دور كبير في إشباع جانب نفسي عميق لدى أفراد المجتمع، ولم تزل تحرص المجتمعات الخليجية على الكنية في جميع مظاهر حياتها امتداداً لجذرها التاريخي وحافظاً على الموروث العربي والإسلامي الأصيل». ويضيف الألمعي أن الكنية عندما تشيع بين الناس داخل البيوت وفي حركة الحياة وديناميكيتها فهي تصفي العلاقات الإنسانية من شوائبها وتجعل التعاملات اليومية أكثر دفئاً وحيوية، وفي كثير من الأحيان يضطر إليها بعض الناس داخل بيئة العمل لكي تخفف حدة الضغوط، وفي الوقت نفسه تجعل العلاقة بين الموظفين والمديرين سلسة وبلا تعقيدات، مؤكدا أن للكنية بعد نفسي واجتماعي إذ إن بعض كبار السن يفضلون الكنية على أسمائهم الحقيقية وقد يشعرون بالضيق حين يتحدث إليهم بعض الأشخاص بأسمائهم المعروفة، كما أنه حين يختار أحد أفراد المجتمع كنية له من اسم أحد أبنائه فهو يكرم هذا المولود أو الصبي والكنية في كل الأحول تكسب الرجال الاحترام وتمنحهم المكانة. خصوصية عربية ينظر عبدالرحمن الطنيجي إلى الكنية على أنها من المحاسن المجتمعية في حياة الشعوب العربية والإسلامية، خصوصاً وأنه لا توجد أمة في العالم تستخدمها، وهو ما يؤكد خصوصيتها الكبيرة لدى العرب والمسلمين. ويلفت إلى أنه نشأ في مجتمع الإمـارات التي يعلي من قيمة الكنية، إذ إنه لا يعتقد أن لا يوجد أحد في هذه المجتمع الذي يحافظ على العادات والتقاليد إلا وله كنية حتى ولم يكن متزوجاً. ويشير إلى أنه يكنى بأبي عمر وهذه الكنية من وجهة نظره مصدر فخر لهذا الابن وخير تكريم له، ما يجعله ممتلئ بالثقة والشعور بأنه يحظى بتقدير خاص وسط أقرانه. ويرى الطنيجي أن وجود الكنية في الحياة العربية إلى وقتنا هذا من الدلالات القاطعة على ارتباط الإنسان العربي بتاريخه وموروثه الأصيل خصوصاً وأن صحابة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عرفوا بكنيتهم واشتهروا بها على مدار التاريخ، وهو ما يشجع على أن تكون الكنية ذات حضور قوي في المجتمعات العربية والإسلامية. وتعتبر خولة الزعابي أنها محظوظة حين تسلمت عملها في إحدى الجهات منذ عام تقريباً، وهي أم إذ إنها فضلت منذ التحاقها بوظيفية أن يناديها الجميع بأم شهاب على الرغم من أن ابنها اسمه أحمد، لكنه يكنى بأبي شهاب. وتذكر الزعابي أنها تشعر بأن الكنية تقرب المسافات بين الناس، وتعد من الجسور المتينة التي تبنى لتصل الناس ببعضهم بعضاً خصوصاً في بيئة العمل التي تتطلب قدراً من المرونة بين أفرادها. وتشير إلى أنها في العادة تسأل عن كنية أي رجل أو امرأة قبل التعامل أحدهما في بيئة العمل لكون الكنية تكسب العلاقات الاجتماعية احتراما زائداً وتجعل الناس أكثر توقيراً. تعد الكنية من المظاهر العربية الخالصة التي لم تعهدها الأمم عبر التاريخ. ورغم أن جذوتها قد تخبو أحيانا في بعض البلدان العربية، إلا أن بلدان الخليج العربي تحديداً تتخذ منها أداة لتوقير الكبار واحترامهم وإجلالهم، فضلاً عن أن مناداة أي شخص بكنية محببة يشيع في نفسه السعادة، ما يجعل العلاقات بين الناس أكثر حميمية، سواء في المجالس التي تجمع الكبار والصغار في باحة البيوت أو في الحياة العملية، وفي الإمارات تتسع دائرة الكنية وتمتد لترطب العلاقات بين الناس وتجعلها أكثر اقتراباً، حتى إن بعض الأسر درجت على أن تكني صغارها عندما يولدون. مفتاح سحري من ضمن الذين سنوا سنة حسنة في إحدى بيئات العمل أبو روضة، الذي رفض الكشف عن اسمه. ويقول «عندما توليت إحدى الوظائف في مؤسسة أسهمت في أن يتخذ بعض الموظفين الكنية وسيلة لاحترام المديرين بدلاً من كلمة أستاذ فلان». ويلفتإلى أنه وجد أن مناداة الأشخاص بكنيتهم فيه نوع من التآخي والاحترام وفي الوقت نفسه يبتعد بالموظفين عن الروتين اليومي. ويؤكد أن الكنية تقليد إسلامي محبب إلى الناس ويمنح المجالس خلاصة صفوتها، ويضع أفراد المجتمع في مستوى متقارب مع الاحتفاظ بمكانة ودور كل واحد منهم، لكن تظل الكنية من وجهة نظر «أبو روضة» المفتاح السحري لإذابة الفوارق بين الناس. ظاهرة محمودة يؤكد رئيس شعبة الطب النفسي بمدينة خليفة الطبية الدكتور أحمد الألمعي أنه بالنسبة للنساء فالكنية لهن من الضرورات إذ إن المرأة اعتادت على أن تنادى بغير اسمها حفاظاً على خصوصيتها والكثيرات منهن حين يرزقن بمولود يسارعن في اتخاذ اسمه كنية لهن فيقال أم فلان، وهذه أيضاً من العادات الأصيلة في المجتمع الخليجي بوجه خاص. ويشير إلى أن الرجل في البيت يكني زوجته وهي الأخرى تكنيه في دلالة على الود والتقدير والمحبة وإزالة الفوارق، ما يؤكد أن الكنية من الظواهر المحمودة في المجتمع والتي لها تأثير على إنضاج العلاقات الاجتماعية وتقويتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©