الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

متاهة شافيز.. والسنوات العجاف بين واشنطن وكراكاس

31 أغسطس 2006 00:49
السعد عمر المنهالي: لم يتفق العالم على رواية ''الجنرال في متاهته'' إحدى روائع الأديب اللاتيني ''جارسيا ماركيز'' كما اتفق على أعماله الأخرى، ولعل واقعية طرحه في الرواية - لسيرة الجنرال الفنزويلي ''دو سيمون بوليفار'' محرر أميركا اللاتينية من الاستعمار الإسباني- صدمت القارئ الذي انتظر خيالية الأسطورة التي نجح بها ''ماركيز'' في الحصول على جائزة نوبل عن روايته ''مائة عام من العزلة''·· غير أن الواقعية الآن في السياسة لم تعد تروق العامة، التي أخذت تبحث عن الأسطورة لتلهيها عن شقائها اليومي، ولتطفئ بها لهيب يومها المقبل حتى قبل أن يقبل· فها هي سيرة ''بوليفار'' التي لم تُشوق العالم في الرواية تلهبهم الآن في ممارسات وريثه الثوري ''هوجو شافيز'' الرئيس الفنزويلي الذي رفع شعار البوليفارية مخترقاً بها حدود بلاده من أقصى الغرب إلى الشرق، في رحلة أقل ما يقال عنها متاهة سياسية لا يمكن المراهنة على نتائجها في عالم يلفظ مثاليات تغييره، فهل ينجح ''شافيز'' بذلك، أم ينجح العالم في تغييره ؟! كاسترو الأمرد لم تقلق واشنطن من زعامة في حديقتها الخلفية بأميركا الجنوبية كما قلقت من الزعيم الكوبي ''فيديل كاسترو''، غير أن العجوز الذي تتوارد التقارير الطبية يومياً حول تدهور حالته الصحية توقف عن إزعاج البيت الأبيض منذ زمن، ليحل محله كاسترو جديد بلا لحية ولا قبعة عسكرية من ''كراكاس'' العاصمة الفنزويلية، ذلك الأمرد ''هوجو شافيز'' الذي يهدد بزعزعة الاستقرار الإقليمي للقارة اللاتينية بما يمثله من ثقل يساري انتقلت عدواه إلى دولها تباعاً: بوليفيا والإكوادور وبيرو وشيلي وكاد أن يصل إلى المكسيك غير مكتفيا بذلك، بل متجها خارج القارة ناحية الشرق· عندما بدأت رحلة الرئيس الفنزويلي الأخيرة ناحية الشرق والتي استهلها في أواخر يوليو الماضي 2006 بزيارة ''بيلاروسيا'' ومن ثم روسيا ومن ثم فيتنام وإيران مستغلاً أي ثغر في علاقة أية دولة مع الولايات المتحدة الأميركية لتحقيق مكاسب، سواء لدعم مساعي بلاده للحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي، أو التنديد بالتفرد الأميركي والدعوة لعالم متعدد الأقطاب، بعد أن نجح في ذلك داخل القارة اللاتينية باتفاقيات سواء استثمارية أو إمداد في قطاع الطاقة مع الإكوادور وبوليفيا في أواخر مايو الماضي·· ومن ثم زياراته الأخيرة إلى الصين وبعدها ماليزيا، وهو ما شغل محللو البيت الأبيض بما يفيض على طاقتهم بتحليل وتفسير تصريحاته وصفقاته التي أخذ يطلقها هنا ويعقدها هناك، وذلك دون انقطاعه عن ترديد تهمه المتواصلة لواشنطن تارة بالتآمر عليه ومحاولة قتله وتارة أخرى بالتجسس على بلاده ومؤخراً في الخامس والعشرين من أغسطس الجاري اتهام بلاده السفارة الأميركية بكراكاس بتهريب السلاح وأجهزة عسكرية دون المرور بأي رقابة مما يصعد من توتر العلاقات المتأججة بعد طرد دبلوماسيين في كلا البلدين في فبراير العام الجاري· وعلى عكس ما توقع به ''وليام براونفيلد'' السفير الأميركي في كراكاس في ديسمبر العام الماضي 2005 بتخفيف لهجة ''شافيز ضد بلاده خلال العام المقبل، شهد منتصف العام الجاري تحركات لـ ''هوجو شافيز'' -الذي من المقرر أن تشهد بلاده انتخابات رئاسية في ديسمبر المقبل- تصاعداً في لغته وأفعاله على غير ما اعتاد عليه الأميركيون منذ تولي الأخير رئاسة فنزويلا في ديسمبر عام ·1998 لقد كان لقرار الولايات المتحدة في منتصف مايو الماضي بحظر بيع الأسلحة والمعدات العسكرية لفنزويلا - بحجة عدم تعاون كاراكاس مع واشنطن في حربها ضد الإرهاب- دور في تصاعد النبرة العدائية للرئيس ''شافيز'' والتي لم يتردد مطلقاً في إعلانها ضد الإدارة الأميركية، إلا أن مساعيه لإبرازها أخذت شكلاً عملياً جديداً أكثر حدة من قسوة اللهجة· لم يقف كاسترو الجديد مكبلاً أمام عرقلة الولايات المتحدة لعدد من صفقات السلاح التي حاولت الحكومة في كاراكاس عقدها، فاستغل ''هوجو شافيز'' ارتفاع أسعار النفط خلال العام الجاري - تعد فنزويلا خامس منتج للنفط في العالم وثالث مـورد للولايات المتحدة- في عقد صفقات مع الروس في أوائل أغسطس الجاري بعد زيارة قام بها إلى موسكو، نتج عنها -حسب تصريح وزير الدفاع الروسي ـ تلك الصفقة التي وقعت بين البلدين تشمل شراء ثلاثين طائرة حربية من طراز ''سوخوي'' وثلاثين مروحية روسية تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار، بالإضافة إلى التعاقد لبناء منشآت لتصنيع بنادق الكلاشنكوف والذخيرة في فنزويلا بما يزيد عن ملياري دولار· وفي بكين التي كانت قبلته الرئيسية في رحلته خلال أغسطس 2006 والتي تضمنت ماليزيا كذلك بدا إصرار ''شافيز'' واضحاً لدفع بكين لعلاقات اقتصادية مشتركة، في محاولة ري ظمأ الأخيرة من الطاقة، وهو ما يواجه عقبات نقل ضخمة، لا سيما وأن تكلفة نقل النفط الفنزويلي تبدو مكلفة بسبب طول المسافة، الأمر الذي يدفع للتساؤل حول الفائدة الحقيقية التي ستجنيها كاراكاس من ذلك غير الأرباح، إضافة إلى توقيع ''شافيز'' خلال زيارته لبكين عقود بناء ناقلات نفطية لتصدير نفط بلاده إلى آسيا، في سعي حثيث لخروج كاراكاس عن دائرة النفوذ الأميركي· مقعد أم عرش ؟! بلا أدنى شك،، لا يمكن فصل هذا التحول المتزايد في شكل الصراع مع الولايات المتحدة وإدارة بوش على وجه الخصوص دون الرجوع إلى الداخل الفنزويلي، فانشغال ''هوجو شافيز'' بمقعد مجلس الأمن وحركة عدم الانحياز لا يستدعي ذلك الحراك الفنزويلي على أعلى المستويات السياسية، فالدبلوماسية كفيلة بالسعي لتحقيق هدف كهذا، غير أن معطيات الواقع الداخلي تؤكد أن لشافيز هدفاً آخر بالتأكيد تزيد أهميته على مقعد مجلس الأمن أو الدفاع عن مستضعفي العالم، فالانتخابات الرئاسية التي من المقرر إجراؤها في الثالث من ديسمبر المقبل والتي - حسب ما أعنلته اللجنة الوطنية للانتخابات- يشارك فيها سبعة وعشرين مرشحاً رئاسياً، تشكل تهديداً إلى حد ما على مستقبل ''شافيز'' السياسي· صحيح أن الإصلاحات التي اتخذها الرئيس الفنزويلي ''هوجو شافيز'' خلال فترة حكمه قد أدت الى تغيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة داخل فنزويلا، سيما ما تحقق للفقراء بعد السياسات الزراعية التي اتخذها ومجانية التعليم والعلاج، إلا أن ما ترتب على ذلك من أضرار بمصالح الأغنياء والموسرين من الطبقة الوسطى أدى إلى إذكاء حالة العداء ضده، خاصة وأنها تغيرات ظلت بطيئة على الأغلبية الفقيرة بحكم المدى الزمني الضيق الذي جرت فيه، هذا إضافة إلى التغيير الطفيف في معدلات البطالة التي لا تزال تشكل أخطر التهديدات الاقتصادية التي تواجه فنزويلا، هي عوامل دفعت خصوم ''شافيز'' إلى استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية قد تحقق لهم نقاطاً تقلل من رصيد ''شافيز'' المتوقع· وإن كان زعيم الثورة الخامسة ''شافيز'' - على اعتبار أن فترة حكمه منذ 1998 وحتى 1999 فترة الثورة الرابعة- قد تعهد بفوز أسطوري بحصوله على عشرة ملايين صوت من جملة أصوات الناخبين الفنزويليين، فإن رهانه في ذلك لم يكن بمنأى عن تحركاته الخارجية، فتصريحاته المباشرة والمستمرة ضد واشنطن من موسكو ومنسك وهانوي وبكين تغازل كذلك أبناء شعبه المشبعين بأفكار الثورة ضد الإمبراطورية الامبريالية الاميركية، وتزيد بكل تأكيد من شعبيته، فمن لم يحصل أبناؤه على التعليم والعلاج المجاني أو حتى على فرصة عمل فإنه بكل تأكيد سيحصل على حصته من الثورة الخامسة بمشاركة زعيم بلاده قذف الولايات المتحدة، ولكن هل مثل هذه الحصة كفيلة بترجيح كفة ''شافيز'' في الانتخابات المقبلة، أم أن السنوات العجاف مع واشنطن قد أوشكت على الزوال بقدوم رئيس جديد لا يرغب في دخول المتاهات لتغيير العالم ؟!!·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©