الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مجالُ العطرِ والنَّوم

21 يوليو 2012
إلى صديقي أحمد راشد ثاني إهداءً إليك هذا البوح عن الحياة التي أحببت.. عن جبال خورفكان والبلد الطيب.. الذي فقدك.. نم هادئاً يا صديقي.. إنها الحياة.. وداعاً.) أزحنا أغطيةََ الحرير الخضرِ عن مخادِعنا وفككنا ألجمةَ الخيولِ العِتاق بعيداً عن المكامن لم نقلقْ والغبارُ يرهقُنا وبين فينةٍ وأخرى ننامُ لأنَّنا لا نطيق مسارُ الكواكبِ يدبُّ فينا ننامُ لأنَّ الذي أخافَ الرُّوحَ ما زال يُقصينا عن الحُلْمِ.. عن فراستِنا ويعبئُ مزوداتِ السَّفَرِ بالأحجيةِ والغيوم وفي وفرةِ الألمِ نستلذُّ وقوعَنا على تلَّةِ الرَّمل التي بنتها الرِّياحُ في الصَّباحِ الباكر بعد أنْ غادر فرسانُ اللَّيلِ مهاجعَهم مردِّدين أغاني سمعوها في أزمانٍ سالفة يمسحون الدَّمعَ من الفِراقِ الوشيك فَتُحَمْحِمُ خيولُهم العِرَاب وتشاركُهم ما حلَّ من بلاء ومن اكتظاظِ الدَّرب بالذِّكرى. ? ? ? جلستُ أمام دويِّ البحرِ على كرسيٍّ منغرسٍ في الرَّمل أُقيسُ أبعادَ تحصُّني برغباتي القديمة أحفرُ كوامنَها في تعلُّلاتِ المساءِ مع أحبَّةٍ مرحين وقد طافتِ الأقداحُ بالشَّرابِ الحلوِ البارد ورنينُ العودِ متواصلٌ، متصاعدٌ كالهمسِ البعيد كلَّما يقرب من تلالِ مواقعِنا المدموغةِ بآثارِ النُّعاس كلَّما شممنا الياسمينَ والعنبرَ في هبوبِ النِّساءِ بملابسِ السَّواد لا نأمةٌ تصدر أمام هذا الهدير وهو يعبر ما بين المنازلِ والأسوار والمنائرِ العالية.. يتحرَّك فينا.. يمتلكُنا والشَّذا ما بين الحجراتِ التي لا نقبع فيها إلا لماماً بأجسادٍ عارية نجلسُ.. نزيحُ زَنَاخَةَ العالم.. تضيئُنا جذواتُ المشاعلِ التي حملنا عند المساءِ الفائت مصيخين السَّمْعَ حين نهدأُ للتغيُّراتِ القادمة وقد نضحتْ منا عطورُ الزَّعْتَرِ والخزامى وفي رحيقِها الأثيريّ أمهلْنا أرواحَنا قليلاً في السَّماعِ المخدِّر وها هي أوائلُ الموجِ.. وصلتْ.. لعقتْ أقدامَنا .. وارتدَّتْ إلى البحر .. الذي ما برح يجالسُنا بدويِّه الصَّاخب ? ? ? صحتُ باسمي على الجهاتِ الأربع فما صاحبني إلا الهديرُ والنَّظراتُ التي فكَّرتُ بأنَّها ترى تساقطَ التوتِ البريِّ على الأكتاف وتُنْصِتُ إلى حركةِ السَّحالي وصغيراتِ الأفاعي على سفوحٍ قاحلة زاهدةٍ بالجموع راغبةٍ بالوحدةِ على الصُّخور ومشاركةِ زهدي في الرَّغباتِ والعِبَر. وقبل أنْ تطرق في كهوفِ اللَّيلِ نواقيسُ الأعماقِ طرقاتِها المدوِّية أنحني على التوت ملتقطاً وفي النَّبْعِ القريبِ تَبْتَرِدُ يدي الملأى من دون أنْ يُشْغِلَ بالي أيُّ شيء أيُّ شيء حتَّى التَّوبةُ لأنَّني أنسى من أُحِبُ.. وأتماسكُ قابعاً قانعاً بأكوامِ أسمالِ الصُّوف وباكتشافِ ثمارِ الصُّبارِ... حمرِ الدَّواخل .. وعصيرِها الحلوِ يسيل على أصابعي.. فألعقُه ثمَّ أُسلطنُ على الهديرِ ثانيةً مُغْلِقَاً، تماماً، نوافذَ روحي التي لم تحجم عن الانسراحِ على أنسامِ الشِّمالِ، وعلى البوح بعباراتٍ خافتة.. وأنا أشدُّ أسمالي فيخزُّ ذراعيَّ الصُّوف.. يا للرَّوعة، ها أنا أمضي مجدَّداً في لفيفِ الصَّحْبِ نظيفاً مُمَلَّحَاً بالبحرِ كأسماكِ البياحِ والهامور مختاراً أعماقاً تزدحم بالمرجان، منعتقاً هناك من تراكماتٍ قديمة بانياً بيوتاً مرجانيَّةً تتألَّقُ بالضَّوءِ، كما فعل الآباء، مشبعاً مغامراتي على أنْ أمضي قُدُمَاً، متكسِّراً مع تكسُّرِ أقداحي إلى شظايا من نور ومارقاً إلى الأعلى هناك على الجبال.. نازفاً جسدي... مستلقياً مع عَرَقي وأنا أشمُّ احتراقَ أغصانِ الغَضَا فأتردَّدُ أنْ يُطْبِقَ عليَّ الحنان.. لكنَّني أستسلم مادَّاً جسدي إلى أقصى الحدود مغلقاً عينيَّ دون إدراك عارفاً كلَّ هذه التحرُّكاتِ الهلاميَّةِ للمحارِ واللؤلؤ والأصدافِ البحريَّة والسَّرطاناتِ التي تلتهم الأسماكَ الصَّغيرةَ البارقة كلَّما مال البحرُ في الأعلى، كلَّما اندفع جوفُه في رخاوةِ اللَّيل مستطلعاً تقلُّباتِ البشر وقد غابوا في سباتٍ عميق ? ? ? حاولنا استنباتَ البحر فلم تَنْمُ على الرابياتِ إلا العُلَّيقاتُ والأعشابُ البريَّة ضَجِرَ البستانيُّ من طالعِه، بنى له سقيفةً لتمطيطِ أعضائِه، وفي كلِّ قيلولةٍ يستلقي وينام.. سمعتُه ظهيرةً يشخرُ، والقططُ الناحلةُ تتنقل بتؤدةٍ كأنَّها تؤدِّي طقوسَ حفلٍ غامضٍ تتكوَّم فيه الأسماكُ ما بين خضرةٍ تكاد تنهرس بالماءِ، والضَّوءُ السَّاقطُ يتلامع على رؤوسِها عبر جريدِ النَّخلِ، وأضلاع العظامِ التي خرمتْها الشَّمْسُ والرِّيح. مع ذلك يَحْلُمُ بمسابحَ من أحجارِ الجاد بآلافِ الأزهارِ الأريجيَّة مثلِ سجاداتٍ عظيمةٍ تمتدُّ عبر جبالِ خورفكَّان السَّاجدةِ في عريها تحت النُّجومِ كَقِطَعِ أسماكِ سالمونٍ طازجة لأعدادٍ لا تُحصى من العظايا والحيَّات والعقارب، وفي جلالٍ يقفز على الأعالي سنَّورٌ تَبرقُ بقعُه السَّوداء محتفلاً مع القططِ بآلهةِ النَّوم صحبةَ كائناتٍ تصرخ بالابتهاجِ والغبطةِ، ناقلةً أحمالَ المرجان مقتفيةً السنَّورَ في قفزاتِه المجلَّلةِ بزرقةِ اللَّيل والرَّوائحِ العبقةِ ممتزجةً بكياناتٍ صاعدةٍ كألعابٍ ناريَّة حول تثاؤباتِ الأُبَّهة في المجلسِ المرصوصِ على حجارةٍ حمراء صُبغتْ بالحديد والمعادن والأجسادِ التي رقدتْ إلى الأبد. ? ? ? أرسلنا أنسالَنا المطهَّرةَ تعالج ما خسرناه من فسادِ عسلِ الدِّنان ملهمين بأنَّنا سنصل الضِّفافَ الأخرى من نهرِنا الجنوبيّ بأيدٍ سوَّدها الجهدُ في حفرِ الآبار مستروحين اللَّيلَ وهواءَ الرَّبيعِ الرَّطب، منبهرين بعطرِ شقائقِ النُّعمانِ والمروجِ النديَّة.. وفي فتنةٍ متوحِّشةٍ نعالج مرورَنا بين قُلَلٍ ومنحدراتٍ يبوخ حرُّها تاركين المطرَ يتمم نظافتَنا وتزويقَ طالعِنا بورودِ الرَّازقيّ ناشقين بشغفٍ رائحةَ التُّراب.. مسافرين في طوابِقها.. مولعين بحرافتِها وهي تصدم خياشيمَ الأسماكِ ما بين الماويَّتين لا شيء هنا، والأرضُ تباركُنا، أكثر نقاءً من مجلسِنا وانضمامِنا والمطرُ الذي تجلبه السَّماءُ من الأقاصي يشارك مرحَنا بتوالي زخَّاتِه فتنقلُنا الأرضُ من الوادي إلى جبلٍ مهطَّعٍ بالحمرة.. نتسلَّقُه بعزمِ جموعِنا الخفيَّة، دون أنْ ننظر سوى بحثِنا عن خِفَّةِ الهواء وقد تركنا الخيولَ بلا أعِنَّةٍ على الأخاديدِ العميقة التي حفرتْها المياه. ? ? ? رجعنا خفافاً لم نحملْ حجارةً أو رملاً ساكنين قرب تجمُّعاتِ الغضا نقيم طقوسَنا في محفلِ الخضرة ونخطُّ الكلامَ الفريدَ على الصُّخورِ عن حميميَّة ما نلقى وعن البحرِ الذي يدنو… نراه في أعلى الهضابِ كلَّما قمنا أو نفضنا المراقدَ من نثيثِ كثبانِ الرَّملِ وهياكلِ الحشرات، متعطِّرين بروحِ الورد بنسائمِ تنهُّداتِ الصَّباح، وبالغناءِ الطريِّ المعهودِ وهو يحدو قوافلَ الماضين عند الأفق ? ? ? ثم خرجنا في إبكارِنا نقطفُ الزَّهرَ تحت ضوءِ القمر والعطرُ يضوع في قممِ صحواتِه على ملابِسنا وخلايا الجسد وفي مهرجانٍ مفعمٍ بالغفوات أحكمْنا المغاليقَ على نفاسةِ ما نجني منتظرين عتاقةَ العطر.. على المراودِ أنْ تمنحنا خلاصاً مبهجاً في هذا المنفى الذي يعكسُنا مثلَ مرايا صقيلة فنتشكَّلُ أشكالاً خفيفة تُلطِّف مظهرَها العباءاتُ السُّودُ والأيدي التي تضمُّنا غدوةً ورواحاً كما تضمُّ الغِرَّ الفطيم. تشكيلي وشاعر عراقي مقيم في بلجيكا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©