الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر بين نموذجي باكستان وتركيا

21 يوليو 2012
شكلت ثورة 25 يناير 2011 في مصر استمراراً لتراث مصري أساسه الخروج إلى الشارع من أجل التقويم والإصلاح، فقد سبق للمصريين القيام بثورات وحركات إصلاحية ودستورية على مدى عقود القرن العشرين. المصريون ثاروا بقيادة سعد زغلول في عام 1919 ومع النحاس باشا في عام 1935، وفي الأربعينات عبروا عن احتجاجاتهم واستمروا كذلك في حقب مختلفة منذ انقلاب 23 يوليو 1952. وفي كل حركة وثورة وتعبير صاخب، طالب المصريون بحقوق وبإصلاحات وبحلول لمشكلات مصر. ما حدث في 25 يناير مثَّل تتويجاً لتاريخ مصري مليء بالتمرد على أخطاء الأنظمة التي حكمتهم. لقد استنتج نظام مبارك منذ آلت إليه الأمور في عام 1981 أن سكوت الناس علامة رضا وأن القوة كفيلة بإرهاب المعارضين من المصريين. وفي هذا أخطأ في فهم طبيعة الشعب المصري. ورغم التعرجات العديدة التي مر بها المجتمع المصري منذ ثورة 25 يناير وحتى انتخاب محمد مرسي رئيساً، أصبح للثورة المصرية بنية تحتية تحرك مطالبها وتعمق إصرارها. وبنفس الوقت تكونت البنى الفوقية للثورة المصرية من التيارات والقوى والأحزاب والقيادات المتنافسة، والتي تتفاعل بدورها مع تلك البنى التحتية المتدفقة. والملاحظ أنه عندما تسيطر التنافسية السلبية بين القوى السياسية المصرية، فإن حالة من اليأس والتشرذم تعم البلاد، ولكن حالة التفاؤل تتعاظم بمجرد سعي الثورة للتوحد مع بناها التحتية التي ساهمت في تكوينها. ويكتشف الثوريون المصريون الذين صنعوا تجربة الميدان، أن المرحلية والحلول الوسط بين عناصر الثورة أمر ضروري لنجاحهم، فهذه هي الطريقة التي تبقي الحلفاء والأطراف المترددة إلى جانبهم أو على الحياد. ومن الطبيعي أن يكتشف الثوار بالممارسة أن مرحلة ما بعد الثورة أصعب من مرحلة الثورة، وأن الشعب الذي يقف معهم سينتقدهم عندما يضيعون بوصلتهم. وقد تميزت مرحلة ما بعد الثورة بوجود قوى مضادة للثورة، تقف بالمرصاد لقوى الميدان. لهذا فإن تصويت 48 في المئة من المصريين في انتخابات الرئاسة المصرية للفريق أحمد شفيق دليل على تخوف الجماهير في مصر من غياب الأمن والاستقرار، وتخوفهم بنفس الوقت من استمرار حالة التدهور الاقتصادي. إن جمهور الفريق شفيق كان في الأساس خليطاً غير متجانس من جمهور الاستقرار الذي يخشى من دولة الفقه والتدخل في حريات الناس ومنع الإبداع، لكنه احتوى أيضاً على جمهور النظام القديم الهادف إلى ثورة مضادة على الثورة. ومن جهة أخرى شكل انتخاب محمد مرسي، القيادي «الإخواني»، رئيساً لمصر، تعبيراً عن مرحلة جديدة في مصر. ونعتقد أن الحالة المصرية قابلة للانفجار لو جاء وجه من النظام السابق، مهما كان هذا الوجه قابلاً للتجدد. هذا قانون الثورات: الوجوه القديمة تشعل الثورات وتحرك بناها التحتية الكامنة، بينما مجيء وجوه جديدة إلى سدة القرار يؤدي لتهدئة الأوضاع وإعطاء مساحة للتفاعل الإيجابي. إن ما وقع في الأيام الأخيرة أضاف عاملاً جديداً إلى المعادلة في مصر، فقد دخل الإسلام السياسي إلى قيادة أكبر دولة عربية. هذا التحول سيفرض على الإسلام السياسي رؤى تجديدية. مصر ستتغير حتماً، لكن الإسلام السياسي هو الآخر مطالب بالتطور وبالتعمق وبأن يكون أقل تركيزاً على الأيديولوجيا والشعار وأكثر سعياً للإنجاز والتعلم من الآخرين... أي بالجمع بين الهوية التاريخية وبين الحداثة والمعاصرة وفق ظروف مصر. والواضح أن التساؤل سيستمر حول مدى استعداد المجلس العسكري لقبول تقليص صلاحياته، خاصة أنه يسيطر على 30 في المئة من اقتصاد مصر. لهذا فإن شخصية الرئيس ستؤثر كثيراً في دوره. إن رؤيته وسلوكه السياسي سيحددان المستقبل. لقد شكلت سلسلة خطابات مرسي في ميدان التحرير وفي جامعة القاهرة تعبيراً عن تحركاته القادمة، حيث بذل في كلماته جهداً واضحاً ليرتقي إلى اللحظة التاريخية التي وضعته في موقع الرئاسة. إن تركيزه على قيمة الجيش المصري وأهميته وضرورة عودته في الوقت نفسه إلى الثكنات، وحديثه عن السلطة المدنية والحقوق والعدالة وعن الاستقلال ودولة القانون والحريات والانتقال الديمقراطي وعدم السماح بالتدخل في شؤون مصر... كل هذه تمثل عناوين رئيسية للمرحلة الراهنة في مصر. والأهم في كل ذلك أن الثورة لم تعد مقتصرة على الميادين، فهي الآن بالإضافة للساحات العامة، أصبحت ممثلة في المؤسسة الحاكمة، وهذا يجعلها قادرة على التفاوض مع المجلس العسكري والقوى المحيطة به بما يخدم التحول الديمقراطي وتسليم السلطة للمدنيين. إن ثورة مصر محاصرة طالما لم يصل الثوار إلى السلطة بمعنى أشمل وأعمق، وطالما لم يعد العسكر إلى ثكناتهم. لكن عودة العسكريين إلى الثكنات ستتطلب مرحلية في العمل والكثير من التفاوض على شروط الانتقال. وقد يستطيع مرسي بناء توافق مع المجلس العسكري على صيغة لتعديل الإعلان الدستوري المكمل بما يتفق مع توسيع صلاحيات الرئيس. الفترة القادمة فترة توافقية وتفاوضية إلا أنها لن تخلو من مواجهات وصراع وامتحان قوة بين روح الميدان من جهة وبين قوى النفوذ التي يمثلها المجلس العسكري من جهة أخرى. ما زالت مصر في مرحلة الخطر متأرجحة بين إجهاض الثورة لصالح نموذج باكستاني مفكك وبين نموذج تركي تنموي وديمقراطي. وأمام الرئيس الجديد مسؤولية التعامل مع الاقتصاد المصري والبطالة والدين المحلي والفوائد الباهظة. وأمامه أيضاً تحديات اجتماعية في ظل وجود طبقات شعبية مسحوقة وطبقات وسطى مهمشة. مستقبل مصر يتحدد من خلال اكتشاف كيفية نقل مصر من دولة متخلفة إلى دولة منتجة نامية وعادلة وديمقراطية. د. شفيق ناظم الغبرا كاتب كويتي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©