الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«إرم ذات العماد» .. مدينة على مشارف صحراء الربع الخالي

«إرم ذات العماد» .. مدينة على مشارف صحراء الربع الخالي
25 يوليو 2013 21:04
حتى نهاية التسعينيات من القرن العشرين كان الكثيرون يجهلون أين وقعت بالضبط أحداث قوم النبي هود عليه السلام حتى كشفت الحفريات الأثرية عن آثار مدينة إرم ذات العماد على حدود اليمن والسعودية على مشارف صحراء الربع الخالي، قال اللهُ تعالى: (ألمْ ترَ كيفَ فعلَ ربُكَ بعاد، إرمَ ذاتِ العماد، التي لم يُخْلَقْ مثلُها في البلاد)، «سورة الفجر: الآيات 6-8». حسام محمد (القاهرة) - أشار فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق إلى قول المفسرين إن قوم «عادٍ» الذين عاشوا في تلك المدينة كانوا طوالاً للغاية وكان «لعادٍ» مؤسس المدينة ابنانِ هما: «شدَّادٌ» و«شديدٌ»، فملَكا بعدَ والدِهما وتجبَّرا وظلما في البلاد، وأخذاها عُنوةً وقهْراً.?ولما صَفَا لهما ذلك واستقرَّ قرارُهما ماتَ «شديدٌ» وبقي «شدادٌ»، فأكملَ غزواتهِ حتى ملَكَ الكثير من الممالك المحيطة به وبشعبه ودانتْ له ملوكُها. حب الاطلاع وكان شدادٌ جباراً عنيداً عابداً للأصنامِ من دونِ اللهِ ورغم تجبره كانت لديه ميزة حب الاطلاع وكان ولعاً بقراءةِ الكتبِ الدينية القديمة وكان كلما مرَّ فيها على ذكرِ الجنةِ وما أعدَّ الله فيها لأوليائهِ من قصورِ الذهبِ والفضةِ والمساكنِ التي تجري من تحتِها الأنهارُ، كانت نفسُه الأمَّارةُ بالسوءِ تدعوهُ إلى أن يجعلَ مثل هذه الجنةِ له في الدنيا عُتُوًّا على اللهِ تعـالى وكفراً به. وفي أحد الأيام قرر جمع قادته وأمرائه في البلاد التي يحكمها وقال لهم: «إني مُتَّخذٌ في الأرضِ مدينةً على صفةِ «الجنة» فوكَّلَ بادئ الأمرِ مئة رجلٍ من وُكلائِهِ، تحتَ يدِ كلِّ رجلٍ منهم ألفٌ من الأعوانِ، وأمرَهم أن يفتِّشوا في أراضي اليمنِ ويختاروا أطيَبها تربةً، وأزكاها هواءً وأصلحها لإقامة تلك الجنة التي يزعم بناءها ومكنَّهم من الأموالِ، وكتبَ إلى ملوكِهِ يأمُرهم بأن يكتبوا إلى وُلاتِهِم في آفاقِ بلدانِهِم، أن يجمعوا كلّ ما في أراضيهم من الذهبِ والفضةِ والدرِّ والياقوتِ والمِسْكِ والعنبرِ والزعفرانِ ويوجِّهُوه إليه، وأمرَ الغوَّاصينَ بأن يغوصوا في البحارِ ويستخرجوا الجواهرَ واللآلئ، فجمعوا له الشيء الكثيرَ، وحُمِلَ جميعُ ذلكَ إليه، ثم وجَّهَ الحفَّارينَ إلى مناجمِ الياقوتِ وسائرِ الجواهرِ فاستخرجوا منها شيئاً عظيماً. الأرض الطيبة ويضيف الشيخ عاشور: اختارَ الوُكلاءُ أرضاً طيبةَ التربةِ سهلةَ الهواءِ ذات موقع متميز بحسب تلك الأيام وعندما أخبروه بنتيجة عملهم منحهم الإذن بالبدء فوراً ببناء جنتِه المزعومةِ، فأمرَ بالذهبِ والفضةِ وأُقيمت الجدرانُ منهما، ثم غُلِّفَتْ تلك الحجارةُ الذهبيةُ والفِضيةُ بالدرِ والياقوتِ والعقيقِ، وجعلَ الأبنيةَ غُرَفاً من فوقِها تشبُّهاً بما سمعَ عن وصفِ الجنةِ، جاعلاً جميعَ ذلكَ على أعمدةٍ رُخاميةٍ عريضةٍ ثم أجرى تحتَ المدينةِ قناةً عظيمةً ساقَها من الأوديةِ تحتَ الأرضِ بأربعينَ فرسخاً، ثم أمرَ فأُجريَ من تلكَ القناةِ، السواقي التي صارتْ تمشي في سككٍ بينَ الشوارعِ والأزقَّةِ تجري بالماءِ الصافي، وأمرَ بحافَّتَي ذلك النهرِ وجميعِ السَّككِ، فطُلِيَتْ بالذهبِ الأحمرِ، وجعلَ الحصى المنثورةَ في قِيعانِها أنواعاً من الجواهرِ الفريدةِ الملونةِ الصفراءِ والحمراءِ والخضراءِ، ونصبَ على الضِفافِ أشجاراً من الذهبِ وعليها ثمارٌ من اليواقيتِ المشِعَّةِ. الحجارةِ الملونةِ وجعلَ طولَ المدينةِ اثني عشرَ فرسـخاً وعرْضَها مثلَ ذلك وأعلى سُورَها كثيراً حتى وصلَ إلى ثلاثمائةِ ذراعٍ من أحجارٍ عريضةٍ وطلاهُ بالذهبِ وزيَّنه بما ندرَ وجودُه من المعادنِ والحجارةِ الملونةِ الغاليـة الثمنِ، وبنى فيها الألوفَ من القصـورِ مزخْــرِفاً بواطنَها وظواهرَها بأصنافِ الجواهرِ، ثم بنى لنفسِهِ في وسطِ المدينةِ على شاطئ ذلك النهرِ قصراً مُنيفاً يشرفُ على تلكَ القصورِ كلِّها. وجعلَ بابَ المدينةِ مُتجهاً إلى الوادي ونصبَ عليهِ بابينِ من ذهبٍ منقوشَيْنِ بأنواعِ الدُر، وأمرَ باتخاذِ كُراتٍ صغيرةٍ على شكلِ البُندُقِ من مسكٍ وزعفرانٍ وأُلقيتْ في تلكَ الشوارعِ، ثم بنى خارجَ سورِ المدينةِ تلالاً كهيئةِ الجبالِ تضمُ الألوفَ من الأبراجِ المرتفعةِ في الهواءِ المبنيَّةِ بقطعِ الذهبِ والفضةِ ليسكنَها جنودهُ، ومكثَ في بنائِها خمسمائةِ عامٍ. دعوة إلى الإسلام ولما أذِنَ الله تعالى أن تقام الحجَّةَ على «شداد» وقومِه، اختارَ هوداً عليه السلام وكان من صميمِ قومِه وأشرافِهم، ثم إن «هوداً» أتاهُ فدعاهُ إلى الإسلامِ والإقرارِ بربوبيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ ووحدانيتِهِ وأن الله ليسَ كمثلِه شيء، فتمادى «شدادٌ» في كفرِهِ وتباهى بالمدينةِ التي لم يخلق مثلها في البلاد فلم يَنْصَعْ لما أمرَه به «هودٌ» عليه السلام، وذلك حين تمَّ لملكِهِ سبعمائةِ عامٍ، فأُنذرَ بالعذابِ وخُوِّفَ بزوالِ الملْكِ، فلم يرتدعْ عمَّا كان عليه ولم يُجِبْ «هودًا» إلى ما دعاهُ إليه. وعادَ الوكلاءُ إلى «شدادٍ» وقد أنهوا بناءَ المدينةِ وأخبروهُ بالفراغِ منها، فعزمَ على الخروجِ إليها، فخرجَ في موكبٍ عظيمٍ بين حراسِهِ ومواليهِ وخَدَمِهِ وحَشَمِهِ ووزرائِهِ وأُمرائِهِ، وسارَ نحوَها وكان له من العمرِ تسعمائةِ عامٍ وجاءتْ صيحةٌ عظيمةٌ من السماءِ فاجأتِ الجميعَ فماتَ هو وأصحابُهُ أجمعون، حتى لم يبقَ منهم ناقلُ خبرٍ، وماتَ جميعُ من كان بالمدينة من العمال وبقيتْ خلاءً لا أنيس لها، وحُجبت عن أعين الناس منعاً للفتنة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©