الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التوبة وكظم الغيظ والعمل ضمانات الصوم المقبول

التوبة وكظم الغيظ والعمل ضمانات الصوم المقبول
28 يوليو 2011 21:06
مع اقتراب رمضان تتحرك الذكريات، وتحلق القلوب في سماء الإيمان، ورغبة في مزيد من التقرب إلى الله عز وجل وحتى لا تصبح صائما وتمسي مفطرا ليس له من يوم صومه إلا الجوع والعطش، يقدم لنا علماء الدين النصيحة لنيل الثواب العظيم الذي قال عنه رب العالمين في الحديث القدسي:”كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فانه لي وأنا اجزي به”. عن حكمة مشروعية الصيام وفوائده التربوية والنفسية والبدنية يقول الدكتور نصر فريد واصل ـ مفتي مصر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية ـ: فرض الله الصيام على كل أمة بما يحقق لها تقويم النفس فبعض الأمم حرم عليها طعام وشراب معين، حيث يكون الامتناع عن ذلك دليلا على طاعة الله، بينما جاء الإسلام بمنهج التوازن والوسطية، حيث يشمل جانبا ماديا يتمثل في الامتناع عن الطعام والشراب والأشياء المباحة، وجانبا معنويا يتمثل في الكف عن المحرمات التي نهى الله عنها، ولمصلحة الإنسان ولتحقيق التقوى وهو هدف عام في كل الاديان وهذا الشهر الكريم كاف لاعادة التوازن المادي والمعنوي الى الجسم، بعدما حدث له من تجاوزات خلال العام حيث يخرج الجسم كل ما فيه من سموم، ويكون المسلم عبدا قويا ينفذ ما أمره الله به، وينتهي عما نهاه عنه، ويكون خليفة الله في الأرض يتمتع بخيرات الله ويساعد الآخرين كذلك. أن المسلم يستطيع تحقيق ذلك عن طريق إتباع أوامر الله حيث تبين أن الالتزام بالصوم من الناحية الشرعية الصحيحة، والبعد عن الإفراط في الطعام بعد الإفطار له أثر كبير في الاستفادة من الصيام، ويصبح رمضان في هذه الحالة بمثابة غسيل كامل للبدن والروح مثل الثوب الذي اتسخ وتم غسله بالمنظفات والماء وعاد نقيا، كما يجب أن يسعى الإنسان إلى تحقيق صفاء النفس بما يحقق التوازن مع البدن بحيث يسمو الإنسان على الشهوات ولا يأخذ منها إلا القدر الضروري لأن يعيش قويا محافظا على بدنه وصحته. شهر الصبر والأمانة ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم -رئيس جامعة الأزهر الاسبق- إن شهر الصيام يأتي كل عام حتى ينبه المسلمين، ويوجههم، ويذكرهم بما ينبغي أن تكون عليه الأمة الإسلامية، فهو شهر الصبر، والأمانة، والعدالة، ووحدة الصف، يفرض فيه الله الصيام على المسلمين، ويسن الرسول صلى الله عليه وسلم قيامه، ويستشعر المسلمون ما فيه من معان جليلة، تتمثل في الأمانة، والعدالة، والوحدة، والشعور بالفقراء والمحتاجين، حتى يكون دورة تدريبية للمسلمين يتعلموا فيه كيف يوحدون صفوفهم، وحتى يكونوا أمناء مع الله، حين يمسكون عن الطعام، والشراب، ويصومون. وحث الدكتور أحمد عمر هاشم المسلمين على ضرورة التعرض لنفحات الله، والاستفادة منها في تقويم النفس خلال شهر رمضان الكريم. وأشار إلى ثلاث قواعد يجب على المسلم إتباعها خلال الشهر الفضيل وهي التوبة الخالصة النصوح من كل الذنوب، ومعاهدة الله على عدم العودة إلى الذنب، ثم الاجتهاد لمعرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الشهر لكي يمكننا أن نحسن العبادة فيه، وتوثيق صلة الرحم، ووصل ما انقطع منها، واستحضار نية الصيام والإخلاص لله عز وجل، كما يجب على المسلم أن يعد نفسه للصورة التي يجب أن يكون عليها في هذا الشهر الكريم، إذ يجب عليه أن يمسك لسانه عن المعصية، وأن يعود نفسه على كظم الغيظ، وأن يقابل السيئة بالحسنة، وأن يتحلى بالخلق الحسن. السلبيات في رمضان كما حذر من السلبيات التي يقع فيها بعض المسلمين في رمضان واخطرها التقاعس عن أداء العمل بحجة الصيام، رغم أن الواجب أن يكون المسلم في هذا الشهر بالذات نموذجا للجد والدأب والتعاون والصبر الجميل، وهو ليس شهرا للنوم طوال ساعات الصيام والاستيقاظ عند آذان المغرب، فهذا السلوك يتعارض مع منهج الإسلام في الصوم الذي جاء لتقوية النفس، وزيادة النشاط الذي يتضاعف في رمضان، والصيام لا يدعونا للكسل فمعظم المعارك الحربية التي خاضها المسلمون كانت في رمضان وأبلى المسلمون فيها بلاء حسنا، فالقوة المعنوية تتضاعف لدى الصائم والمفروض أن يزيد إنتاجه أما تعطيل المصالح والنوم خلال وقت العمل “والتزويغ” فكل ذلك يتعارض مع حكمة الصوم وينقص من ثواب الصائم. واستنكر ظاهرة الصيام وترك الصلاة، فهذا شيء غريب يفعله بعض المسلمين، رغم أن شهر رمضان هو شهر الصلاة والقرآن والالتزام، وله جائزة لا يحصل عليها إلا من يلتزم التزاما كاملا، ولكن عدم الصلاة لا يبطل الصيام، بل ينقص من أجره ولو كان الإنسان مخلصا في صومه لانعكس ذلك على باقي جوارحه وسلوكياته، ومن يصم ولا يصلي فهو يصوم صيام عادة، وليس عبادة من أجل ألا يقول الناس إن فلانا لا يصوم، ويتهم في نظر الناس، وتنقص قيمته وسط المجتمع. وعلينا أن نرهف السمع إلى نداء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبيل رمضان، حتى نتهيأ لذلك الشهر الكريم، ونتعرف على معالم عظمة هذا الشهر، ونقف على ما أعده الله لعباده الصائمين، ففي حديث رواه ابن خزيمة والبيهقي وابن حيان عن سلمان رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آخر يوم من شعبان فقال: “يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، جعل الله تعالى صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة وشهر يزداد رزق المؤمن فيه، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء ، قالوا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يعطي الله عز وجل هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن ، وهذا شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فمن خفف عن مملوكه فيه غفر الله تعالى له وأعتقه من النار، استكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم عز وجل وخصلتين لا غنى لكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم عز وجل فشهادة أن لا إله إلا الله وأن تستغفروه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما فتسألون الله تعالى الجنة “تعوذون به من النار، ومن سقى صائماً سقاه الله تعالى من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة”. الغيبة والنميمة كما حذر علماء الدين من الغيبة والنميمة في رمضان، مؤكدين أن تلك السلوكيات الخاطئة تتعارض مع حكمة وجلال عبادة الصيام التي اختصها الله تبارك وتعالى بالجزاء. ويقول الدكتور علي جمعة ـ مفتي مصر ـ: على الصائم ألا يعرض صيامه لما يفسده ويضيع ثوابه كما يجب عليه أن يكثر من العبادات كقراءة القرآن والاستغفار والصدقة على الفقراء والمحتاجين وصلة الأرحام وكثرة الصلاة في جوف الليل ويجب على الصائم‏ إمساك الأعضاء والجوارح عن كل ما يغضب الله تعالى ويضيع الصوم كالغيبة والنميمة والقيل والقال والنظر إلى ما حرمه الله وغير ذلك من الأمور التي من شأنها ضياع ثواب الصوم عملا بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والنصب”‏. أما الدكتور مبروك عطية ـ الأستاذ بجامعة الأزهر ـ فيذكرنا بحديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “الصيام جُنة، فإذا كان أحدكم صائماً، فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم إني صائم” وعنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ انه قال “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” ويشرح ما يرشدنا إليه هذا الحديث قائلا: يرشدنا هذا الحديث إلى أن الصائم إن قاتله أحد بلسانه أو شاتمه قال له أو قال في نفسه ليبتعد بذلك عن الرياء: إني صائم، أي لولا صيامي لانتصرت لنفسي منك ولرددت عليك سوءاً بسوء، وهذا لا يعني أن المسلم إذا كان مفطراً غير صائم، أي بعد انقضاء رمضان، أو غيره من الأيام التي يصومها يجوز له أن يرد السوء بالسوء، والله عز وجل يقول: “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”، والمسلم في جميع أحواله لا يسب، فما هو بسباب ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء، وذلك في يوم صيامه وفي يوم فطره، في زمان حله، وزمان ترحاله، وهو يمتنع عن الإساءة في جميع أحواله، وهو يمتنع عن ذلك في أيام صيامه من باب أولى. قال “ابن عبدالبر”: وأما قوله: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” فمعناه الكراهية والتغليظ، فمن اغتاب، أو شهد زوراً، أو منكراً لم يؤمر بأن يدع صيامه، ولكنه يؤمر باجتناب ذلك، ليتم له أجر صومه. وقال: كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان فإذا جاء رمضان كان مع جبريل يدارسه القرآن، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وعن كرم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رمضان يقول الدكتور مبروك عطية: الحديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث تطيب به الأوقات، وتطهر به النفوس، وتثمر به المعاني، وتتآلف عليه القلوب، وترقى به النفوس، وتتهذب به الطباع، لأن لنا في رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأسوة الحسنة، وقال الله عز وجل “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً”. أسبق في الخير من الريح المرسلة قال الدكتور مبروك عطية إن المعهود عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان أجود الناس وكان أكرم الناس، وكان أجود ما يكون وأكرم ما يكون في رمضان، كان أسبق في الخير من الريح المرسلة، وذلك حين ينزل عليه جبريل عليه السلام يدارسه القرآن، ومعنى ذلك أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كريم طول العام، فإذا جاء رمضان كان أكثر كرما، وما كان ذلك إلا شكراً لله عز وجل أن بلغه الشهر الكريم، وحبا منه لمدارسة القرآن الكريم. وأضاف: ما أشد حاجتنا إلى هذا المعنى وتلك المدارسة، أما المعنى فهو معنى زيادة الكرم التي لا تعني بالضرورة ذلك الكرم المادي وحده، وإنما تعني الكرم العام، الذي يشمل كرم الخلق إلى جانب كرم العطاء، وأما المدارسة التي من شأنها أن نتدبر كلام الله على نحو عملي فهي أن نعرض واقع حياتنا عليه، فما وافقه منه حمدنا الله عليه وسألناه أن يثبتنا عليه، وما تعارض منه معه راجعنا فيه أنفسنا، ومن أمثلة ذلك أننا نقرأ قول الله تعالى في سورة النساء “واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام” فمن كان واصلا رحمه فليحمد الله، ومن كان قاطعا إياه فليرجع إلى كلام الله، وليصل رحمه حتى يكون وقافا عند كتاب الله.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©