الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أربع شقيقات أسيرات «الفشل الكلوي» والآلام الصامتة

أربع شقيقات أسيرات «الفشل الكلوي» والآلام الصامتة
24 أكتوبر 2010 21:10
لم يكن سهلا التواصل معهن، ولا يسيرا جمعهن في حديث واحد، يدثرهن الخجل، ويسمو بهن التعفف إلى أسمى معانيه، يعانين في صمت، لا يعلم بأحوالهن غير الأهل والمقربين، يلفهن الطموح وتمتد أحلامهن إلى تحقيق التميز والتألق، منهن من حصلت على معدلات عالية في الثانوية العامة، ومنهن من ترسم أجمل اللوحات وتجسد أحلامها على ورق، في ظل وهن الجسد وتهاويه، هن أربع أخوات إماراتيات يعانين من الفشل الكلوي. بدأت الحكاية منذ 12 سنة ومازالت فصولها مستمرة بمضاعفاتها وتداعياتها، هن سميرة، مريم، سلمى عوض الراشدي اللواتي يجرين غسيلا كلويا بمستشفى توام في العين، بينما أختهن الصغرى عفراء تعاني من تدهور حاد في الكلى ويلزمها زراعة كلية، ما هي قصتهن مع هذا المرض؟ هذا ما يتضح على لسانهن وعلى لسان والدتهن التي كرمت على صعيد مدرسة الشيم التي تدرس بها بناتها، حيث استحقت لقب «الأم المثالية» نظرا لمساندتها لهن، إذ يعشن حالة طوارئ مستمرة سواء في المدرسة أو في البيت. تفوق دراسي من يتحدث معها يخالها في أرذل العمر، ربما تجاربها مع المرض وصعوبات الحياة جعلتها أكبر من عمرها الذي لم يتجاوز 23 سنة، تتحدث حديث الواثقين من أنفسهن، طموحها يعانق السماء، عيونها تحمل الأمل وتداري الألم، لم يكن من السهل إقناعها بالحديث عن هذه الحالة النادرة، حيث تصاب 4 أخوات من أسرة واحدة بهذا المرض الذي بدأ معهن منذ ولادتهن، وبعد محاولة إقناع دامت شهور عدة جاءت موافقة الأسرة على إجراء مقابلات معهن عن حالتهن منذ البداية، وكان ذلك بمدينة العين وبالتحديد في منطقة «أم غافة»، هناك كانت الأم والأب والأسرة كاملة مجتمعة على المحبة والبساطة في أقصى معانيها. وكانت كلمة البداية لسميرة الراشدي، الأخت الكبرى، التي تشكل السند والمرجع الرئيسي لأخواتها، تقول «لا أحب أن أقول إنني مريضة، رغم أن جسدي يتهاوى يوما بعد آخر، إذ نتج عن الفشل الكلوي مضاعفات جانبية كبيرة، حيث اعتلت باقي الأعضاء، لكني أقول دائما الحمد لله». وتضيف مبتسمة «رغم مرضي فإنني طموحة جدا وأحب الدراسة جدا، لهذا حصلت على معدل 95.8% في الثانوية العامة، وتم تكريمي من طرف سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة مع مجموعة من المميزين بقصر الإمارات، ودخلت كلية التقنية في العين، لكن مرضي الذي تلازمني طوارئه حال بيني وبين إكمال دراستي، وغيابي المتكرر عن المحاضرات جعلني أفصل منها، لم أستطع إكمال دراستي الأكاديمية، ولتعويض هذا الشغف فإنني أعمل على حفظ القرآن». وعن دراستها، تقول سميرة «أحب الدراسة كثيرا، ومن المواد التي أتفوق فيها بشكل كبير الرياضيات ومادة الانجليزية، وكان حلمي إكمال دراستي في مجال الطب، طموحي كبير جدا، ربما لأنني أقدر قيمة الصحة، وربما اعترضتني صعاب في حياتي حالت بيني وبين الدراسة، لهذا أشعر باندفاع كبير نحو التميز ويحركني حبي للحياة، وأدرك أنه لي من القوة ما أحقق به المستحيل في مجال الدراسة». حمى شديدة عن بدايتها مع المرض، تقول سميرة «أذكر يوما أنه عندما كان سني 11 سنة، وأتابع دراستي في الصف الخامس، حيث كنت أدرس في مدرسة أم غافة سابقا، وهي اليوم تحمل اسم مدرسة الشيم، أصبت بحمى شديدة، قررت والدتي إبقائي في البيت لكن رفضت وذهبت للمدرسة، لم أستطع المقاومة ورجعت، حينها أخذوني لمستشفى الجيمي وبدأت مباشرة عملية غسيل الكلى». وتضيف «لم أعرف أو يعرف أهلي يوما أنني مصابة بمرض في الكلى، ولكن أذكر أن مغصا في البطن كان يصاحبني دائما، حيث كنت أتناول بعض الأعشاب الشعبية التي تحد من انتفاخ البطن، كما أنني كنت أعاني من نقص في الحديد». وتقول سميرة «بعد سبعة أشهر من الغسيل، تبين أن حالتي تسوء يوما بعد آخر، وكان الأمر يستدعي زرع كلية، هكذا سافرت للعراق وزرعت كلية يمنى ودامت 6 سنوات، ولكن لم يكن من السهل اتباع كل الشروط المطلوبة للحفاظ على صحتي بعد عملية الزرع، حيث يلزم الكثير من الاحتياطات كاتباع تغذية صحية وشرب ماء وأدوية وغيره». وتضيف «بعد 6 سنوات من الزرع وبالتحديد سنة 2004 ارتفعت حرارتي فجأة، وبعد إجراء الفحوصات تبين أن الكلية المزروعة توقفت عن العمل، وهكذا رجعت إلى الغسيل من جديد إلى اليوم، وذلك ثلاث مرات في الأسبوع في مستشفى توام، وأذكر أنني دخلت إلى غرفة الإنعاش أكثر من ثلاث مرات، كما دخلت غيبوبة لمدة 8 أيام متتالية». ومريم الراشدي (14 سنة)، التي تهوى الرسم وتبدع في رسم الشخصيات الكرتونية، مصابة أيضا بفشل كلوي، وعرف الأهل بإصابتها منذ الولادة، تتحدث عنها أختها سميرة فتقول «حالة مريم سيئة جدا، حيث تأثر كبدها وطحالها وقلبها، أما الكبد فهي تحمل بعض التكيسات، ويوضع أنبوب في كبدها يُغير كل ثلاثة شهور عن طريق المنظار، وحالتها الأصعب بين حالاتنا». انتكاسة صحية عن إصابة الأخوات بالمرض، تقول سميرة إنه «وراثي، خاصة أنه يولد معنا، هكذا نعيش حالة ترقب دائم، وأي مولود جديد في الأسرة نخاف جدا من أن يكون مصابا بالمرض، وأصبحنا نقوم بفحوصات منذ الولادة، كما أصبحنا نعيش حالة رعب دائم، حيث نزور المستشفى ثلاث مرات في الأسبوع من أجل الغسيل، بالإضافة إلى حالات الطوارئ التي نعيشها يوميا، حيث ترتفع حرارة إحدانا أو تدخل في غيبوبة أو تصيبها انتكاسة صحية». وتوضح سميرة «مدة الغسيل بالنسبة لمريم ولي تدوم ثلاث ساعات ونصف الساعة كل يوم غسيل، أما سلمى فيدوم الغسيل 3 ساعات، وسبق وخضعت مريم لعملية زرع الكلى في الفلبين، لكن فشلت خلال الأسبوع الأول، وتم زرعها من جديد حيث استمرت صالحة لمدة سنتين». وتتحدث سميرة عن حالة اختيها سلمى وعفراء؛ فتقول «بالنسبة لسلمى فهي تعاني من نفس المشاكل الصحية، وتخضع لغسيل الكلى، لكن بالنسبة لعفراء الصغرى التي لا يتجاوز سنها 7 سنوات فحالتها تستدعي التدخل، وحالتها تقلقنا كثيرا، ولا نريد أن تسوء أكثر، فهي تعيش على الأدوية، لكن التقارير الطبية تؤكد أن حالتها في تدهور»، وتضيف «كل ما يهمني أن يكون هناك حل بالنسبة لعفراء، هي لم تعرف من الحياة شيئا، لم تله كمن هن في سنها، ولم تسعد في حياتها الطفولية، تلازمها الأدوية، ونخاف من تحركاتها، وكل ما يلزمها هو زراعة كلية لتتحسن حالتها وتتجنب المضاعفات». معاناة صامتة قبل أن تتحدث عن دورها في الأسرة وفي حياة بناتها، خنقت صوتها الدموع، وطأطأت رأسها، لتقول «أتمنى أن أكون فعلا أما لهن، خففت من معاناتهن كلما احتجن إلي، وأتمنى ألا أكون قد قصرت في أي حق من حقوقهن، فليس سهلا أن ترى أي أم في الكون طفلها يعاني، فكيف لي وأنا أرقب صحة أربع بنات تتدهور يوما بعد يوم». وتضيف «ألغيت كل المجاملات الاجتماعية من حياتي، وأصبحت حياتي هي التخفيف عن بناتي، لا أريد أن أرى انكسارات المرض في عيونهن»، طالبة السماح منهن إذا ما أخطأت في حقهن، من خلال زيادة في جرعة أدوية، أو في تراخ نحوهن. وتوضح «أتبعهن في المدارس خوفا عليهن، أرقب حالتهن هن نائمات وصاحيات، أخاف عليهن من كل شيء، يصحبنا رعب دائم على كل الصغار بعدهن، حيث نخاف إصابتهم لا قدر الله أيضا». حصلت أم البنات الأربع اللواتي يدرسن بنفس المدرسة على لقب الأم المثالية لما تبذله من أجل بناتها، إلى ذلك، تقول «أعتبر أن كل أم تستحق هذا اللقب، فكل واحدة منا يلفها الشغف والشوق لأبنائها، وتتمنى لهم الأحسن في الدنيا، لكن أن يصاب ولد بالمرض يزداد اهتمامها وخوفها عليه وشغفها به، هذه الدوافع كانت تحركني ليل نهار للسهر على راحة بناتي، لهذا الغرض كرمتني مدرسة الشيم ومنحتني لقب الأم المثالية، وأتمنى أن أكون كذلك». وتضيف والدة البنات «بداية كنا نذهب للمستشفى في التاكسي أو المواصلات العمومية، كنا ننتظر الساعات على ناصية الطريق، حيث كان أولادي صغارا، أما اليوم فإن الوضع أحسن، إذ تفرغ والدهن لخدمتهن بعد أن تقاعد من عمله قبل سنوات من أجل وضع البنات إذ يوصلهن للمستشفى من أجل الغسيل ثلاث مرات في الأسبوع ناهيك عن الطوارئ التي تحيط بحالاتهن والتي تستدعي التدخل، خاصة أن المنطقة بعيدة عن وسط المدينة».
المصدر: أم غافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©