الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اقبال كبير في المغرب على ترميم البيوت القديمة

اقبال كبير في المغرب على ترميم البيوت القديمة
23 فبراير 2009 00:35
أبدع الصانع المغربي في انتاج أشكال متعددة وجميلة من المنتوجات التي تدخل في مجال البناء والعمران، فجاء المعمار المغربي مميزا وجميلا يعكس قيما حضارية وتاريخية، ويخفي كنوزا وأسرارا معمارية وفنية· وكما أسهمت عوامل الزمان والطبيعة والمناخ في خلق هوية معمارية مغربية خالصة، ساهم تنوع الحضارات المتعاقبة على المغرب والاحتكاك بالحقبات الاستعمارية في خلق فن معماري فريد يمزج بين مختلف التأثيرات الحضارية والابداعات المعمارية· ولعل أهم ما يميز المعمار المغربي القديم علو السقف والجدران السمكية حيث يتراوح سمكها ما بين 60 و120 سنتيمترا، بينما يتراوح علو السقف ما بين 8 و10 أمتار، وتوفر هذه الخصوصية المعمارية جوا مميزا داخل البيوت فهي دافئة في الشتاء وباردة في الصيف، وتتخلل مداخل الغرف أقواس وأعمدة وديكورات معمارية جميلة تساعد في الحفاظ على رونق وجمال ودفء المنزل· ويزيّن المغاربة جدران وأرضية منازلهم بالفسيفساء حيث يتفننون في صنع لوحاتها ولا سيما في البهو والصالة المخصصة لاستقبال الضيوف، وتوجد في اغلب البيوت نافورة تتوسط فناء المنزل وتحيط بها نباتات مما يضفي على الدار جوا حميميا رائعا· وتأخذ البيوت التقليدية في المغرب عادة تصميما واحدا حيث يخصص الطابق السفلي لغرف وصالات استقبال الضيوف، بينما يخصص الطابق العلوي لغرف النوم ومكان اجتماع العائلة، وتتوفر أغلب البيوت المغربية على مكان تخزن فيه المؤونة الغذائية وحمام تقليدي وسطح كبير مزين بالنباتات· ولا يقتصر جمال المعمار المغربي في البيوت القديمة بالمدن العتيقة كفاس ومراكش والرباط بل ان غنى هذا المعمار يمتد أيضا الى القرى والبوادي حيث تتوافر البيوت البربرية على هندسة معمارية مميزة فهي مبنية بالحجر والطين ومزينة بالرسومات، وهذا ما يفسر سر تشبث المغاربة ببيوتهم القديمة وحرصهم على اعادة ترميم المنازل العتيقة حتى تلك الموجودة بالقرى النائية· ويقول ابراهيم المهداوي، مهندس يعمل في مجال ترميم البيوت العتيقة، أن هناك اقبالا كبيرا في المغرب على ترميم بيوت الأجداد، وتوسيعها مع المحافظة على هندستها الداخلية حيث أنها توفر خصوصية كبيرة للعائلة اضافة الى توفرها على جميع المرافق الضرورية للأسرة بدءا بالغرف الفسيحة وانتهاءً بالحدائق والحمامات التقليدية، ويضيف أن مميزات المعمار التقليدي وخصوصياته التي تمكن الأسر من العيش في ظروف صحية وأجواء مريحة، دفعت الأجانب الى التهافت على شراء البيوت القديمة واعادة ترميمها وتوسيعها واستغلالها في مشاريع استثمارية سياحية وتحويلها الى مطاعم ودور ضيافة· ويعتبر أن أهم ما يميز الطراز العمراني في المغرب هو استعمال الفنون لتزيين الجدران خاصة الجبس مما يكتسبها ملمسا ناعما وبريقا خاصا· ويوضح أن الصناعات المرتبطة بالعمران تعتبر من أقدم وأعرق الحرف التقليدية بالمغرب، فقد مارسها البربر الأوائل وأتقنوها قبل احتكاكهم بالحضارة الفينيقية، ووصل النشاط الحرفي درجة كبيرة من التقدم في عهد الفنيقيين الذين أقاموا حضارة قوية ازدهرت فيها الصناعات المرتبطة أساسا بالعمران كالفسيفساء والنجارة والحدادة والرخام والنحاسيات والفضيات· ويشير الى أن الفسيفساء المغربي، أو كما يطلق عليه المغاربة ''الزليج''، استلهم خصائصه وجماليته من الفسيفساء البيزنطية، أما النقش على الخشب وترصيعه فينحدر من تقاليد أندلسية ومشرقية· ويوضح المهندس أن من ركائز فنون التزيين المغربي زخارف الجبس حيث يعتبر النقش على الجبس من إبداع الصناع المغاربة الذين حافظوا على هذا التقليد وطوروه وبرعوا في إدخال تجديدات وابتكارات عليه ووضع أشكال وتصاميم رائعة، ويضيف أن فن التزيين والزخرفة تميز بهندسة تقليدية تتسم برسوم وزخارف رائعة وأشكال هندسية تتعدد أنماطها، وتنتشر في المساجد والقصور والحدائق والروض وداخل البيوت· من الناحية العمرانية عرفت بلاد المغرب حضارة وثقافة جديدة بعد الفتح الإسلامي، ونشطت حرف تقليدية مرتبطة بهذا الميدان كالنجارة والحدادة والنقش على الحجر والجبس والفسيفساء والزجاج وصناعة الرخام· وتطورت الحرف والفنون التقليدية في عهد المرابطين والموحدين، إذ عرف المغرب حركة عمرانية ونهضة حرفية، وبلغ مرحلة من الازدهار الحرفي، تلتها مرحلة اضمحلال وتدهور، غيرئ أنه بتولي المولى أحمد المنصور الذهبي السعدي الحكم عام 1576 عمد إلى تنشيط صناعة الخزف والفخار والفسيفساء والأرابيسك· وأثرت الحضارة الأندلسية كثيرا على عمران المغرب حيث بقي الطابع المعماري الأندلسي مهيمنًا على العمارة المغربية طيلة أربعة قرون، ومن المدن المغربية التي يتجلى فيها الأثر الأندلسي بشكل واضح نجد مدن الرباط وفاس ومكناس· وتزخر أغلب المدن المغربية ببقايا أثرية تتمثل في أسوار ومساجد وقصبات ومبان تجارية بأبواب متينة ونوافذ مزخرفة وحمامات تعود إلى حقبات تاريخية مختلفة تشهد على عظمة الدول التي حكمت المغرب· وقد جذبت المواقع الأثرية في المغرب العلماء لكشف خبايا وإجراء حفريات في هذه المواقع فاكتشفت العديد من مميزات وأسرار العمران المغربي فقد أكدت هذه الحفريات اهتمام المغاربة بالساحات العمومية والشوارع المعبدة بالحجارة بالإضافة إلى الحمامات والقصور، وجاء هذا الاهتمام بعد تأثرهم بالدول التي حكمت بلادهم لاسيما الدول الأوروبية كاسبانيا والبرتغال والتي قامت بسلسلة من التغييرات على شكل المدينة الإسلامية تمثلت في تدعيم الأسوار الدفاعية وإقامة الخنادق والأبراج للدفاع والمراقبة، وحولت الحمام الإسلامي إلى خزان للأسلحة ثم بعد ذلك إلى سجن· كما كشفت التنقيبات الأثرية عن بنية فريدة من نوعها في العمران المغربي فحتى المدن التي فقدت أهميتها وتدهورت وتعرضت إلى التدمير والاندثار، لا زالت أطلال أسوارها بارزة لحد الآن، مما يدل على قوة ومتانة بنائها·
المصدر: الرباط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©