اذا كان انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989 أخرج حلف شمال الاطلسي من برودة الحرب الباردة الى ما يشبه التجميد المؤقت، فإن منتصف التسعينيات اشعل حرارة عملياته الى الدرجة القصوى في ثلاث قارات هي إفريقيا وآسيا وأوروبا. وبدلاً من أن يكون منظمة تبحث عن هوية كما كان يخشى البعض اصبحت المشكلة صعوبة اختيار المهمات التي يستطيع توليها وقدرته على الانتشار في مناطق بعيدة على فترات طويلة.
كان صيف عام 1995 نقطة تحول في مسيرة “الناتو” حيث دفعته حرب البلقان الى التدخل في البوسنة والهرسك، دعماً للأمم المتحدة كي يفرض العقوبات الاقتصادية ويحظر السلاح ويحدد منطقة لحظر الطيران ويوفر التخطيط العسكري الطارئ. ومهدت هذه الحملة الطريق نحو اتفاقية دايتون للسلام التي أنهت الحرب اعتبارا من 20 ديسمبر 1995، ونشر الحلف بموجبها قوات حفظ سلام لأول مرة توسعت لاحقا لتضم 60 الف فرد من داخل وخارج “الناتو” (سفور). وسمحت مشاركة الحلف في حفظ السلام بالبوسنة والهرسك بتنفيذ مهمة ثانية لا تزال مستمرة في كوسوفو، الى جانب بعثة الامم المتحدة ودول من داخل وخارج الحلف (كفور) منذ يونيو 1999. وأصبحت هذه القوات التي يقدر عددها بـ50 الف فرد مشاركة بصورة نشطة في مساعدة اللاجئين والنازحين في العودة إلى ديارهم، والمساعدة على إصلاح البنيات العسكرية الداخلية.
كما تدخل “الناتو” في نزع فتيل نزاع في مقدونيا إحدى جمهوريات يوغسلافيا السابقة عام 2002 (عملية تناغم الحلفاء)، ونجح عبر تمثيل سياسي بالعمل عن قرب مع ممثلي الاتحاد الأوروبي الذي سلمه مسؤولية العمليات في أبريل 2003، كما سلمه مسؤولية الأمن اليومي في البوسنة والهرسك في ديسمبر 2004. وعلى الرغم من ان “الناتو” لم يشارك مباشرة في عملية “الحرية الدائمة” التي شنتها الولايات المتحدة ضد “طالبان” و”القاعدة” في افغانستان بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001، الا انه قدم مساعدات جوية للقيادة الاميركية واطلق في الوقت نفسه عملية “المسعى النشط” للكشف عن النشاط الإرهابي في البحر الأبيض المتوسط وإحباطه وردعه. وعاد الحلف وتسلم قيادة القوة الامنية في افغانستان (ايساف) التي تشارك فيها 46 دولة بتفويض من مجلس الامن اعتبارا من اكتوبر 2003، الى جانب مشاركته في عمليات تدريب القوات العراقية (2004)، واقليم دارفور في السودان (2005) عبر نقل قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي وعمليات مكافحة القرصنة في القرن الافريقي والصومال (درع المحيط-2009).
عدد اليوم
