الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحب.. رموزه ودلالاته في الشعر الجديد

الحب.. رموزه ودلالاته في الشعر الجديد
13 أغسطس 2014 22:07
للحب أهمية عظيمة القدر خصوصاً حينما تتحوّل آثار هذا الحب إلى ثورة فكرية أو اجتماعية على الفساد، هذا الحب الذي يحطم الروتين اليومي الذي وضعه المجتمع جاهداً للفرد، ويعني أن السعادة أو النشوة التي تعطي الحياة معنى يمكن العثور عليها فيما يتجاوز هيكل الأسرة، والعمل، والوطن، وعندما يعد الحب والشعر والحلم ضرورة للحياة كالهواء الذي يتنفسه الإنسان يغدو الاهتمام بالحب أمراً ضرورياً. في كتابه «الحب رموز ودلالات عند رواد الشعر الجديد»، يقول د. عبد الناصر حسن: «يتشكك بعض قراء الشعر الجديد ودارسيه في مدى ملاءمة الحب - بوصفه موضوعا شعريا - لعصر يمتلئ بالحروب والكفاح والثورة والتجارب القاسية. إن الحب في نظرهم لم يعد موضوعا مناسبا لهذا العصر»، ولقد تبنى المؤلف افتراضا مضادا لهذا الزعم، حيث لديه قناعة كاملة بأن الحب بوصفه موضوعا شعريا أو بوصفه عاطفة إنسانية، لا يمكن أن يفنى إلا بفناء الإنسان، وأن الحب استطاع أن يستوعب كل تشابكات العصر وتعقيداته عبر المستويات كافة. وكيف نتجاهل الحب بوصفه موضوعا شعريا؟ في عصر نجح فيه شاعر مثل إليوت في تصوير معاناته وأزمة العصر بنواحيها النفسية والفكرية والروحية عبر قصيدته الغرامية الشهيرة «أغنية العاشق ألفريد بروفروك»، كما استطاع بودلير أيضا أن يصور مواقف إنسانية رحبة عن طريق تجاربه العاطفية في ديوانه «أزهار الشر». وأيا ما كان الأمر فقد واجهت المؤلف صعوبات كثيرة، لعل أهمها محاولة الجمع بين أمرين على جانب كبير من الأهمية يترتب أحدهما على الآخر: الأول: قراءة موضوع الحب في الشعر الجديد عامة. الثاني: صعوبة الوعي والإلمام بإشكاليات القراءة العلمية لهذا الشعر سواء فيما يتصل بمنهج الدراسة أو بتقسيم البحث إلى فصول، مما يحتاج إلى تأمل طويل، بهدف خلق تحليل موضوعي لرمزية الحب في هذا الشعر، كما أن الفروق النوعية الموجودة بين الشعراء موضوع الدراسة، ووجود بعض الفروق عند الشاعر الواحد بين مرحلة وأخرى كانت تشكّل صعوبة بالغة أمام الفرضيات العامة لما طرحه الباحث من قضايا. الشعر الجديد يجد دارس هذا الشعر نفسه أمام عدد من المصطلحات التي توصفه وتدل عليه، لعل أهمها ما يلي: الشعر الحر – شعر التفعيلة – الشعر المعاصر – الشعر الحديث – الشعر الجديد. إن وصف المؤلف لهذا الشعر بكلمة (الجديد) انطلاقاً من موقف نقدي جاء من تعدد المصطلحات النقدية التي عالجت بعض بنيات هذا الشعر عند بداية ظهوره، مهملة في الوقت ذاته ما استطاع هذا الشعر أن يكتسبه من بنيات أخرى، حوّلت مجراه من مجرد تحطيم جزئي للبنية الإيقاعية القديمة، لتصل به إلى مستوى متقدم من النسيج اللغوي على المستويين الإيقاعي والدلالي. وعلى ذلك، فإن وصف هذا الشعر بأنه الشعر الحر أو شعر التفعيلة يعد وصفاً غير دقيق إذا كان للتفريق بين هذه الممارسة الشعرية النوعية المستخدمة في العالم العربي في منتصف الأربعينيات، وبين ما سبقها من ممارسات. ولما كان هذا الوصف يقوم عند مستخدميه - فيما يرى الباحث - أساساً على تمييز القصيدة المعتمدة على قانون الشطرين عن عموم القصيدة القائمة على وحدة التفعيلة، فإنه يصبح وصفاً هشاً، إذ ليس كل شعر خارج على قانون الشطرين ومعتمد على التفعيلة بالضرورة متعارضاً بشكل جوهري مع الممارسة السابقة عليه، ولذلك فإن الفصل بين الشعر الحر (أو شعر التفعيلة) والشعر الجديد لا يتجلى قبل التعرف على طبيعة القوانين التي تتبناها القصيدة الخارجة على الشعر التقليدي، فالشعر الحر أو شعر التفعيلة يبقى هو الشعر الخارج على القانون الشعري في مجال بعينه، هو مجال البنية الإيقاعية، أما الشعر الجديد فقوانينه تتجاوز بنية الإيقاع إلى بنية التركيب وقوانين بلاغة النص، إذ من مجموع هذه القوانين فقط يمكننا أن نحدد نوعية النص الشعري الجديد، ومن ثم نميزه عن غيره من النصوص السابقة عليه، أو الوجودة معه في الساحة الثقافية وطنياً وقومياً فيما يمكن أن نطلق عليه (الشعر المعاصر). كذلك مما يدعو للتشكك في مصداقية المصطلحين السابقين أن كلمة (حر) تشي بأن الشعر المقصود وصفه خال من الوزن والقافية بشكل أو بآخر، وهذا لا ينطبق على الشعر الجديد، كذلك فإن مصطلح (شعر التفعيلة) يشي بأن ما قبله لم يكن شعراً يعتمد التفعيلة في بنائه. فإذا انتقلنا إلى مصطلحين آخرين، وهما وصف هذا الشعر بكلمتي: (المعاصر والحديث) فسوف نلاحظ أن المصطلحين ينطويان على قدر من عدم الدقة إذا قصد بهما هذا الشعر، ولقد شعر الدكتور إحسان عباس بشيء من هذا في كتابه اتجاهات الشعر العربي المعاصر، إذ يقول: حين ترد كلمة «المعاصرة في عنوان هذا البحث فإنها قد تتسع لتشمل الشعر منذ مطلع هذا القرن وقد تضيق فتقتصر على شعراء الحقبة الأخيرة، ففي هذه اللفظة من الخداع الزمني ما في لفظة الحديث على تفاوت في ذلك الخداع. وفضلاً عن هذا فإن كثيراً من الكتب الأدبية التي وضعت عنوان: المعاصر أو الحديث يكاد فيها يقتصر على جيل بعينه من الشعراء. فإذا انتقلنا إلى مصطلح الشعر «الحديث»، فلابد أن نعرف أن للجديد معنيين: زمني وهو في ذلك آخر ما استجد، وفني أي ليس فيما أتى قبله ما يماثله، أما الحديث فذو دلالة زمنية، وتعني كل ما لم يصبح عتيقاً، كل جديد بهذا المعنى حديث، لكن ليس كل حديث جديداً، وهكذا نفهم كيف أن شاعراً معاصراً لنا أو يعيش بيننا قد يكون في الوقت نفسه قديماً. وبناء على هذا، فإن الجديد يصبح متضمناً معياراً فنياً لا يتضمنه الحديث بالضرورة، وهكذا تكون الجدة في القديم كما تكون في المعاصر، فمعيار الجديد يكمن في الإبداع والتجاوز، وفي كونه مليئاً لا يستنفد، ومن هنا يمكن القول في مجال التقييم إن دلالة التجديد الأولى في الشعر هي طاقة التغيير التي يمارسها بالنسبة إلى ما قبله، وما بعده، أي طاقة الخروج على الماضي من جهة، وطاقة احتضان المستقبل من جهة ثانية. ويرى الباحث أن أنسب المصطلحات لحركة فكرية أو شعرية ما، لابد أن ينبع أساساً من هذه الحركة لا من خارجها، وربما كان ذلك أحد الأسباب التي دفعت الشاعر صالح عبد الصبور – وهو أحد رواد هذا الشعر – إلى أن يسميه: الشعر الجديد. مفهوم الريادة بعيداً عن مفهوم الأسبقية في كتابة الشعر الجديد واختلاف الآراء في تعريف الريادة، فإن مفهوم الريادة يكتسب في هذا البحث خصوصية تجعله مفهوماً يحمل وجهة نظر نقدية تعتمد على أسباب عامة وأخرى خاصة بالبحث. إن مفهوم الأسبقية لم يعد كافياً للحكم على الشاعر بالريادة، إذ الريادة تتمثل في النهايات مثل تمثلها في البدايات، ونعني بذلك أنه لا يكفي للشاعر أن يخوض في تجربة جديدة، يكتشفها ثم يتركها تعمل وتنمو لدى سواه، ويتوقف هو عن متابعتها عملاً وإبداعاً، حتى تتبلور عند غيره في صورة ناضجة على مدى فترة زمنية تسمح بأن نعدها مرحلة جديدة على كل المستويات. ومن هنا، فإن الدراسة لا تعد كلا من علي أحمد باكثير ولويس عوض وعبد الرحمن الشرقاوي وغيرهم من رواد هذا الشعر، على الرغم من محاولاتهم المتقدمة، تلك المحاولات التي توقف الكثير منها عند حدود التطوير الشكلي للعروض العربي، وذلك لسببين: الأول: أن دلالة الريادة في الشعر الجديد ترتبط بالطاقة والقدرة على المجاوزة والتغيير التي يمارسها هذا الشعر بالنسبة إلى ما قبله وما بعده بشكل مستمر، أي أنها طاقة الخروج من أسر الماضي، وطاقة احتضان المستقبل واستشرافه في الوقت نفسه، والسبب الآخر هو أن مفهوم الجدة والمجاوزة مفهوم يرتبط بعموم البناء (دلالة – شكل) لا بخصوصية الشكل. وعن الأسباب الخاصة لاختيار مجموعة بعينها من الشعراء وهم: نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، وبلند الحيدري، وأدونيس، وخليل حاوي، ويوسف الخال، والفيتوري، وأحمد عبدالمعطي ججازي، وصلاح عبد الصبور، يبرر المؤلف ذلك بقوله: فيعود إلى ما يلي: «إن من طموح الدراسة أن تصبح المادة الشعرية المدروسة محتوية على حد أدنى من التجانس يسمح بقيام التحليل على هذه المادة الشعرية بوصفها تمثل ما يكاد يكون متناً شعرياً موحداً، على الرغم من الاختلافات والفروق الفردية لدى كل شاعر على حدة، والتي حاولنا أن نراعيها قدر المستطاع». وعلى ذلك، استبعد الباحث شاعراً كبيراً مثل نزار قباني، إذ لم يكتب الشعر الحر إلا في مرحلة تالية لمرحلة الرواد، ثم إن له خصوصية شعرية تجعل شعره غير منسجم مع شعر هؤلاء الشعراء، هذا فضلاً عن أن شاعراً مثل نزار قد خصص كل شعره لقضايا الحب ليحتاج إلى دراسة مستقلة تقوم حول شعره. كما أن دراسة هؤلاء الشعراء تعد حصراً لنطاق البحث من ناحية، ونظراً لأن هؤلاء الشعراء كانوا نماذج بارزة في سيرة الشعر العربي الجديد، وتحملوا ما لم يتحمله سواهم في معركة الصراع بين القديم والجديد من ناحية أخرى. ولقد اقتضت ضرورة الموضوع تقسيم الدراسة إلى مدخل – يحدد فيه المؤلف بعض المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في الدراسة – وثلاثة أبواب يخصص كل منها لدراسة جانب من جوانب الموضوع. وينقسم كل باب إلى فصلين، ويحمل الباب الأول عنوان: الأبعاد الأسطورية لشعر الحب، وفيه يتناول الباحث بالتحليل الأصول الميثولوجية للمرأة بوصفها مشكلة لأعمق تجارب العاطفة الإنسانية عبر نماذج عليا مختلفة مثل إيزيس، عشتار، بنيلوب، شهرزاد. كما حاول المؤلف دراسة الأسطورة دراسة فنية من خلال رصد آليات التوظيف الفني لها، بالإضافة إلى كشف الباحث عن كيفية صناعة الأسطورة لدى الشاعر المعاصر، وقد تم ما سبق عبر فصلين، الأول: مثيولوجيا المرأة في شعر الحب، والآخر: تقنيات التوظيف الأسطوري لشعر الحب. وجاء الباب الثاني يحمل عنوان: الأبعاد الفلسفية لشعر الحب، وفيه يتناول المؤلف ما طرحه رواد الشعر الجديد من أفكار وقضايا ذات طبيعة فلسفية عبر موضوع الحب، وينقسم هذا الباب إلى فصلين، تناول الأول منهما أبعاد التجربة الصوفية في موضوع الحب عند هؤلاء الشعراء، وكيف أصبح التصوف في شعرهم مغايراً للمفهوم القديم، لما كان يطلق عليه الغزل الصوفي، حيث أصبح التصوف في تجربة الحب الحديثة نوعاً من الاستبطان المنظم العميق لتجربة روحية إنسانية. كما رصد المؤلف في الفصل الثاني مدى الترابط والتلازم - في كثير من السياقات الشعرية - بين الحب بوصفه موضوعاً شعرياً إنسانياً وبين فكرتي الزمان والموت، وذلك عبر تتبع محور الزمن عند هؤلاء الشعراء وآليات استخدامه، كما تم رصد العلاقة بين الحب والموت بوصفهما يجسدان فكرة التحوّلات والصيرورة حين يتبادلان العمل في إتمام دورة الحياة الأبدية. أما الباب الثالث فتناول الأبعاد الأيديولوجية للحب، وقسمه المؤلف إلى فصلين، ناقش الأول منهما - وعنوانه: الأبعاد الاجتماعية للحب - مجموعة من القضايا الاجتماعية المتصلة بتجربة الحب لدى الرواد مثل قضية الاغتراب والحب، ومثل الحرية الاجتماعية والحب. أما الفصل الآخر - وعنوانه: الأبعاد السياسية للحب - فيتناول العلاقة الحميمة بين الحب بوصفه موضوعاً شعرياً والواقع الحضاري والسياسي والنفسي للشاعر الحديث، كما أبان المؤلف في هذا الفصل عن قدرة الشاعر على أن يثير كثيراً من القضايا الوطنية الكبرى عبر تجربة الحب. ولقد اختتم الباحث دراسته بخاتمة تضمنت أهم نتائج البحث ومحاولة الإجابة على ما طرحه البحث من فرضيات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©