الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

وقفات بعد شهر البركات

وقفات بعد شهر البركات
23 يوليو 2015 22:27
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)، «سورة آل عمران: الآية 8». جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في تفسير الآية السابقة: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا)، أي لا تُمِلْها عن الحق ولا تضلّنا (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)، أي بعد أن هديتنا إلى دينك القويم وشرعك المستقيم (وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً) أي امنحنا من فضلك وكرمك رحمةً تثبتنا بها على دينك الحق (إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)، أي أنت يا رب المتفضل على عبادك بالعطاء والإحسان»، «صفوة التفاسير للصابوني 1/‏185». وأخرج الإمام الترمذي في سننه عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أصْبعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ»، (أخرجه الترمذي). وَدَّعنا قبل أيام ضيفنا الكريم شهر رمضان بعد أن مرَّ بنا سريعاً، مر َّبخيراته وبركاته، مضى من أعمارنا وهو شاهدٌ لنا أو علينا، شاهدٌ للمُجِدّ بصيامه وقيامه، وعلى المُقَصِّر بغفلته وإعراضه، ولا ندري هل سندركه مرة أخرى، أم يحول بيننا وبينه هادم اللذات ومفرّق الجماعات، فسلام الله على شهر الصيام والقيام. حال المسلمين بعد رمضان منذ أيام غادرنا شهر رمضان، شهر القرآن والإيمان، فودعه المؤمنون بقلوب يملؤها الحزن العميق، ونفوسٍ يعتصرها الألم على فقده وفراقه وبعده، والمؤمنون يتمنون أن يكون رمضان العام كلّه، لما يعلمون فيه من الخير والبركة، وغفران الذنوب والرحمة، وصلاح القلب والأعمال. لقد مضى هذا الشهر المبارك، وَسُنَّةُ الله تعالى في هذه الحياة الدنيا تعاقب الليل والنهار، وهكذا الحياة شهر يعقبه شهر، وعام يخلفه عام كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ)، «سورة النور: الآية 44». إن نفحات الخير تأتينا نفحة بعد نفحة، فلئن انقضى صيام شهر رمضان فإن المؤمن لن ينقطع عن عبادة الصيام، وإذا ما انتهينا من أداء الصلوات المفروضة تأتي النوافل المتعددة المذكورة في كتب الفقه، ولئن أدينا الزكاة المفروضة، فإن أبواب الصدقات النوافل مفتوحة طيلة العام، ولئن أدينا فريضة الحج فإن أداء العمرة مُيَسَّرٌ طيلة العام، وهكذا الخير لا ينقطع وهذا فضل من الله ونعمة. إن آخر يوم من رمضان يعقبه أول يوم من أشهر الحج! وهذا معناه أننا نخرج من فريضة الصوم لندخل في فريضة الحج، فنحن ننتقل من عبادة إلى عبادة، وإن شئتَ فقل: نتقلب في العبادات، وذلك علامة واضحة على عبوديتنا الكاملة لله عز وجل، وهو أمر يحتاج إلى تدبر وتفكر! نصائح لقد اعتاد كثير من المسلمين أن يَلْزَموا جانب التقوى في شهر رمضان المبارك، ويرتدعوا عن المعاصي والآثام، ويواظبوا على الصلاة وشهود الجماعات، ولكنّ هذه الظاهرة الإيمانية وللأسف تنعدم وتتلاشى عند البعض بمجرد انقضاء هذا الشهر المبارك، فقد ورد أن بعض الصالحين سُئِلَ عن رأيه فيمن يتعبدون في شهر رمضان ثم يعودون بعده إلى العصيان؟ فقال: هم بئس القوم، لا يعرفون لله حقاً إلا في شهر رمضان، وذلك دليل على انطماس البصيرة واستحكام الغفلة في قلوبهم وجهلهم بعذاب الله، وأمنهم مَكْرَه ولا يأمن مكر الله إلا القوم الفاسقون. لذلك، فإننا ننصح أحباءنا وإخوتنا إلى ضرورة الابتعاد عن الأخطاء المنتشرة بين بعض المسلمين بعد انقضاء شهر رمضان المبارك، ومنها: - هجر تلاوة القرآن الكريم. - ترك الصلاة ومعاودة المعاصي بعد رمضان، فهذا لا يجوز، فالمسلم يجب أن يكون ربانياً وليس رمضانياً، وعبادة الله واجبة في كل وقت. - هجر المساجد بعد رمضان، فهذا خطأ كبير، فَرَبُّ رمضان هو رَبُّ شوال. - ترك أعمال الخير والبر وفعل الخيرات بعد شهر رمضان، فينبغي عليك أخي المسلم أن تحرص على الاستمرار في أعمال البر والخير في كل وقت. نداء للمقصرين نقول لكل من فرّط وقَصَّر أو ضاع منه شهر رمضان: لا تيأسْ من روح الله سبحانه وتعالى ولا تقنط من رحمته، فربك الغفور ذو الرحمة لكل من تاب إليه وأناب، فارفع يديك إليه وتضرع بين يديه وأكثر من الاستغفار والدعاء فإن الله غفور لمن تاب وعمل صالحاً ثم اهتدى. وعلينا أن نتذكر دائماً قول الله تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، «سورة إبراهيم: الآية 7»، وقوله أيضاً: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ)، «سورة البقرة: الآية 152»، فأين هذا من أولئك الذين ينسون الله سائر العام، ولا يذكرونه إلا في شهر رمضان، ويعصونه ويكفرون نعمه، ويجحدون فضله أحد عشر شهراً، ثم يَمُنُّونَ على ربهم أن عبدوه شهراً واحداً، هذا جهل وتفريط، جهل بحق الله على عباده، وتفريط بواجبهم نحوه سبحانه وتعالى. تقبل الله منا ومنكم الطاعات، ونسأله سبحانه وتعالى أن يعيد علينا شهر رمضان القادم باليمن والخير والبركات، وقد جمع الله شملنا وَوَحَّدَ كلمتنا وألف بين قلوبنا إنه سميع قريب. بقلم الشيخ الدكتور / يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©