الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مأساة الروهينجا: ثلاث خطوات متعينة على ميانمار

30 يناير 2018 00:12
خلال الشهرين الماضيين، كنتُ عضواً في لجنة دولية أنشئت من أجل مساعدة حكومة ميانمار على التوصل إلى خطط عادلة ومعقولة لوضع حد للنزاع القائم لديها في ولاية راخين، ومن ذلك أزمة أقليتها الروهينجا التي تعاني الاضطهاد منذ وقت طويل. وخلال هذا الأسبوع استقلت من عضوية الهيئة المذكورة. أما السبب وراء ذلك، فهو كوني لم أشعر بقدر كافٍ من الثقة في قدرة هذه الهيئة على معالجة التحديات الكبيرة التي تواجه الولاية والبلاد ككل. ويبدو أن «أونج سان سو كي»، الزعيمة الفعلية للبلاد، معزولة وغير مستعدة للاستماع إلى أي نقد بنّاء في هذا المجال. أما حكومتها فتركّز على إنجاز بعض الأشياء بسرعة بدلاً من إنجازها بشكل صحيح. والحال أنه إذا كانت ميانمار، المعروفة أيضاً باسم بورما قديماً، تريد أن يكون لها أي أمل في وقف مزيد من الانزلاق إلى أزمة في ولاية راخين وإصلاح سمعتها الدولية، فإنه لا بد من عدد من التغييرات القوية والدراماتيكية الضرورية. أما مواصلة المقاربة الحكومية الحالية، فمن المرجح ألا تؤدي إلا إلى دوامة خطيرة من العنف تهدّد كلاً من آمال ميانمار في السلام والديمقراطية واستقرار المنطقة بشكل عام. ومما لا شك فيه أن ميانمار تواجه جملة من التحديات الصعبة جداً بخصوص ولاية راخين. ذلك أن الهجمات المنسقة لمجموعة مسلمة مقاتلة جديدة قد تسبّبت في «عمليات تطهير أمني» وحشية ومتواصلة من قبل جيش ميانمار، وهي العمليات «الأمنية» التي أرغمت، في غضون 15 شهراً فقط، قرابة 800 ألف من سكان الولاية على الفرار إلى بنغلاديش المجاورة. ومشاعر الارتياب المترسخة تضطرم بين البوذيين والمسلمين في راخين، وكذلك بين كل واحدة من هاتين المجموعتين والحكومة. والتمييز ضد الأقليات ما زال مستشرياً، لاسيما ضد المسلمين. وشبكات تهريب المخدرات والاتجار بالبشر متفشية عبر المنطقة ككل. وقلة الاستثمار في الصحة والتعليم والاقتصاد تزيد من حدة كل هذه المشاكل وتعمق أزمات مزمنة. هذه التحديات تفاقمها الجهودُ المرتجلة التي تقوم بها ميانمار من أجل علاجها. وعلى الرغم من أن التقرير النهائي لـ«لجنة راخين الاستشارية» الذي يقودها كوفي عنان، يمثل الأساس في المعالجة المقترحة، فإن ميانمار لم تطوّر ولم توضّح بعد أي استراتيجية تريد اعتمادها في راخين. وبالمقابل، تركزّ الحكومة على الكم على حساب التأثير الحقيقي، وعلى التطبيق السريع من أجل إظهار التقدم بدلاً من جهود فعالة لاجتراح عمليات تساعد على بناء الثقة بين طرفي الأزمة. وعلاوة على ذلك، فإن الشيء المثير للقلق بشكل خاص هو افتقار «أونج سان سو كي» للزعامة الأخلاقية في بيئة سياسية داخلية ما فتئت تزداد جنوحاً إلى القومية المتشددة ومعاداة المسلمين ورفض التغييرات الضرورية لخفض التوتر في راخين. والمؤكد هو أن نزوع ميانمار من جديد إلى مهاجمة حرية الصحافة، مثلما عكسه التوقيف الأخير لصحافييْن من وكالة أنباء «رويترز» كانا يحققان في النزاع المندلع داخل راخين، لا يزيد الوضع إلا تأزيماً. وفي هذه الأثناء، تواجه ميانمار، وعن حق، ضغطاً دولياً ضخماً من أجل تطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية، غير أن هذا لا يبرّر «عقلية الحصار» التي تتبناها الحكومة ومقاومتها لأي نقد بنّاء من هيئةٍ دولية تريد أن ترى ميانمار تنجح في جهودها لتحقيق السلام والتنمية في راخين وترسيخ المعايير الديمقراطية. وللشروع في تغيير الوضع الحالي، يتعين على حكومة ميانمار اتخاذ ثلاث خطوات بشكل فوري. فأولاً، يجب على «أونج سان سو كي» أن تؤسس زعامتها الأخلاقية بخصوص موضوع راخين. فعلى الرغم من أن شعبيتها باتت أقل مما كانت عليه عندما فاز حزبها في الانتخابات قبل عامين، فإنها ما زالت تحظى باحترام كبير في ميانمار، لاسيما بين الأغلبية المنحدرة عرقياً من أصول بورمية. كما ينبغي عليها أن تستخدم وضعها للتنديد بشكل واضح لا لبس فيه بخطاب الكراهية والتمييز في اتصالاتها العامة مع شعب ميانمار. كما سيكون من المهم أن تحرص على أن تحجم وسائل الإعلام التابعة للدولة، التي اعتادت على وصف المسلمين من سكان راخين بـ«البرغوث البشري»، عن تأجيج النزاع الإثني. ثانياً، يجب على ميانمار أن تؤسس آليات محاسبة فعالة لمرتكبي أعمال العنف، وإلا فإن ذلك سيكون مؤشراً على أن الإفلات من العقاب شيءٌ يمكن التسامح معه بما يمثّل تهديداً لحكم القانون الذي ما انفكت «أونج سان سو كي» تشدّد على أنها تسعى لترسيخه. ولا شك في أن استعداد ميانمار، على ما يبدو، لفتح تحقيق مستقل وذي مصداقية في القبور الجماعية التي تم اكتشافها في راخين خلال الآونة الأخيرة سيمثّل أمراً مشجعاً. وآمل أن يمثل ذلك الخطوة الأولى ضمن سلسلة من الخطوات الهادفة إلى فهم أعمال العنف التي تحدث هناك بشكل متواصل منذ أكتوبر 2016 ومحاسبة المتورطين في ارتكابها دون تهاون أو تردد. ثالثاً، وأخيراً، يجب على ميانمار أن تطوِّر استراتيجية للتعاطي مع راخين تولي الأولوية لتوصيات «لجنة راخين الاستشارية». ذلك أن تركيز الحكومة على البنية التحتية والتنمية، ولئن كان مهماً، فإنه غير كافٍ لمعالجة التحولات البنيوية الضرورية. ومن أجل ضمان معالجة التحديات الرئيسية مثل حرية التنقل، والمواطنة، وإغلاق مخيمات النازحين الداخليين، بشكل فعال وبالروح المقصودة، يتعين على حكومة ميانمار أن تتعاون وتعمل عن كثب مع شركاء دوليين من أجل تطوير خطط عامة وواضحة تعرض عمليات مفصّلة تتم من خلالها معالجة هذه المشاكل. أما إذا تُرك الوضع الحالي كما هو ومن دون حل، فإنه يمكن أن يتفاقم ويتطوّر بسرعة إلى مشكلة أكبر لميانمار والمنطقة والعالم. وعلى المدى القريب، ستكون عملية إعادة اللاجئين إلى ميانمار التي تسابق نايبيداو الزمن من أجل تطبيقها رمزيةً في أفضل الأحوال: لأنه ما لم تكن عودة اللاجئين آمنة وطوعية وكريمة، فإن عدداً قليلاً جداً منهم فقط سيعودون إلى بلد تعرضوا فيه للاضطهاد، ولا يحترم حقوقهم الأساسية، ولا يقدّم لهم أي وسيلة لإصلاح المظالم. وهو ما سيترك مجموعة كبيرة ومحرومة ومقموعة على الجانب الآخر من الحدود في بنغلاديش عرضةً للتطرف. ولهذا، ومن أجل مصلحتها ومصلحة المنطقة، يجب على ميانمار أن تعمل فوراً على تصحيح المسار وإدراك أن المجتمع الدولي يريد مساعدتها على القيام بذلك. *حاكم سابق لولاية نيو ميكسيكو الأميركية وسفير أميركي سابق إلى الأمم المتحدة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©