الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحياة في مقديشو... معاناة يومية

23 أكتوبر 2010 21:22
أحمد موج – مقديشو باتريك جلاجر – بيروت عندما كان محمد علي ظهير، وهو طالب في الحادية والعشرين من عمره يدرس إدارة الأعمال، يستقل الحافلة للذهاب إلى الكلية، لم يكن ينتابه القلق بشأن مدى استعداده للامتحان أو الوصول متأخراً عن المحاضرة؛ وإنما كان يخشى إمكانية اندلاع معركة بالأسلحة النارية أو غيرها من أعمال العنف في شوارع مقديشو. ورغم أن حافلته تحمل علامة مميزة وواضحة تشير إلى أنها "نقل مدرسي"، فإنه كانت ثمة أوقات عمد خلالها "حتى الجنود الحكوميون إلى فتح نيران أسلحتهم علينا لدى عودتنا من مدارسنا أو كلياتنا". والواقع أن الحياة في العاصمة الصومالية أضحت أكثر صعوبة بالنسبة للأشخاص مثل ظهير في وقت تكافح فيه الحكومة الفدرالية الانتقالية الهشة، المدعومة من قبل 7100 جندي تابعين للاتحاد الإفريقي، لمواجهة ميليشيا "الشباب" الإسلامية التي بسطت سيطرتها على معظم البلاد. ذلك أن الحكومة لم تعد تسيطر سوى على بضعة شوارع في مقديشو؛ رغم أنه من المرتقب أن يتعزز جنود الاتحاد الإفريقي قريباً بـ900 جندي جديد، إلا أن الكثيرين يرون أن الزيادة غير كافية بالنسبة لحكومة يائسة تحارب من أجل الصمود والاستمرار في عاصمتها. وقد كان سبتمبر دموياً بشكل خاص بالنسبة للصوماليين؛ حيث خاض "الشباب" حملة "رمضان الأسود"، نفذوا خلالها سلسلة من الهجمات واسعة النطاق خلال الشهر الفضيل؛ وشملت تلك العمليات هجوماً انتحارياً في المطار وهجوماً على أحد الفنادق أسفر عن مقتل 32 مدنياً بينهم أعضاء في البرلمان. أما على الصعيد الوطني، فقد أُعلن عن مقتل أكثر من 350 شخصاً خلال الأسابيع الأخيرة. هدف "الشباب" هو الإطاحة بالحكومة وإقامة نظام يقوم على الشريعة، شبيه بنظام "طالبان" السابق في أفغانستان. وقد سمح غياب حكومة مركزية قوية في الصومال منذ قرابة 20 عاماً لهذه الميليشيا بسد الفراغ عبر فرض سلطتها بواسطة العنف. وهكذا، بات العديد من الصوماليين مضطرين للبقاء في منازلهم أو داخل حدود حيهم خشية أن يعلقوا في تبادل لإطلاق النار بين الجنود الحكوميين والميليشيا. وبالنسبة لظهير، تكمن إحدى صعوبات حضور المحاضرات في حقيقة أن "المعهد الصومالي للتسيير وتطوير الإدارة"، حيث يدرس، يقع في حي تسيطر عليه ميليشيا "الشباب". ففي أكثر من مناسبة، صادر المقاتلون حافلة المعهد، وتعرض لإطلاق النار عليه من قبل الجنود الحكوميين والقوات التابعة للاتحاد الإفريقي؛ وأصبح مجرد ركوب الحافلة جد معقد وخطير لدرجة أنه اضطر للتوقف عن الذهاب إلى المعهد إلى أن يستطيع استئناف ذلك بدون تعريض حياته للخطر. وقد اتخذ هذا القرار بعد انفجار لغم أرضي أثناء حركة مرور كثيفة أواخر أغسطس الماضي، ما أسفر عن مقتل 15 مدنياً، من بينهم امرأة في مدرسته. غير أن احتمال عودته إلى قاعة الدرس قريباً يبدو ضئيلاً، وذلك لأن القتال في المدينة أصبح دموياً على نحو متزايد، والمدنيون باتوا يموتون أثناء قيامهم بمهامهم الحياتية اليومية؛ ذلك أنه حتى مجرد الذهاب إلى مكان العمل مشياً يمكن أن يتحول إلى كفاح للعيش. وفي هذا الإطار، يقول "بتولة صومالي"، وهو حارس منزل يعيش مع عائلته: "بصراحة، المشكلة التي لديّ هي القتال والقصف اليومي"، مضيفاً أن "عدداً متزايداً من الناس يموتون في السوق بسبب القصف القوي كل يوم". أما "أمادي فرجلا شيجو"، فكان ضحية هجوم عشوائي تركه بدون رجلين وعاجزاً على العمل. ويقول هذا الرجل وهو أب لثمانية أبناء، إنه كان على متن حافلة متوجهة إلى سوق "البركة" في المدينة عندما فتح مقاتلو "الشباب" نيران أسلحة ثقيلة، فقتلوا خمسة أشخاص وجرحوا آخرين. ويتابع شيجو قائلاً: "تم نقلي إلى المستشفى بسرعة، لكني فقدتُ الشعور في أجزاء من بطني وظهري؛ وأخبرني الأطباء بأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا لي شيئاً واقترحوا عليّ الذهاب إلى الخارج من أجل تلقي العلاج". وفي غياب إمكانية القدرة على السفر، لا يملك "شيجو"، المشلول من الخصر فما تحت، إلا أن يمني النفس بأن تواصل وكالات الإغاثة الدولية القليلة المتبقية، توفير المساعدة له ولأمثاله. وإذا كان الناس في الغرب يعتمدون على تقارير حركة المرور الإذاعية لتلافي الاختناقات والازدحامات المرورية واختيار طرق بديلة لتجنبها، فإن التقارير الإذاعية اليومية في الصومال تساعد المستمعين على تفادي المعارك النارية والقنابل التي تزرع على حافة الطرق وعمليات الاختطاف أثناء التنقل عبر مناطق الحرب. غير أنه في الثامن عشر من سبتمبر، قامت ميليشيا "الشباب" بمهاجمة إذاعة "هورن أفريك" المشهورة في البلاد، فسيطروا عليها واستولوا على أجهزتها ومعداتها؛ هذا في حين استولت ميليشيا إسلامية أخرى في اليوم نفسه على محطة أخرى تدعى "جي. بي. سي" في ما يبدو أنها عملية منسقة تهدف إلى وضع حد لكشف الإذاعات عن المناطق الساخنة في العاصمة. وقد فر الكثيرون من المدينة، ومنهم "أمينو أسد"، وهي أم في الأربعين من عمرها تعيش اليوم في كوخ مع ثلاثة أطفال صغار في "إيلاشا بياها"، وهي بلدة تقع خارج مقديشو في "ممر أفجوي" الذي تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه يأوي أكبر تركز للنازحين داخلياً في العالم. غير أن وكالات الإغاثة الدولية مُنعت من دخول المنطقة من قبل مجموعات إسلامية، مما حال دون وصول الإمدادات، ما يعني أن "أسد" وأطفالها فروا من عنف مقديشو ليواجهوا بتحديات أكبر وأعظم. وتقول أسد: "هنا ننعم بالسلام، لكننا لا نحصل على الغذاء والدواء والأشياء الأساسية للحياة الإنسانية". ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©