السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

..بلا عبوس

..بلا عبوس
24 يوليو 2013 21:59
أهدت ليلى العبيدي، وهي باحثة تونسية وأستاذة جامعية، كتابها “الفكه في الإسلام” الذي جاء في 223 صفحة الى “التي قد تذوقت من ملح عرقها حلاوة الحياة. الى أم الزين في فردوسها الجميل”، واختارت المؤلفة في كتابها الحديث النبوي الشريف متنا لتثبت أن للفكه ـ أو التفكّه ـ في الإسلام مكانة عالية إلى جانب الجدّ، وأن الدين لم يكن زهدًا وتزمتًا وطقوسا وعبادة متواصلة، بل كان أيضا فسحة للترويح عن النفس وطرفة ونادرة ومزاحا وضحكا. وجاء في الغلاف الخلفي للكتاب تعريفا مختصرا لفحوى هذا البحث الأكاديمي مفاده أن الفَكَهَ لم يكن ضدًا للمقدس وطعنا فيه ورفضا، بل هو يعمل في رحابه ويسير في ركبه. وقد اعتمدت المؤلفة كتب الأحاديث التسعة التي تحظى بالإجماع والوثوق. ونهجت في تناول الأحاديث المختارة في موضوع الفكه منهجا جديدا، فركزت الاهتمام على متون الأحاديث، وبناها التركيبية والفنية والقصصية، معتمدة أسلوب التفكيك والاستنطاق، بحثا عن المعنى المصرّح به أو المسكوت عنه. وبيّن الدكتور وحيد السعفي أستاذ الحضارة والأديان المقارنة بالجامعة التونسية في قراءة له للكتاب، ان الباحثة ليلى العبيدي اعتمدت الانتقاء سبيلا إلى استغلال المادة الضخمة ودرسها تفكيكا وتأليفا، وتنظيمها تنظيما محكما، وفق محاور، جعلت النواة فيها جميعا الرسول وأقيمت له فيها مع الأهل، ثم مع الزوجات، ثم مع الأعراب، ثم مع الأصحاب، ثم مع أهل الكتاب، ثم مع الصبيان، ثم مع عجائز المسلمين. وقد باحت كل المحاور بسرّها فإذا العلاقات التي يربطها الرسول بتلك المجموعات يسيرها الفكه ويحكمها. ويرى الدكتور وحيد السعفي في تقديمه للكتاب ان ما سبق الإشارة إليه لم يحمل البحث على الإفراط في الحكم. بل ظل بحثا علميا صرفا فلم يخلص إلى أن الفكه قوام الحديث ولا هو سحب تلك النتائج الخاصة بالحديث عن الثقافة العربية الإسلامية لتصبح فكه خالصا، مؤكدا بأن الحذر العلمي في الكتاب كان يزين الأحكام. فالفكه قائم في الحديث، ولكنه فيه وجه من وجوهه ليس غير. وهو قائم في الثقافة، ولكنه فيها وجه من وجوهها ليس غير. وهو هنا وهناك الوجه الجميل الناصع الذي حجب في سبيل إبراز وجه آخر كان قاتما. بساطة وإخاء وأبرز الكتاب ان الرسول الأكرم كان يبحث في كل موقف عن فرصة سانحة للفكه، كان يدعو إلى حياة بسيطة قوامها الإخاء وحسن العشرة وصلة الرحم والعدل والمساواة والسعادة التي لا تكون إلا إذا استقبل المؤمن الحياة بالفرح والضحك والمزح واستقبل الحياة الأخرى بمثل تلك الأمور. كان يرى أن سعادة المرء في قدرته على التواصل مع الغير. وقد تأثرت المؤلفة باتجاهات حديثة في البحث، وبمدرسة تستعمل اللغة سبيلا إلى استنطاق النص، وجاءت الأخبار في الكتاب موثقة والأحاديث مخرجة والآيات مضبوطة والعناصر موصلة بعضها ببعض. وفي أسباب اختيار الموضوع بيّنت الباحثة ليلى العبيدي أن اختيارها الفكه موضوعا للبحث يمثل محاولة منها للإسهام في الاهتمام بهذا الجانب الذي لم يحظى ـ حسب رأيها ـ في الثقافة العربية الإسلامية بمنزلة رفيعة ومكانة تليق به. والفكه الذي اختارته الباحثة موضوعا لكتابها يقوم في اللغة بديلا للهزل والمزاح، لأنه يعني مثلهما اللعب والضحك والدعابة، ولكن المؤلفة تستدرك لتبين ان مفهوم الفكه يتجاوزهما إلى غير ذلك من المعاني مما يضفي على بحثها صبغة أوسع وأشمل. فالفكه جامع لأغراض متعددة يدخل فيه الهزل والمزح والتعجب والطرافة والتمتع والتنعم والفرح والدعابة واللعب والضحك وطيبة النفس. إنه مفهوم شامل، تسهم كل المظاهر المذكورة في بلورته وتدل عليه. وشرحت الباحثة ليلى العبيدي أسباب اختيارها الحديث مدوّنة لكتابها مبيّنة انه كثيرا ما نقرأ في الأخبار التي وردت في كتب التراث أن الرسول “كان من أفكه الناس” مع الصبية والأهل والأصحاب. فأرادت الباحثة أن تتبع ذلك بالدرس، وقد بدا لها أن هذه القولة ترفع من شأن الفكه وتنزله منزلة رفيعة إذ اختارت له الرسول مثالا ونموذجا. ولما كان الحديث النبوي في الثقافة العربية الإسلامية هو المرجع الرسمي المعتمد في أقوال النبي وأفعاله وصفاته وخلقه وتصرفاته، فقد اختارته المؤلفة مدونة تتبعت فيها مسألة الفكه وتناولته بالدّرس. واختارت المؤلفة الكتب التسعة مدونة، استجلاء لكل مظاهر الفكه. فإذا كان صحيح البخاري وصحيح مسلم قد حظي بالتبجيل والتكريم وكثر الوثوق بهما واعتبرا أكثر المجاميع تمثيلا لعهد الرسول، فإن سنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي الكبرى وسنن الدارمي وسنن ابن ماجة ومسند أحمد وموطأ مالك، وإن اشتركت مع الصحيحين فيما احتوياه، فقد وفّرت من المادة للمؤلفة ما غاب منهما. فالمجاميع احتوى بعضها ما لم يحتوه غيره وأسهب بعضها فيما اختصر الآخر. وتؤكد المؤلفة انها انتقت من المادة ما يناسبها، وفق ترتيب يطغى عليه مختلف مواقف الرّسول ويشمل جميع الفئات ويتطرق إلى شتّى مظاهر العلاقات الاجتماعية. وقد مكنها هذا الترتيب من انتقاء ما يسمح بدراسة الفكه دراسة شاملة، وذلك من خلال التعرض لأهم العلاقات التي تربط بين الله وعباده، وبين الرسول وعباد الله، وبين عباد الله فيما بينهم. وقد سمحت لها هذه الدراسة برصد طبيعة العلاقات التي سادت المجتمع الذي وصفته الأحاديث واعتبرته مجتمع الرسول والإسلام الاول، وسمحت للباحثة أيضا بالوقوف على وظائف الفكه كما تجلت لها في تلك الأحاديث. طريقة في الحياة في خاتمة كتابها بيّنت المؤلفة انه لم تكن غاية اشتغالها بالفكه في الحديث النبوي تجميع الأحاديث الفكهة أو التفكه بها، بل كانت أبعد من ذلك، إذ تعلقت بتقريب العالم المقدس إلى الإنسان المؤمن فيبدو له الدين مجالا لليسر، مشيرة إلى ان عملها كان محاولة للجمع بين الفكه والدين في الثقافة العربية الإسلامية، وأنها سعت في كتابها الى نفض الغبار عن وجه الفكه الذي عتم في الدين، وانبرت تحفر في هذا الجانب المسكوت عنه حتى يأخذ حقه من البروز ويستوي ابنا شرعيا ـ حسب تعبيرها ـ للثقافة العربية الإسلامية، وحتى يدخل في دائرة الاهتمام والدرس ويخرج من دائرة التهميش والإقصاء. وتجزم ليلى العبيدي بأنها وقفت من خلال هذا العمل على انتشار الفكه في الحديث النبوي انتشارا كبيرا، فجمعت مادة غزيرة لم نستغل منها في هذا البحث المحدد الغاية والزمن إلا الجزء الذي يفي بالحاجة، واعدة القراء بالعودة إلى بقية المادة في استغلالات أخرى لتأكيد الظاهرة وإغناء البحث. وحرصت الباحثة على التأكيد ان هذه المادة الوفيرة لا تعني أن مجاميع الحديث كانت فكها كلها وفضاء للضحك وإطارا للهزل. إنما مجاميع الحديث، شأنها شأن كل العلوم العربية الإسلامية، دونت كل شيء ما ترادف من أخبار وتوازى، وما تقابل منه وتضاد، فوجدت فيها أحاديث الفكه تجانب أحاديث الجد يسند بعضها بعض دون حرج أو نفور. فالقول بوجود الفكه لا يعني عند المؤلفة تغليبه على الجد الصارم الذي شكل دائما وجه الدين، بل هو محاولة لتمكينه من البروز بعد أن أسهمت عوامل كثيرة في السكوت عنه وإغفاله. وتؤكد ليلى العبيدي في استنتاجاتها إن الفكه في الحديث النبوي، وفق الصور المختلفة التي ضبطتها في بحثها يرسم للرسول (ص) بوصفه المثال الأنموذج المؤسس للدين ملامح شخصية فكهة لا تتحرج من معالجة أمور الدين والدنيا بطريقة واعية ذكية قائمة على المزاح والضحك والهزل أحيانا، فتسهم في وضع أسس الدين اليسر. ولكن هذه الصورة التي رسمت له في البدايات، كثيرا ما غيبت من بعد في الثقافة العالمة وسكت عنها. فإذا وجدنا الآن أن الأحاديث التي ظهر الرسول فيها ضاحكا مازحا ساخرا فكها كثيرة وتم السكوت عنها وتجاهلها، فهمنا بالضرورة ـ وفق ما جاء في الكتاب ـ أن مسألة تحريم الفكه وعناصره المختلفة من ضحك ومزاح وهزل وسخرية لم تكن مطروحة في عهد الرسول، بل هي متأخرة النشأة وتعود دون شك إلى الزمن الذي شعر فيه المسلمون بالضعف وخافوا من كل شيء فأسرعوا يحتمون بدروع واهية تقيهم شر العاصفة التي كانوا يرونها في الفكه لأنهم قرنوه باللهو الذي هو عندهم من عمل الشيطان. وبيّنت الباحثة ليلى العبيدي في هذا الكتاب ان الفكه في الدين كان طريقة في الحياة يعالج بها الرسول أمر الرعية ويسير أحوال الناس بعيدا عن كل تزمت أو تعصب أو فظاظة أو غلظة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©