الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد ولد عبدي: مقولة «بلد المليون شاعر» مفخرة وفرية

محمد ولد عبدي: مقولة «بلد المليون شاعر» مفخرة وفرية
24 يوليو 2013 21:57
يعتبر الشاعر والناقد محمد ولد عبدي واحداً من أهم الباحثين والأدباء والنقاد الموريتانيين، راكم تجربة غنية في مجال الكتابة والإبداع أسفرت عن أعمال رصينة ومشاريع مميزة، خاصة في مجال النقد الثقافي ومراجعة الفكر العربي المعاصر. في هذا الحوار يحدثنا محمد ولد عبدي عن الشعر الموريتاني والأساليب والتيارات الشعرية الحديثة في بلاد المليون شاعر، وأسباب رفض الموريتانيين للقصيدة الحرة. ? صدر حديثا كتاب تكريمي تحت عنوان “مرايا الحلم والكتابةـ قراءة في أعمال الدكتور محمد ولد عبدي”، كيف ترى هذه المحاولة؟ ولماذا هذا النوع من الإصدارات نادر في موريتانيا رغم الحاجة إليه؟ ? بمناسبة ذكرك لهذا الكتاب، لا يسعني إلا أن أشكر كل من ساهم فيه من قريب أو بعيد، سواء من الباحثين والنقاد الموريتانيين أو النقاد والمفكرين والشعراء العرب في مختلف الأقطار العربية، وأخص هنا بالشكر الباحث الموريتاني المبدع الشاعر والناقد الدكتور ولد متالي المرابط بن أحمد، الذي أشرف عليه متابعة وتحريرا وتقديما. ورداً على سؤالك، فلقد كان هذا الكتاب علامة فارقة ليس في تجربتي الشعرية والنقدية التي قاربها مفكرون ونقاد بعمق وحصافة وصرامة علمية، مما فتح لي فيها آفاقاً يمكن أن أرتادها نقدا وابداعا في المستقبل، أقول ليس ذلك فحسب، وإنما كان هذا الكتاب أيضاً عملًا مفصلياً في الفعل الثقافي الموريتاني، حيث التكريم العلمي لتجربة وطينة ما زالت في أوج عطائها، وهو ما سيحرضها بالتأكيد على مزيد من العطاء والإبداع. أما لماذا هذا النوع من الإصدارات نادر في موريتانيا، فهو ليس نادراً وحسب وإنما هو معدوم، فحجاب المعاصرة ينفي المناصرة كما هو معلوم، وخصوصاً في المجتمع الموريتاني لبداوته وعدم اهتمامه بتسويق ثقافته الوطنية، ويعتبر هذا الكتاب أول تجربة في هذا المجال، والفضل فيه يعود إلى المشرف عليه وإلى كل الأساتذة والمفكرين والباحثين والنقاد الذين أسهموا فيه دراسة وتحليلًا أو شهادة علمية دافعها الوفاء المعرفي وحسب. وأتمنى أن يكون هذا الكتاب فاتحة لكتب موريتانية مستقبلية تكرّم قامات ثقافية وطنية سامقة لم تجد حظها بعد من التنويه والإشادة والاعتراف، سواء في مجال الشعر أو الرواية أو البحث العلمي، وهي بالتأكيد أجدر مني بالتكريم والإشادة. ? كيف ترى أفق الشعر؟ وهل يواكب المتغيرات في الواقع الحياتي؟ ? كثير من النقاد العرب أعلنوا منذ أكثر من عقد، أن الزمن ما عاد زمن الشعر، بل أصبح زمن الأجناس السردية، وقد قارب ذلك الناقد جابر عصفور في كتابه “زمن الرواية” معتبراً إياها ملحمة العرب في بحثهم عن المعنى والقيمة وهو قول يحمل الكثير من الحقيقة والكثير من المبالغة أيضا. وأرى أن أزمة الشعر في العالم تعود إلى أسباب ثلاثة هي: 1 - التراجع في السلم الأجناسي، خصوصاً مع هيمنة الأجناس السردية كما في القول أعلاه، وكفى دليلًا عدد الحاصلين على جائزة نوبل للآداب من الروائيين. 2 - هيمنة الصورة التي أصبحت منتشرة وأصبحت المتحكم الرئيس في متخيل الناس وعقولهم وقد زاد من انتشارها تعدد نواقلها من تلفزيون وسينما وإنترنت وفنون وإعلان وإعلام، مما انعكس سلباً على الإنسان، فتزيف وعيه جراء إخفاء الحقيقة والإعلاء من قيمة السطحي والمؤقت والعابر على حساب الحقيقي والجوهري والثابت، الذي هو موضوع الشعر. 3 - تسليع القيم: وهي سمة من أبرز سمات المجتمعات المعاصرة وخصوصاً في ظل انتشار العولمة وهيمنة الشركات العابرة للقارات، فلقد أدت ثقافة الاستهلاك المنتشرة في كافة أرجاء العالم وبريق الإعلانات الموجه للذوق العام إلى تسليع القيم والأفكار والمعاني والمشاعر من خلال الاحتفاء المبالغ فيه بأهمية الرموز والعلامات المادية، مما أزاح الشعر باعتباره مصدر القيم العليا عن دائرة اهتمامات الإنسان المعاصر. أما هل يواكب الشعر المتغيرات في الواقع الحياتي، فهو بلا شك مجبر على ذلك، وأول تلك المواكبة أن يجدد رسمه ويغير بنيته ويساير زمنه ويتراسل مع سياقاته، فإن لم يفعل ذلك مات وانتفى وأضحى مجرد نصوص عجماء لا صلة لها بالإنسان ولا بالمكان والزمان. ? هل ترى أن المجتمع الموريتاني كاره للحداثة لهذا فشل الشعر الموريتاني في إثبات نفسه في دائرة الحداثة الشعرية؟ ? أنا لا أقول إن المجتمع الموريتاني كاره للحداثة، الحداثة لا تتحقق للفرد ولا للمجتمع بمجرد الرغبة فيها أو عدمها، إنها رؤية يتم تبنيها والاقتناع بها ويتم تلقيها بما هي فلسفة حياة وأفق مستقبلي ومشروع وطني على أساسه يمكن بناء دولة وطنية ناهضة، غير أن موقف المجتمع الموريتاني من الحداثة كما سبق وألمحت، يعود في الأساس إلى الكينونة التاريخية لذلك المجتمع، فنحن فيما أعتقد النموذج العربي الوحيد المتبقي لما أسماه الجابري بـ “عصر التدوين”، سواء على مستوى التراكم المعرفي، أو تداخل الأزمنة الثقافية أو نظرتنا الماضوية للمستقبل، فنحن لا الحاضرُ حاضر في متخيلنا، ولا المستقبل بما هو أفق نَشيمُهُ له حضورٌ في واقعنا المعيش، فهل ترين أن مجتمعاً ذاك ديدنُه سيتقبل الحداثة والتحديث قبولاً حسناً؟. ? هل أنت راض عن مستوى القراءة في موريتانيا؟ ? بالتأكيد أنني لست راضياً عن مستوى القراءة لا في موريتانيا وحسب وإنما في الوطن العربي بصفة عامة، إننا رغم كوننا أمة “اقرأ” إلا أننا لا نقرأ، قياساً للعالم الآخر، فلقد كشفت التقارير العربية للتنمية الثقافية الاتساع المهول في الفجوة المعرفية بيننا والعالم الغربي، ومنها على سبيل المثال مستوى القراءة، حيث بَيَّنَ تقريرُ عام 2011 أنه في الوقت الذي يُشكل فيه متوسطُ قراءة الفرد الأوروبي نحو 200 ساعة سنويا، تتناقص القراءةُ لدى الإنسان العربي إلى 6 دقائق سنوياً لا غير، ولك أن تتخيلي نسبةَ قراءة الفرد الموريتاني الذي لا يملك قوتَ يومه أحرى ما يشتري به كتابا، قياسا لأخيه في المشرق العربي، وفي الخليج العربي خاصة، فنحن الدولة العربية الوحيدة التي لا يوجد فيها سنوياً معرض للكتاب، ولا توجد فيها إصدارات منتظمة رسمية أو غير رسمية، وحتى الفائزين بما يسمى “جائزة شنقيط” ليس من ضمن مكاسبهم طباعةُ أعمالهم الفائزة، كأن الأمرَ لدى الجائزة لا يعدو كونه التنافس على حصول مكسب مادي وكفى، أما تعميم المعرفة فذاك أمرٌ ليس له أهمية ولا جائزٌ لدى “الجائزة”، فأي مستقبل يؤَمَّل لمجتمع لا يقرأ وإن قرأ فلكتب منتهية الصلاحية معرفياً؟. إن المكتبة الوطنية في موريتانيا هي المكتبة الوحيدة الباقية على عهد كتبها منذ عرفناها في الثمانينات، وكأن الزمن توقف ورفعت الأقلام منذ ذلك العقد، أما مواكبة جديد المطابع ودور النشر فليس من برامج وزارتها الوصية. ? «بعد المليون شاعر» ماذا حققت موريتانيا في مجال الشعر؟ ? إذا كنت تقصدين بسؤالك، ماذا حققت موريتانيا بعد اشتهارها بلقب “بلاد المليون شاعر” في مجال الشعر، فأقول لك إنها لم تحقق إلا النزر القليل، لا على مستوى الشعر وحسب وإنما على مختلف الأصعدة، رغم تَقوِّلِ الوصوليين في مختلف الأحكام المتلاحقة. إن مقولة “بلاد المليون شاعر” هي “فرية” كبرى شاعت منذ التحقيق الصحفي الذي أجرته مجلة “العربي” الكويتية سنة 1967م، وأنتِ أكثر الناس دراية بهذا المفهوم، فقد وقفتُ لك على مقال حصيف يعالج هذه التسمية تاريخاً وانتشاراً ومستنداً واقعياً، وأنا هنا لا أماحك في المفهوم ولا أحاجج فيه نفياً أو إثباتاً، وإنما أراجع المسألة من منظور ثقافي محض، ولا أستغرب البتة انتشاءنا بهذه التسمية “مفخرة” بها نُباهِي، لكن المفارقة تكمن رغم كوني شاعراً في أن ما نفتخر به هو من منظور النقد الثقافي مكمنُ تخلفنا الحضاري وعجزنا عن بناء الدولة الحديثة رغم مرور أزيد من نصف قرن على استقلالنا الوطني، وهي مسألة سبق وأن قاربتها في غير ما مكان، فأنت تعرفين أن النظام المعرفي المهيمن على العقل العربي كما قاربه المرحوم محمد عابد الجابري هو نظام البيان، ونحن الموريتانيين طبعاً جزء من ذاك العقل، وتعرفين أن البيان يتأسس على المجاز، وأن المجاز ضدّ الحقيقة، ولهذا حكم النقدُ العربي القديم على الشعر بأن أجوده أكذبه، فماذا إذن عسانا نكون حين نتباهى بأننا “بلاد المليون شاعر”؟ ألا ترين أن حياتنا كلها قائمة على المجاز، كأنما تواطأنا ضمنياً على ذلك، وتسرَّب الأمرُ فينا إلى الاجتماع والسياسة، فأضحى كلُ شيء نقيضَ حقيقته، في الولاءات السياسية والاجتماعية وفي الإبداعات الأدبية على حدّ سواء، وإلا فبم تفسرين هذا الانتجاعَ الدائم في كل شيء وهذا الاستدعاء الدائم للمجاز قصد تمرير وتبرير النُجعة؟ المثقفُ يستنجد بمرجعياته الثقافية أياً كانت من أبي الأسود الدّؤلي وحتى جاك دريدا والشاعر يتأبط أبحر الخليل ليقتات بها، والفقيهُ يعرض في سوق النوازل بضاعتَه على مختلف الأحكام المتلاعنة. فهل حققنا بلقب “المليون الشاعر” شيئاً؟ أما إذا كنت تقصدين تسويقنا لهذه المقولة، فهي طبعا أصبحت رائجة في مختلف البلاد العربية ولها ما يسندها من شغف القوم بالشعر كما بينت أنت في مقالك الجميل آنف الذكر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©