الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قتيل الهوى.. السياسي

قتيل الهوى.. السياسي
24 يوليو 2013 21:56
الدكتور عارف الكنعاني إن تكن فارساً كن كعلي أو تكن شاعراً كن كابن هانئ كل من يدّعي ما ليـس فيـه كذَّبَتْـــهُ شواهـــد الامتحــانِ واضح أن الفارس الذي عناه الشاعر هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا ليس بغريب فالتاريخ سجل فروسية هذا الفارس المسلم وتحدث عن دوره في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ونشر الدعوة وخوض المعارك جهاداً في سبيل الله. أما ابن هانئ.. فمن هو هذا الشاعر الذي يطلب ممن يريد أن يكون شاعراً أن يتخذه قدوة وأن يكون مثله. للإجابة عن هذا السؤال نقول: هو أبو القاسم محمد بن هاني بن سعدون الأزدي الأندلسي، يتصل نسبه بالقائد الإسلامي الكبير المهلب بن أبي صفرة ولد ابن هانئ في عام 322هـ في مملكة اشبيلية بالأندلس.. بينما ولد أبوه هاني في قرية من فري المهدية (تونس) وكان شاعراً أديباً ترك أثراً واضحاً على مسيرة ابنه الأدبية والشعرية. وقد انتقل هذا الأب إلى الأندلس قبل مولد ابنه موضوع حديثنا اليوم.. ولقد نشأ ابن هانئ في عصر عبدالرحمن الناصر وابنه الحكم، وكان ذلك العصر يعتبر العصر الذهبي للأندلس، وهو عصر خلافة قرطبة. في اشبيلية تلقى ابن هانئ تعليمه وبرز في الشعر واتصل بملك اشبيلية مادحاً ومبرزاً موهبة شعرية جعلته في مصاف شاعر العرب الكبير في ذلك الوقت ألا وهو أبو الطيب المتنبي، حتى إن أدباء وشعراء المشرق كانوا يلقبون ابن هانئ بمتنبي الغرب قياساً على متنبي الشرق المبدع. ولكن ابن هانئ لم يكن يطمع في منصب سياسي أو ولاية يحكمها كما كان أبو الطيب يطمح ويحاول تحقيق طموحه. اتجه ابن هانئ للفلسفة، واتهم من قبل مواطنيه أهل اشبيلية بالخروج على الملة، والانسحاب من الخطاب الديني حتى أنهم بسببه كانوا يقومون بتوجيه أفظع الشتائم والسباب لملكهم الذي كان يرعى ذلك الشاعر ويهتم به ويقدم له الدعم المادي والمعنوي. وأمام تلك الانتقادات التي شكلت رأياً عاماً مضاداً، نصح الملك شاعره ابن هانئ بالرحيل لفترة زمنية ينسى خلالها آل اشبيلية ذلك الشاعر، سلوكاً، وفلسفة، وشعراً. أصغى ابن هانئ لصاحب اشبيلية، وغادر وطنه وركب البحر متوجهاً إلى المغرب، ومنها إلى شمال أفريقية حيث التحق بجعفر ويحيى أولاد علي في منطقة تسمى الزاب (منطقة في جنوب الجزائر على حدود الصحراء الكبرى)، فأكرمه جعفر وأخوه يحيى كرماً بالغاً. لم يكن هذا التكريم لمجرد كون ابن هانئ شاعراً مبدعاً، بل كان بسبب اتجاهه السياسي وتأييده للفاطميين ضد الأمويين والعباسيين معاً. ولم يقصر ابن هانئ في إبداع قصائد المدير التي اعتبرها بعض النقاد في عصره مساوية في قيمتها الفنية لقصائد أبو الطيب المتنبي. وحتى نبدأ بالتعرف على شاعرية ابن هانئ فإننا نختار بعض الأبيات في قصائده التي اتصفت بأن معظمها لا يقل عن سبعين بيتاً وأن بعضها كان يتجاوز المائتي بيت. كان ابن هانئ كمعظم شعراء الأندلس يتجه إلى لغة شعرية سلسة لا تعقيد فيها ولا استخدام ألفاظٍ ثقيلة مضى عليها الزمن وسقطت من ألسنة العامة. لنسمعه وهو يتغزل قائلاً: فَتكاتُ طرفِكِ أم سيوف أبيكِ وكؤوسُ خمرٍ أو مراشفُ فيك أجِلاء مرهَفَـةٍ وفتــكُ محاجـرٍ مـا أنــت راحمـــةٌ ولا أهلــوكِ يا بنت ذي البُردِ الطويل نجادُه أكـذا يكـونُ الحكمُ في ناديكِ قد كان يدعوني خيالُكِ طارقاً حتـى دعـاني بالقنـادا عليـك عيناك أم مغناك موعدنا وفي وادي الكرى ألقاك أم داريكِ ولم يشذ ابن هانئ عن شعراء الأندلس في مجالسة القيان وحضور مجالس الشراب والغناء حيث كان المجتمع الأندلسي يتيح ذلك ويتميز به عن بقية الأقطار الإسلامية العربية. إلا أن تعلقه بالدعوة الفاطمية والتي جعلته منبوذاً في اشبيلية رغم رعاية ملكها له، كان واضحاً في شعره ولم يقتصر على ولدي على جعفر ويحيى، بل إن المعز لدين الله الفاطمي وقبل قيامه بفتح مصر على يد قائده جوهر الصقلي، دعاه عندما وصلته أخباره لزيارته في المنصورية القريبة من القيروان. وبما أنه كان في ضيافة جعفر الملقب بابن الأندلسية في الزاب، كانت الدعوة موجهة إليه من خلال الطلب من جعفر أن يقوم بإرساله إليه للاستمتاع بشعره والاستفادة من قوة قصائده في تعزيز الدعوة الفاطمية حيث كان الشعر في ذلك الوقت بمثابة الإعلام الشامل لا غنى عنه لأي ملك أو حاكم أو جماعة سياسية لبى ابن هانئ الدعوة، وقدم للمفر قصائد خالدة مدحه فيها ومدح قائده جوهر الصقلي. ولمّا تم لذاك القائد فتح مصر، طلب المعز لدين الله الفاطمي من ابن هانئ مرافقته إلى هناك، ولكن ابن هانئ طلب من المعز أن يسمح له بالذهاب إلى بلاد المغرب لإحضار عائلته واللحاق به في مصر. لم يكن عمر ابن هانئ عندما ترك وطنه اشبيلية يزيد عن ستة وعشرين عاماً، ولم يعيش بعدها أكثر من عشر سنوات. وكانت قصة موته قصة مأساوية ولكنها غير محققة إلا بأمر واحد.. وهو أنها كانت في عام 362 هجرية ولم تكن سنه تزيد عن ستة وثلاثين عاماً. ولعل هذا ما جعل المعز لدين الله الفاطمي يقول عندما تلقى خبر وفاة الشاعر ابن هانئ: هذا الرجل، كنا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق فلم يقدر لنا ذلك. كيف مات.. ولماذا؟ اختلف المؤرخون في رواياتهم، فبعضهم يورد قصة مأساوية تقول: لما توجه المعز إلى مصر بعد أن فتحها جوهر، شيعه ابن هانئ ورجع إلى المغرب فتجهز ثم حمل عياله وغادر إلى مصر مع عياله، ولما وصل إلى برقة أضافه واليها في داره وأقام عنده أياماً في مجلس الأنس. ولما كانت تلك المجالس تدار فيها الكؤوس وتدور فيها الرؤوس وتجعل بعض المنتشين يعربدون، فقد وصلت تلك الحميّا إلى ذروتها لدى ابن هانئ فقال من شعره ما اعتبره بعضهم عربدة جلية وكان رد فعلهم الغضب الذي أدى إلى القتل. خالف لسان الدين الخطيب هذه القصة، وادعى أن ابن هانئ تجاوز الحد في الشراب وخرج من مجلس الأنس إلى الطريق لينام في جو بارد لم يتحمله جسده فأصيب بالفالج ومات. آخرون زعموا أنه تعرض للاغتيال بسبب مواقفه الفكرية والسياسية المؤيدة للفاطميين. ولكن مع اختلاف هذه الروايات في أسباب هجرته وأسباب وفاته إلا أنها تلاقت جميعها بأن ابن هانئ كان شاعراً مبدعاً، جدد في الشعر العربي وحقق قفزات نوعية جعلته في مصاف أعظم الشعراء العرب في عصره وهو المتنبي. في كتابه “الأدب والفن” قال الشاعر العراقي فالح الحجيّة عنه: إن ابن هانئ شاعر وقريحة شاعرية مزيجية من شجاعة المتنبي ونفسية وتعبير أبي تمام ومعاني التجديد وفلسفة المعري. فهو شاعر أندلسي حذا حذو شعراء الشرق، فهو شاعر عبقري متوقد الذاكرة تتفلسف بارع في صياغة الشعر وبلاغة الكلام. ويقول ابن خلكان: ابن هانئ عند أهل المغرب كالمتنبي عند أهل المشرق. والقصيدة التي نختارها اليوم لابن هانئ هي وجهة نظره في المتنبي ولقد دافع ابن هانئ عن المتنبي ووقف في وجه منتقديه وكتب قصيدة إلى رجل زعم أنه لقي المتنبي وقرأ عليه شعره.. وقال في ذلك: تنبــــّأ المتنبـــي فيكـــمُ عُصـــرا (1) ولـو رأى رأيكــم في شعــره كفــرا مهــلاً فـــلا المتنبـــــي بالنبــي ولا أَعُــدُّ أمثالــه فـي شعــره الســـورا تهتـــــم علينـــــا بمــــرآهُ وعلكــــمُ لـــم تدركــوا منــه لا عينــاً ولا أثــرا هـذا علــى أنكـم لــم تنصفـــوه ولا أورثتمــوه حميــد الذكـــر إن ذكــرا ويَلمّه (2) شاعراً أخملتمـوه (3) ولــم نعلــم لــه عنــدنا قـــدراً ولا خطــرا فقــد حملتــم عليــه فــي قصائــده ما يضــك الثقليــن الجــنّ والبشـرا صحفتم (4) اللفظ والمعنى عليه معاً فــي حالـــة وزعمتـــم أنــه حصــرا إذ تقسمــون برأس العيـــر (5) أنكــم شافهتمـوه فهـل شافتهــم الحجـرا فمــا يقـول فــي القرطـاس ويلكـمُ إنـــا نــرى عظــة فيكـــم ومعتبــرا شعــراً أحطتــم بــه علمـــاً كأنكـــمُ فأوختـم العيـر فـي فحـواه والحمرا فلـو يصيـخ (6) إليكـم سمُــع قائلــه ما بـات يعمـل فـي تحبيــره الفكـرا أريتمونــي مثــــالاً فــــي روايتكــم كالأعجمـي أتــى لا يفصــح الخُبــرا أصـمُّ أعمــى ولكنـــي سهــرت لــه حتــى رددت إليـه السمــع والبصـرا كانـت معانيـه ليــلاً فامتعضـــت له حتـى إذا مـا بهـرن الشمس والقمرا فجرتـــــمُ وأتانـــــا مـن ملامِكـــــمُ ومن معاريضكم (7) ما يشبه الضجرا ولــو حرصتـم عــل يرحياــء مهجتـــه كمــا حرصتــم علــى ديوانـه نشــرا لئن أعدت عليكم منه ما ظهرا فما أعدت عليكم منه ما استترا المراجع: 1 - ديوان ابن هانئ الأندلسي/ طبعة بيروت 1886 2 - الأدب والفن/ فالح الحجيه 3 - لسان العرب/ ابن منظور 4 - ديوان ابن شرح المفردات: 1 - عُصُرا: عصورا 2 - ويلُمِّه: ويلٌ لأمِّه 3 - أخجلتموه: جعلتموه خاملاً غير معروف 4 - صحفتم: حرفتم 5 - العير: جبل، ورأس العير هنا يقصد به المتنبي 6 - يصيخ: يصغي طويلاً 7 - المعاريض: جمع معروض وهو الكتاب الذي يُرفع إلى الوالي أو الحاكم أو المسؤول
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©