الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نخل رقيط.. يد سحرية تلتقط المعنى من الأبدية

نخل رقيط.. يد سحرية تلتقط المعنى من الأبدية
25 يوليو 2013 12:41
نخل رقيط.. اليد واللسان، والبيان والمعنى في غصن الأبدية.. في ذلك الزمن، المسقوف بالسعف، والعرجون الرهيب، امتد الهوى يحسب دقات القلب ويمضي في الطواف، حول محيط الكائنات، حول نقاء الأرواح، وشفيف الأفئدة.. النخلة وحدها، علقت قلائد الفرح، ورقصت مع العصافير، هتفت للسماء متجلية بالماء والنماء، والغواية اللذيذة.. ورطة العالم بدأت من نخلة مغرية ثرية بالرطب الجني، غنية بالاشتهاء، تتساقط وعداً أممياً لأجل عقيدة الكون، وعفوية النخلة المذهلة. نخل رقيط.. الطريق إليها كان منضداً بالحصى، وشهوة الغارفين من التعب، لفة الحنين الآلي.. أليس الحنين، حرفة الكائنات والتعلق “حابول” يلف خصر العاشق الأسطوري، يمنحه الأمان ويغرق الجسد بطوق النجاة.. نخل رقيط، محطة الركاب باتجاه الحديبة، باتجاه عيون الأرض الناضحة بالحياة والناس، والعيش المبتسر.. نخط رقيط، كجنة ملائكتها يخصبون الأرض بعرق الأقدام الحافية، أو نعال شفه اللظى وتقادم الأزمنة.. نخل رقيط، النقطة الواصلة الفاصلة، ما بين اللهفة والسعفة، ورمق المتشظين عطشاً. نخل رقيط.. في مقلة الحديبة، حدقة التطلع إلى صفوف الجذوع، وما تساوت من أغصان اللوز وتفرعت رائحة كبخور المداخن الصباحية.. نخل رقيط تحتضن الأرض، كعذراء تدفن بين نهديها وسادة الدفء، وتخوض في المكان زلزلة الهاجس التاريخي، وتمارس وعيها الأخضر بحنكة الرجال الذين أبدعوا في تلوين الحياة، بسكر الصباحات الباكرة. نخل رقيط.. كانت، كوريد ينث القطرات في جسم الأرض ويحيي عظام الزمن، بحيوية الانتماء إلى المساء، إلى شاهق الغيم.. نخل رقيط، في الحديبة، في المنطقة القصوى من القلب، في عمق السهل، النابت في تلافيف الوجدان، النابض في تجويف الحياة، هي الأمثولة.. الأيقونة، قيثارة جللت الحلم، بلحن البقاء. نخل رقيط، مثل فلسفة قديمة، مثل بيلار العتيد، إنسانوية إلى درجة تمازج الأثواب، والأبواب، والأحباب، والأسباب، والأنخاب، هي بيان الخضرة المبجلة، هي بنيان العِبرة، المجلجلة، هي كل شيء في أشيائنا القديمة، الحليمة، الكريمة، الرحيمة، هي المدار والمسار، والمعيار، والبوح الطبيعي حين كانت الطبيعة بنت الله، أم الكائنات الرؤوم.. نخل رقيط، في الوحي فكرة تفتش عن موطئ قدم، لمفردات بعيدة المنال، هي في الحياة رسالة الأرض للإنسان، أن تحيي النخلة أو يموت الإنسان. نخل رقيط.. القصيدة العصماء التي نضدت أبياتها على صفحات الذاكرة، ثم غابت تبحث عن وعي من اختصروا الوعي، واسترخوا في دهاليز الغيبوبة المزرية. حقل وسهل نخل رقيط.. في الزمان حقل ومقل، وسهل، وفعل ماض غير جملته بفعل تشوه العبارة، وزوال ضوء القمر عن أعشاش العصافير، وتخصيب الأجنحة بغبار الشاحنات وعوادم المكفهرات عبثاً.. نخل رقيط.. كقمر فضي سقط من غيمة الفرح، ومال جداره، ثم انهار، ثم سار في الوعي بلا حاشية ولا عمر، يؤكد للمارة أن بالأمس كانت هنا ركاب، وخضاب، وسحاب، وعجيب ما أنتجته الفطرة، وغريب ما حصدته الأيدي، ساعة ازدهار الأفئدة.. نخل رقيط، القامة والاستقامة، والجزام المغسول بالأخضر القشيب، يبات الآن عند تلك المقبرة، في وحشة الفقدان، وضياع بوصلة البيدار، وغضب الغراب المتهدج، المتدحرج في الهواء الطلق يسأل عن عرائه، وعن جرداء الأرض، وعن نافلة السابقين، وفرضهم.. نخل رقيط، السؤال المعلق في العرجون القديم، المتدفق دهشة لماذا يا ترى تتخلى الحديبة عن بعض فصولها، ولا يبقى غير خريف النسيان يبني أعشاش الغربان، بين الحصى والأعشاب الشوكية، النابتة في تجاويف الألق.. نخل رقيط، جمهورية النخل الآفلة، فحولة الزمن، ازدهار السماء، هفهفة الأغصان، على رؤوس الطير، تباهي النساء عطرها اللوز برائحة وسماع الآذان، الهديل وخرير ما جاش من الأعماق حتى بلوغ قمة الروح.. نخل رقيط.. مثل بقايا أي شيء نسي إكسير بقائه، فبات عارياً من الروح، تنقض جسده برودة الوحشة. أي امرأة هذه تتذكر قلبها الذي أودعته في ذلك العريش المجاور، وذهبت تبحث عن ثوبها المبلل بالعرق، وصهد الليالي الحارقة.. أي امرأة هذه تنقش السؤال خرزاً، على وقاية الصيف الشفيفة، وتدنو من الحلم وتلمس أصابعها الندية شِفة الزمن الجميل، ثم تغادر في مركب السفر الطويل باتجاه شطئان زلزلها الموج، والمهج المتهدجة.. أي امرأة هذه توحشت حتى صارت لا تذكر من نخل رقيط سوى بقايا عمر، وزهر ذبلت أطرافه، فانبرى حراشف بالية.. أي إمرأة هذه، لا تذكر كيف كان الحوض، يغرس شلاله في صدرها حتي تشهق مكتفية بالرضيض ووميض الأبيض النابت من فوهة الموجة العارمة. أي امرأة هذه لا تذكر ابتسامة البيدار صباحاً، مغسولة بوهج الشمس المتسلسلة من بين الأغصان، كأنها خيوط الحلم، أي امرأة هذه لا تذكر همس الراهفات وجداً، حين تبدو النخيل كأنها لحاف الليل، ستر وقدر، وسهر على تلاقح الأرواح.. أي امرأة هذه لا تذكر همهمات الرجال المتأزرين بملح القبض، الشاهقين من تعب المسافات الواسعة.. أي امرأة هذه لا تذكر الجلجلة، على سرير الصيف إذ كان الليل، يرتل آيات سكونه ويمضي في الرهبنة، معزولاً عن نهاره، الصاخب، متدثراً، بأجنحة الحشرات، كأنها أطاق، حلت من علٍ، تنثر أسئلتها، بوعي الكائنات الذكية.. أي امرأة هذه لا تذكر كيف كان، العريش يهفهف بفطرة الله، ولا يخفى سر اللواعج.. أي امرأة هذه لا يراودها الحلم، ليلة واحدة، وتتذكر نخل رقيط، مسوراً بحزام وسلام وأحلام العاشقين. نخل رقيط.. فوق هضبة القلب عند جرف الذاكرة، تقف الآن عارية من المعنى، طارئة من المعنى، طارئة في المكان، طارقة القلب والعقل، متفشية في النسيج، متباهية، متناهية في الأفول، لا أحد يجلس الآن في ذلك المكان، ويحصي عدد النخلات وأصناف الرطب، فالأشياء هنا في جدلية الزمن، في نفي النفي الدائم، في إثبات الغياب كفضيلة، في تأكيد الاضمحلال، كحل لمعضلة البقاء الذي لا يبرره بقاء.. فراغ وغياب نخل رقيط، وكأنها الآن تحثو في العين فراغاً وسيعاً، وتمضي في الغياب، في العتاب، في الاستلاب، ولا يحضر غير صورة بعيدة في المكان البعيد من العقل.. في اللاشعور حيث تغسل النخل هناك ثيابها من غبار وتستحم في حوض اليباب، ثم تنشف السعف بالضباب.. نخل رقيط، شق الزمن قميصها من دبر، ثم أعلن الفجيعة، سافر في رحابة الأسئلة، وغضون علامات الاستفهام، كيف يمكن أن يحيى الإنسان وتموت النخلة.. يا إلهي، النخلة سنبلة الحياة، وعقدها الفريد، النخلة قلم السطور وحبر الصفحات، النخلة العروة الوثقى ما بين السماء والأرض، هي عش الطير، وعريش الإنسان، هي مروحة الصيف وخيمة الشتاء، هي في الأبعاد الزمنية، سماء نجومها عراجين تقطر ذهباً، وتضيء في الليل أسرجة البهجة.. نخل رقيط، الجزيرة التي طواها الطوفان، فاستمالت أثراً من بعد عين، استحالت صوتاً ميموناً يسأل عن حنجرته في ضياع المسافات، واتساع فجوة الأزمنة.. نخل رقيط، في ذلك المكان، الأبعد من معيريض الأقرب إلى الحديبية، كشامة ما بين نهدين، كنجمة تسرد سر اللألأة، كموجة توشوش الساحل، وتحكي حكاية الصبر على الجمر. يا الله.. نخل رقيط، نخل الحديبة، نخل الوجد الأزلي، والسنبلة المقطوفة من القلب، والقبلة المخطوفة من شفة الحياة.. نخل رقيط، كصبي أغلق عينه ولم يجد مُرضعة تضعه في سويداء القلب.. نخل رقيط، كأنثى غفت في المساء، وفي الصباح، لم تجد خاتم يدها.. نخل رقيط، كطائر فقد الجناحين ساعة هبوب العاصفة، فنفض القلب، ولم يجد ما يمكن له جدوى في هذه الحياة.. نخل رقيط، كمن سرقته الخديعة، فسقط من الجنة عمداً، ناخت النخل، وشاخت عيون الماء، مبلولة بالجفاف، حتى آخر رمق.. نخل رقيط، كساع في بحر المرارة، يغسل يديه بالملوحة، ثم ينشف تعبه بالأمل.. نخل رقيط، بعد زمان من البريق، أطفأت قنديل الحياة، غابت في الشح، غابت في سحيق الزمان، الراكض خلف سحابات الصيف.. نخل رقيط، كجندي تاه في غابة التشرد، صار يحصي عدد الخسارات ويعد أصابعه التي لم تلمس الزناد.. نخل رقيط، مثل أمنية في قلب طفل، نمت وترعرعت، ساهت بفعل القلقلة.. نخل رقيط، مثل كل الأشياء التي نسيت ملابسها الداخلية وغاصت في حوض البرودة، حتى تجمدت.. نخل رقيط، مثل كل الأشياء، التي ترامت في البعد فابتعدت.. وابتعدت، حتى باتت النخلة تسأل عن جارتها في الغياب، فلا حضور إلا للأسئلة.. نخل رقيط، الكلمة المؤجلة، في تجاعيد وقت، شابت خصلاته فانحنى ظهر النخل، كما هي الأشياء عندما يصبح ماؤها سراب، ونثها ضباب، وجذرها لا يغوص إلا ف اليباب. نخل رقيط، حلم ما قبل النوم، يغلق الباب صندوقه فيستحيل كابوساً. نخل رقيط، مثل الحب الأول لا ينتقل عنه الفؤاد إلا ويعود إليه ثانية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©