الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رؤى وآراء بالألوان

رؤى وآراء بالألوان
25 يوليو 2013 02:00
في الحادي عشر من يوليو الجاري، أفتتح المعرض العام “بازار رمضاني الفني” فكرة وتنظيم التشكيلية سمية السويدي، في صالة العرض بغاليري الغاف بأبوظبي، ويستمر حتى السابع من أغسطس المقبل. ويعتبر افتتاح هذا المعرض الذي يشتمل على أكثر من 75 لوحة ما بين الواقعية والتجريدية والحروفية والرمزية، يقدّمها نحو 35 فنانا وفنانة تشكيلية من الامارات والوطن العربي وعدد من الدول الأوروبية من أبراز الأحداث التشكيلية التي تشهدها العاصمة. ومن الانصاف أن نعترف أن هذا المعرض قد تميّز، فضلا عن حسن تنظيمه وتنسيقه بظواهر عديدة أبرزها تأكيد الاتجاهات الشبابية الجادة في الفن التشكيلي، ونزوعه إلى إبراز التيارات الحديثة في الرسم في المجالات التجريبية والحروفية والشعبية والتعبيرية الرمزية والعصرية المتحررة، التي تجتمع في مكان واحد (غاليري الغاف)، حيث يحظى كل فنان مشارك بتقديم جملة من أعماله في إطار مفتوح يرتفع كثيرا عن فكرة سوق العرض التشكيلية. أحمد علي البحيري المعرض الذي ترعاه مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون يهدف إلى التعريف بأبرز الفنانين الذين شكلوا علامة فارقة في مسيرة الفن التشكيلي المحلي باتجاهاته ومدارسه. وقد تنوعت المعروضات ما بين لوحات زيتية ومائية، بالإضافة إلى قع من الأثاث مثل المقاعد. الفكر التصوفي نعتقد أن أهم ظاهرتين يمكن أن يخرج بهما المشاهد، وهما على صلة وثيقة بعنوان المعرض، ما يتمثل في أعمال التشكيلية بوسي أحمد التي عرضت لوحة بعنوان “محمد رسول الله” لوحة تندرج في إطار فن الحروفية، فالعبارة باللون الأصفر، المتجسدة فوق خلفية باللون البني، وتنفرد هذه اللوحة بنوع من الفكر التصوفي العالي، ومنهج مثالي في التعبير عن (الروحانية) المتصلة بشهر رمضان المبارك. وهذه الخاصية، تجدها لصيقة في أعمال التشكيلية كريمة داوود، التي رسمت لنا مسجدا بكامل عناصر طرز العمارة الاسلامية وبخاصة جماليات القباب والمآذن، مكتملة في المدرك البصري لدى المشاهد من خلال التوزيع المتقن للألوان والنسب، غير أننا نقف بخشوع أمام اللوحة البانورامية من خمسة مشاهد للفنانين آشون، وبابلو، التي تعكس جماليات العناصر الأساسية لمسجد بني على الطراز العربي الاسلامي، بما يضمه من قباب وأقواس داخلية، واقواس فتحات النوافد ومآذن، وأعمدة، وغيرها، ونحن حين نقف أمام هذا اللون من الأعمال التي توظف تميّز اللونين الأخضر والبني، ضمن شبكة الألوان المستخدمة في التكوين العام، لا نملك إلا الاعتراف بجمالها وخصوصيتها، وبمميزات الصنعة الاحترافية في استخدامات قوانين الظل والنّور، والزخارف والخطوط، وغيرها من ممكنات تشكيل الحالة الروحانية الصوفية في العمل الفني، ولكننا لا نستطيع أن نطرح هذه اللوحة الاستثنائية جانبا، دون أن يكون في حيّز الوعي مناقشة فنية لواحدة من أجمل الأعمال التشكيلية لمسجد الشيخ زايد في أبوظبي للفنان العالمي آر. ب. جيزيان باللونين الأسود والأبيض، حيث نكتشف أبعاد جديدة لهذا المعلم الديني الكبير، الذي يشكل رصيدا حضاريا للعمارة الاسلامية في العاصمة، حيث تعتمد اللوحة في تكوينها العام تعزيز مفهوم الفكر المعماري الاسلامي من خلال اللون والخط والزخرف. في ذات المنهج تبرز بقوة أعمال (فن الكولاج) للتشكيلية خلود سنو حبري، التي قدمت لنا مجموعة من الأعمال ذات الصبغة الصوفية، ويتصدرها لوحة بعنوان (بسم الله الرحمن الرحيم)، وهي عبارة عن تكوين من الخطوط والألوان، حيث تتسيد الحروفية بكلمة بسم الله مجال العمل الفني، مضافا إليها عديد المفردات الموحية واللصيقة بقيمة الجملة، ولعل أهم ما يميز أسلوب حبري، ما يتمثل في تلك اللمسات الأنثوية في بناء الجملة الخطية وتركيزها في نشر الألوان بعذوبة وحنان وهدوء خاص، في إستخدام الألوان الساخنة بأبعادها الثلاثة على وجه التحديد، وفي هذا الاتجاه التركيبي، عرضت حبري في المعرض مجموعة من الأعمال مثل إسم الجلالة بالألوان، وشكرا، والله كريم، والله السلام، وفي هذا المجال تتميز أسلوبيتها بالرسوخ والنّقاء الذهني وبقدراتها السهلة على المكاشفة الروحية وإبراز هذه التكوينات بهالة قدسية لها خصوصيتها وخشوعها وجلالها. إنه في الواقع أسلوب جديد، يحتفي بعالم صوفي يتماهى مع اللزوميات التنميقية لاستلهام جوّ مفعم بالروحانية والبعد الديني بمعاصرة على مستوى التركيب وبناء العمل الفني. بعيدا عن هذا الفضاء قدّمت لنا حبري، لوحة شديدة التعبير عن منطق العصر بعنوان “سلام وحب” بأسلوب فن الكولاج الممتزج بلمسات لونية دافئة، فهي تعجن الكلمات باللوان، حينما نتعمق في اللون الأحمر مكتوبا ومطعما بالزخارف، وحينما نجد كلمة سلام باللونين الأزرق والأبيض، لينتهي حرف الميم في الكلمة ويتقاطع مع تكوين لحمامة سلام باللون الأبيض مع مزج بديع لكلمة حب باللون الأحمر، ليتشكل في المساحة المطروحة تجميع فني يمزج بين الحروف والطيور والألوان، ضمن مفردات وموتيفات شعبية. الأمومة والطبيعة الظاهرة الثانية في هذا المعرض ما يتمثل في الاتجاه التعبيري الرمزي الذي يحتل مساحة واسعة في أعمال الفنان آر. ب. جيزيان، تحت عباءة ما يمكن تسميته بـ(لوحة التفاصيل)، سواء من خلال اللونين الأثيرين بالنسبة له (الأسود والأبيض) وطريقة استخدامه للفحم والاكليريك، وبخاصة في لوحته بعنوان “الأمومة الطبيعية”، وتصور إمرأة زنجية تداعب طفلا، ونقول إن كل شيء جديد ومتجدد في أعمال جيزيان، كونه يخرج من محاولات الارتباط الطبيعي بالعالم الخارجي، إلى رؤية العالم الخارجي بأسلوب تنويع وتكثيف العناصر المستخدمة في بناء العمل التشكيلي، فعلى سبيل المثال في لوحته “الأمومة الطبيعية” يستخدم ورق الشجر في تشكيل الوجوة، وإلى أبعد من ذلك يجعل ورق الشجر يحيط بكل عناصر اللوحة، فهنا مثلا شجرة كاملة ملونة تخترق نصف العمل الفني، وأن هذا الخلط البديع ما بين النباتي والبشري يوحي برمزية عالية المستوى ودلالات تربط ما بين الانسان والارض والخصوبة والنماء، ما يشكل في نهاية الأمر الأمومة الطبيعية، وهو هنا ينجح في أن ينقل لنا توليفات تمليها عليه غالبا رؤية الفن في خدمة المجتمع، لتصبح ضرورات فنية ملزمة في الاتجاه التشكيلي. وفي السياق ذاته يقدم لنا آر. ب. جيزيان لوحة مهمة بعنوان “الصلاة” وتصور رجلا يصلّي، في حالة خشوع كاملة، وهنا أيضا مزيج من الألوان والخطوط، يتسيدها لوني الأزرق والبنفسجي، لكن أهم ما في تركيب هذا العمل الفني هو ما يستعيره جيزيان من تركيبات الخط والصورة والمشهدية ليصنع لنا في النهاية مشهدية درامية منضبطة بكامل عناصرها. داخل هذه الدائرة، لا ضير من عودة سريعة إلى بقية أعمال جيزيان في هذا المعرض ومن ذلك لوحته بعنوان “العناية ـ كير إكو” والتي تصور إمرأة زنجية تحلّي شعرها بوردة صفراء من نوع عباد الشمس، تطعم حمامة، فيما تحيط باللوحة مجموعة متبيانة من الحمام الطائر، وسط مجموعة من الزخارف والفراشات، في ظل سيطرة من اللونين السود والأبيض، في عالم متسق، شديد الانتظام، ولعل هذا التصميم الهندسي الذي يستعين بألوان الفحم، واختيار خلفية طاغية من الرماديات المضيئة المحمومة، تكثف لنا التعبير المجرد عن الحزن والأسى، ولكنها في الواقع تمنح الحزن مزايا على درجة من التصوف الهادئ، في إطار لا يغفل التماهي مع حداثة تشكيلية تحعلنا نهتم بأعمال هذا الفنان الجريء في دخولة إلى الفن الأفريقي حينما تتساوى حدة الرمزية والتعبير مع حدة الدلالات المطروحة. تفاصيل إماراتية بازار رمضان الفني، يحمل في جنباته درجة عالية من الحس الانساني المتعالي، فهنا حركة دينامية راقية سواء على مستوى الفكر والمضمون أو على مستوى استخدامات اللون والتصوير، وهنا أيضا فضاء وسطوح ومساحات لونية جاذبة، وأيضا وحدة موضوع قد نجدها في أغلب الأعمال. ونبدأ من الاتجاه الشعبي التراثي في أعمال التشكيلية فاطمة فتّاح التي قدّمت لنا أربع لوحات يمكن إدراجها تحت فن النسائيات، وأولاها بعنوان “ألوان من القرية” ضمن جو تقليدي إستاتيكي يصور لنا إمرأتان بزيهما التقليدي المحلّي، مع طغيان واضح في إستخدام اللونين الأزرق والأحمر، وثاني هذه الأعمال جاء تحت عنوان “إجتماع الصباح”، وتعكس لنا أجواء لجلسة صباحية لخمس نساء خليجيات بزيهن التقليدي مع تدفق للونين الأحمر والأزرق، فيما تصور لنا اللوحة الثالثة لفاطمة فتّاح بعنوان “حب، جمال، أمل” أجواء ثلاث سيدات، تعبّر نظرة كل واحدة عن هذه القيم الانسانية في إطار محلّي خالص، وحركة نمطية، فيما تعزز اللوحة الرابعة بعنوان “جمال الامارات” إتجاه توظيف التراث في البناء التشكيلي عند الفنانة، التي رسمت لنا إمرأتان منشغلتان في ممارسة المشغولات النسائية التقليدية، وأن أهم ما في أسلوبية الفنانة التشكيلية ما يتمثل في عفويتها في التعبير عن فعل وحركة الشخوص التي تبدو لنا في راحة وهدوء تام، في تشذيب الفراغ وإحتساب النسب، والاهتمام بالموروث الشعبي. التشكيلية سمية السويدي صاحبة فكرة تنظيم وتنسيق هذا المعرض، خرجت عن النّص بلوحاتها التي أسمتها “بدون كلمات”، وهي عبارة عن بورتريه لفتاة شقراء، ذات شعر طويل منسدل على كتفيها، وعينان واسعتان مندهشتان، وفي اللوحة ثمة ضبابية غارقة في رومانسية تحتاج منا إلى إشغال العقل والذاكرة لتفسير هذه النظرة لفتاة حائرة. وفي الواقع فإن هذا العمل الجميل والمتدفق بصمته، يمنحنا إحساسا بالشبع البصري والتأملي المتكامل، الذي قد يبدو أكثر تأثيرا في لوحتها التي أسمتها “ملائكي” وهي ذات طابع غربي حينما تصوّر فتاة بيضاء ذات شعر ذهبي، وعيون ملونة، أما هذا الوجه الملائكي الدقيق في تقاطيعه، فيغمره النور من كل جانب. وأسلوب السويدي في هذه اللوحة أقرب إلى الطبيعية منه إلى الانطباعية، نقول ذلك على الرغم من التوليفات الحركية، لكن المهم هو تلك الهلامية اللونية المكثفة التي تغطي خلفية اللوحة، ليبدو لك هذا الوجه الجميل وكأنه خارج للتو من غيوم النقاء والطهارة. يذكر أن سمية السويدي صاحبة فكرة المعرض والمشرفة على تنظيمه، تمزج في تجربتها الفنية بين الفن التشكيلي وتصميم الأزياء، وقد بدأت مسيرتها الفنية عام 2001، ونظمت أول معرض للوحاته الفنية عام 2003، كما شاركت في العديد من المعارض المحلية والعربية والدولية. أفكار ورؤى لا يمكن بالطبع الحديث عن كافة أعمال المعرض، لكن في السياق تميزت أعمال الفنان التشكيلي (كريتشي) وبخاصة لوحته التي حملت عنوان “توكلت” ذات الصياغة التجريدية التي تعكس تناولات تكنيكية مضنية لاضفاء جو من الثراء فوق سطح اللوحة التي تتداخل فيها خطوط كلمة توكلت باللون الأزرق المضيئ، مع كلمة الله التي تحيط بها ألوان من الزخارف الدقيقة، لتشكيل حالة روحانية متدفقة في التركيب الفني، ولذلك فنحن هنا نحتفل بمحاولة التدفق اللوني عند كريتشي، من خلال بانوراما من أربع لوحات تحت عنوان مثير “موسيقى في الهواء” التي تتميز بتنوع وكثافة العناصر من الألوان والخطوط، والنوط الموسيقية، ومفردات دينية روحية مثل هلال رمضان، في توافق عام ما بين الروح والفن. نعتقد أن التشكيلي لز راموس برادو قد إنحاز في لوحته “الجوع” إلى القضايا الانسانية، لكنه على ما يبدو إنحياز درامي في التشكيل واللون وحركة الفرشاة الرشيقة، التي تصوّر لنا فتاة صغيرة هزيلة الجسد، شعرها عبارة عن كومة من ورق الشجر المتناثر بدون إنضباط، لكن الرسم بوجه عام يأخذ موقفا سلبيا خالصا، ففي حين يضع الرسام رمزا مثاليا كـ (التفاحة) في يد الفتاة الجائعة في منتصف اللوحة، نجده يلجأ إلى تغطية خلفية المساحة بالسائل الأبيض، في إسقاط فني واضح على هذه القضية التي تؤرق الوجدان العالمي منذ قديم العهود. وفي ذات الموضوعة نجد برادو يصدّر لنا لوحة بعنوان “عميق” يصور فيها فتاة شقراء وهي تخرج من مياه البحر وبيدها سمكة، ويدور حولها طائر اليعسوب، أما جماليات تكنيك هذه اللوحة فتبدو في قيمة وطريقة إستخدام الألوان، حيث ينفرد برادو في تركيب صيغة لونية جديدة، فعيون الفتاة وشفتاها رسمت بألوان زاهية، فيما رسمت بقية عناصر اللوحة باللونين الأبيض والأسود، مع خلفية متناقضة متبرمة، لكنها لافتة لانتباه، وإستخدام بعض الخطوط والمنمنات كوظيفة إحترافية. قدم التشكيلي خليل عبد الواحد، جملة من الأعمال تصدرتها لوحة بعنوان “بدون إسم” تمثل رجلا بالزّي الوطني، ويحمل بكلتا يديه الموضوعتان خلف ظهه ورودا، لكنك إذا دققت النظر في هذه اللوحة على بساطتها ستجد أن هناك عمقا فكريا تجسد في تلك النظرة التأملية للرجل بإتجاه الفضاء، مع إستخدام بديع للألوان المائية. أما حمدان الشامسي فيقدم لنا في الواقع تجربة سريالية لافتة بلوحته “التوأم” التي تظهر شخصين ملتصقين، لكن كل واحد منهما بلا رأس، فيما تتنوع وتتكثف العناصر حول التكوين الرئيس، كأن ترى طائران من حولهما في الهواء، خلفية خضراء، وفي أسفل اللوحة دوائر سوداء، وهذه المعاني بالطبع تملك دلالاتها وإيحاءاتها نحو متناقضات الحياة والعالم. إن الشامسي في هذا العمل الجميل يرتكز في الغالب على معايير سريالية من نوع خاص، بعناصر تركيبية تقدمية، أكدها ثانية في لوحة أنيقة مصقولة بعنوان “الشبح في داخلي” لامرأة نصفها العلوي أسود، والسفلي أبيض، لكنها بدون ملامح تقليدية واضحة، إنه يود ضمنا تصدير لوحة غير تقليدية تقوم على تمثيل العنف في الحياة. نظرة عمرانية في خانة الحياة والفرح، نتلمس طريقنا نحو لوحة لا تقبل المساومة من حيث تدفق ألوانها وحركتها، للتشكيلية مها أميري بعنوان “الربيع الذهبي”، وصحيح أن فضاءها الخارجي يوحي بواقعيتها من حيث الأسلوب، حيث عصافير الكناري الزاهية الملونة تتحاور على أغصان ذهبية، ضمن إطار الصورة ثلاثية الأبعاد، إلا أن المختفي وراء فكرة هذا العمل يوحي بأننا نتلمس وجودا إنسانيا أكثر تحررا وحاضرا مريرا عصريا، لأن الربيع في حياتنا ما زال في خطر.. وكما يبدو فإن لمها أميري طابعها الخاص في التعبير عن الطبيعة والحياة من خلال لوحاتها: “الحمار الوحشي الزهري”، “إستراحة القهوة”، “الواجهة”، وفيها جميعا تنحو بإتجاه الألوان الزاهية وأحيانا المتضاربة، لتصنع لنا في النهاية لوحة تعبر فيها عن رؤيتها لصراع الانسان مع الحياة. كان لافتا ذلك الحضور الطاغي للتشكيلية جينيفر سيمون بلوحتيها “القارب الوردي” و”الشجرتان”، التي تحاول من خلالها الاقتراب كثيرا من العالم العمراني للامارات، على طريقة إستخدام ألوان وتركيبات تذكرنا بعالم ألف ليلة وليلة. ففي اللوحة الأولى ثمة تدفق عمراني لمبان نشاهدها في حياتنا العادية مثل: برج خليفة، برج العرب، أبراج الامارات، ابراج الاتحاد، جزيرة النخلة، وصلت إلينا في إطار تجريدي حافل بعديد المفردات وتأثيرات العمارة العربية والاسلامية والمعاصرة، وفي اللوحة الثانية ثمة المزيد من المباني والعمران في الدولة، ألوان زاهية، مثل سيطرة الأزرق والأحمر، مع مفردات وزخارف وتنويعات واجتهادات تشكل هوية المكان. في هذا المعرض الشامل ثمة اعمال جميلة ولافتة في معناها والوانها وفكرها، مثل اعمال كل من: رام نات، جلال لقمان، نانسي ستكليو، عائشة السويدي، كريمة داوود، عفراء الهري، كارولين كوبار التي إنفردت في تقديم صورة فوتوغرافية بعنوان “الضوء والظل”، وتعكس فيها بطريقة خلابة ردهة من الأقواس المتتابعة باللونين الأسود والأبيض، مع وضوح خاص لانعكاسات الضوء الجانبي، في إطار من (العصرية) في إستخدام زاوية التصوير، وتوضيح قيمة التصميم العمراني على الطراز الاسلامي. في الواقع لا يمكن أن نختم الحديث بدون الاشارة إلى قيمة المعرض الفنية أولا، وإلى مشروع غاليري الغاف، الذي يشكل ظاهرة بارزة في رصيد تطوير مفهوم الرؤيا للحركة التشكيلية في الامارات، وأن تنظيم هذا المعرض السنوي، وغيره من المعارض والاحتفاليات الفنية، ينعكس بالقطع على مستوى التشكيل، وقد يكون مثل هذا التراكم الفني مطلوبا في مرحلة أصبحت فيها العاصمة ابوظبي وجهة فنية وثقافية وسياحية من الطراز الأول، وأن جلب وتشجيع التشكيليين محليا وعربيا ودوليا على الالتقاء في هذا المحتوى الابداعي الذي أصبح معروفا لدى النخبة من الرسامين والمصورين والنحاتين والمشتغلين في مجالات الحفر والطباعة والجرافيك والخط العربي وغيرها من أنواع الفنون.. هو في الحقيقة موضع تقدير وإحترام، بعد أن تجاوزنا في الامارات مرحلة التأسيس إلى مرحلة الابداع والتطوير وإضافة الجديد إلى عالم التشكيل من أجل رفعة وتنمية الذوق الفني العام، وتنمية روح النقد الموضوعي الفاعل المواكب لهذه النهضة الفنية التي نعيشها جميعا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©