الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الرئيس بوتين وروسيا ومخزون المستقبل

26 أغسطس 2006 00:10
موسكو - الاتحاد (خاص): البلاد التي تطفو فوق مخزون هائل من الطاقة يفترض أن تطفو فوق مخزون هائل من المستقبل· لكن أمام روسيا درباً طويلاً وشاقاً· الروس اشتهروا بالصبر· ربما كان هذا أيام زمان· بالتأكيد، الصورة تغيّرت الآن عمّا كانت عليه منذ 15 عاماً· لم يعد الجندي في ''فلاديفستوك'' يستخدم قميصه حذاء· الرئيس ''فلاديمير بوتين'' هو الذي يستقطب الأنظار منذ الآن، بدأ بإعداد البديل، في أجواء شكسبيرية إلى حد كبير، والغرب يأمل رئيساً أكثر مرونة في إدارة مخزون الطاقة، حتى أنّ ديبلوماسياً ألمانياً اعتبر أن قطع الغاز هو أشبه ما يكون باستعمال السلاح النووي·· الاتحاد أعدّت التحقيق التالي : قطعاً لا يدّعي بوتين أنه القيصر إذ لطالما فاخر بأنه لدى انهيار الاتحاد السوفييتي، وهذا في نظره أهم مصائب القرن، اضطر للعمل سائق تاكسي لإعالة أسرته المؤلفة من زوجته ''ليودميلا''، وهي مضيفة سابقة على طائرات ''ايروفلوت'' وابنتيه ''ماشا'' و''كاتيا'' اللتين لا تزالان على المقعد الجامعي· بوتين عمل سائق تاكسي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي إنجازه الاسطوري: وضع المليادرير اليهودي وراء القضبان أفتتن بأفلام التجسُّس فدخل إلى الـ ك·ج·ب ''فلاديمير بوتين'' الذي تتناوب ''وول ستريت جورنال'' والـ''واشنطن بوست'' على وصفه حيناً بـ''فلاديمير الرهيب'' (تيمناً بالقيصر ''ايفان الرهيب'') وحيناً بـ''فلاديمير الكبير'' (تيمناً بـ''بطرس الأكبر'') يلعب استراتيجياً الآن، على أن المستقبل لروسيا المقدّسة· السبب هو مخزون النفط والغاز الهائل في بلاده، خلافاً لما هو عليه الحال في أميركا، أو أوروبا، وصولاً إلى الصين· هو الذي يسخر من مقولة الطاقة البديلة، ليصف كل ما يقال في هذا الخصوص بأنه نوع من الفانتازيا السياسية والإعلامية ولا شيء آخر، فالنفط، ومعه الغاز، هو طاقة المستقبل، ولا داعي لتلك الملاحة في السراب· التزلج··والجودو إنه في ذلك الجناح من الكرملين الذي تشعر فيه بأن أرواح القياصرة موجودة في كل الأشياء· هذا لا يعنيه شيئاً· أيام ''بوريس يلتسين''، الرئيس السابق، كان الجناح يبدو وكأنه حانة ملكية، وكان كل شيء يتردّى، فيما اليهود السبعة الذين ربطتهم علاقات وثيقة مع ابنته ''تتيانا'' يضعون أصابعهم، بل وأظافرهم، على كل المرافق الحساسة في الدولة··المشهد تغيّر تماماً ـ لم يعد المعاونون، وأصحاب المصالح، هم الذين يعنون بإدارة الدولة ـ يظل مكتبه مضاء حتى الهزيع الأخير من الليل· في عام 2008 تنتهي ولايته الثانية، ليس واثقاً من أنّ باستطاعته البقاء لولاية رباعية ثالثة، لكن الكثيرين يعتقدون أن هذا الرجل الذي أتت به الصدفة، أو الغلطة (باعتبار أن فريق ''يلتسين'' أتى به على أنّه سيكون حصانه) إلى الكرملين، هو الأفضل، الأفضل وإلى إشعار آخر لقيادة روسيا نحو برّ الأمان· هذا كلام لا يُقال في تلك البلاد التي لا شك في أنها تحفل بالرجال القادرين··إنه يقيم في ضاحية ''نوفو ــ اوغاريفو'' الفاخرة والتي تكتظ بالأزهار· صباحاً لا بد من دقائق للرياضة على ظهر حصان أو على ظهر الماء، وهو الذي يهتم جداً بجسمه الرقيق، ولطالما عُرف بأنه رياضي يتقن التزلج ومصارعة الجودو التي تعلمها منذ أن كان يعمل في جهاز الاستخبارات الروسية (ك·ج·ب)· لا ريب أن شكله تغيّر كثيراً· إذا شاهدنا صورة له في الثمانينات، وفي مدينة ''دريسد'' في ألمانيا الشرقية، نكون أمام رجل دائري، شبه عار، وهو يلعب البينغ ـ بونغ· البطن سمين ورخو، إنه الآن في أعلى الهرم، حتى التشكيل الجيولوجي للشخص يتغيّر· طبعه بارد، هذا يعطيه ''موهبة'' الصبر الذي كان ضرورياً لإعادة هيكلة روسيا بعد الحقبة السوفييتية، كما بعد الحقبة اليلتسينية· ليس بالخطيب المفوّه الذي يسحر الجماهير، ولا يعرف كيف ''يكهرب'' الجماهير كما جاره البيلوروسي ''لوكاشينكو'' الذي لا يستسيغه· لكن ''بوتين'' يقرأ الأشياء، والاحتمالات، جيداً· إنه واضح، وحاد في الوقت المناسب· مستشاروه لشؤون الاستثمار يقولون إن مفاهيمه في الاقتصاد مستمدة، تحديداً، من تجربته الشخصية حين كان مسؤولاً للعلاقات الاقتصادية في بطرسبرغ في التسعينات، وحين كانت الساحة مكشوفة أمام كل التلاعبات، وأمام المافيات التي كانت تقتسم في ما بينها ممتلكات ومرافق الدولة· حياته الشخصية أثرت كثيراً في تكوينه النفسي والثقافي، وحين زاره المستشار الألماني السابق ''غيرهارد شرويدر'' حدثه عما حصل لدى حصار ليننغراد إبان الحرب العالمية الثانية حيث قتل شقيقاه في عمر مبكر· أبوه ''فلاديمير سبيريدونوفيتش''، كان عاملاً صارماً وقليل الكلام، أيضاً حارب ضد النازيين· صراع مع الملياردير ''بوتين'' وُلد بعدما وضعت الحرب أوزراها بسبع سنوات، كانت أمّه في الحادية والأربعين، وحين أصبح مراهقاً، كان يتابع الأفلام السوفييتية حول التجسّس، ويحلم بأن يكون جاسوساً، ربما افتتنانه بذلك النوع من الأفلام هو الذي جعله ينضم إلى جهاز الـ''ك·ج·ب''· التدريب السيكولوجي في هذا الجهاز علّمه على التقنية الخاصة بـ''اختراق'' الآخرين· وحين التقى الرئيس ''جورج بوش''، وكان يعلم مدى ولعه بالمسألة الدينية، حدَّثه ''بوتين'' في الدين، وعن صليب من الخشب عثرت عليه أمّه سليماً اثر حريق قضى على كل شيء· وفي عام ،1998 حين أصبح رئيساً للأجهزة السرّية دعا صحافية روسية شقراء وجميلة إلى تذوّق الـ''سوشي'' في أحد مطاعم موسكو· ''بوتين'' أثار ذهولها عندما بدأ يستعرض كل تفاصيلها العائلية، وبالطبع من خلال مراجعة الملفات التي بحوزته· رئيس يتقن المواجهة والمناورة· صراعه مع الملياردير اليهودي ''ميخائيل خودوركوفسكي'' كان مريراً وشاقاً واسطورياً· رئيس مجلس إدارة شركة ''يوكوس'' النفطية العملاقة كان قد أقام شبكة هائلة من العلاقات تمتد من الجماعات اليهودية الضاغطة في الغرب، وصولاً إلى أروقة الكونغرس، والغرف الداخلية في وول ستريت· كل تلك القوى تألبت عليه وحاصرته· مسؤولون أميركيون كبار تدخلوا، هددوا، واتهموه بالشخصانية وبتحطيم الديموقراطية ''العذراء'' في روسيا· تمكن من أن يواجه كل هذا، وأن يزجّ بـ''خودوركوفسكي'' في السجن· حرب بما تعنيه الكلمة، وربحها· الجوهرة الروسية صعوبات أخرى واجهته، وإن كانت الثورة البرتقالية في اوكرانيا التي طالما ظلت التوأم التاريخي (والسلافي) لروسيا، أزعجته كثيراً· السبب هو خوفه من أن يتهاوى الأصدقاء، أو الحلفاء، الآخرون، وإن كانت اوكرانيا هي الجوهرة الروسية، فالبلدان يتداخلان، استراتيجياً، وحتى إنسانياً، على نحو مثير· الذي أزعجه كثيراً آنذاك هو أن الأجهزة السرية وضعت له تقارير تؤكد أن المرشح الذي تدعمه موسكو هو الذي سيفوز· عندما كان في الـ''ك·ج·ب'' تعلّم أن التقارير الخاطئة هي تقارير قاتلة· أشياء كثيرة تغيّرت· هنا موسكو وليست واشنطن حيث أنوف الصحافيين تصل إلى أي مكان· لا تزال اللمسات السوفييتية في كل مكان، ثم أن القيم الروسية لا بد أن تكون مختلفة عن القيم الأميركية· إذا كانوا في الولايات المتحدة يتحدثون عن الشفافية، ففي الاتحاد الروسي الذي يمتد على أكثر من 17 مليون متر مربع، العمل أكثر تعقيداً بكثير· الرئيس ''بوتين'' يعرف انه يتعاطى، في أحيان كثيرة، مع الفساد، والبيروقراطية وأمراض أخرى وأخرى تحمل أحد السفراء على القول: ''لا تتصوروا أن بوتين يستيقظ صباحاً، ويقرر شيئاً ما، وهذا الشيء ينفذ· الأمور لا تسير هكذا''· طاقته، أو طاقة روسيا، الآن في الطاقة· يعرف أن بلاده تحتاج إلى وقت طويل لكي تنضم إلى نادي النجوم في اقتصاد السوق· ولكن إلى أي مدى يمكن لموسكو أن تلعب، استراتيجياً، بالنفط والغاز؟ ثمة ديبلوماسي ألماني يقول: ''لطالما أدار الروس التاريخ بشكل رديء· نخشى أن يفعلوا الشيء نفسه في الطاقة''، هذا ليضيف ''إن قطع الغاز عن بلد ما، وكما حدث لأوكرانيا، هو مثل استعمال السلاح النووي''··الديبلوماسي الألماني قال أيضاً: ''التهديد هو الفعال، وليس الضغط على الأزرار''· وكان المستشار ''شرويدر'' هو مَن طلب من الرئيس ''بوتين'' أن يفتح حنفية (أو صنبور) الغاز لدى قطعه عن اوكرانيا في عزّ الشتاء، وبسبب خلاف على الأسعار· قرار الفتح جاء بعد ثلاثة أيام، لكنه أثار قضية كبرى على الطاولة· مرة أخرى هل يمكن لموسكو أن تلعب استراتيجياً بالنفط والغاز؟ هذا محرّم دولياً، كما تقول ''الفايننشال تايمز''، لتذكر أن موسكو بحاجة إلى استثمارات هائلة لتدشين حقول جديدة، ولإنشاء شبكات أنابيب أخرى· لكن المهم أن بلداً يسبح فوق مخزون هائل من الطاقة·· يسبح أيضا فوق مخزون هائل من المستقبل· أورينت برس
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©