الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«النهار» آية لمعاش الخلق وسعيهم وأسفارهم

«النهار» آية لمعاش الخلق وسعيهم وأسفارهم
24 يوليو 2013 21:42
أحمد محمد (القاهرة) - لله تعالى في عالم الأكوان، آيات بينات دالة على وجوده وقدرته وإرادته وعلمه وحكمته ونعم سابغات موجبة لحمده وشكره وعبادته، والنهار أحد أهم هذه النعم والآيات، وهو ذلك الضياء الذي يرافق ظهور الشمس، فيكشف جميع ما نشهده وما تفضل به علينا ربنا، فنذهب إلى أعمالنا وقد استعدنا نشاطنا. يظهر ما خلقه الله من موجودات في النهار، وبما فيه من حرارة وضياء ينمو النبات وتنبت الحبوب وتنعقد الأزهار وتنضج الفاكهة والثمرات، وفيه فوائد لا يحصيها غير خالقه وموجده. والنهار هو الوقت الذي يتجلى على جانب الكرة المقابل للشمس فتضيؤه بنورها يقول تعالى (والنهار إذا تجلى) أي إذا ظهر، ذكره استدلالاً على الخالق ليعرفوه، وذكر ما فيه من النعمة عليهم ليشكروه ويعبدوه فكانت فائدة خلقها راجعة للعباد، ليبتغوا ويطلبوا فضلاً من ربهم بالسعي لتحصيل المعاش، وأسباب الحياة، ووجوه المنافع وليضبطوا أوقاتهم بعلم عدد السنين، وما اشتملت عليه من الشهور والأيام والساعات وليعلموا جنس الحساب الذي منه حساب الشمس وتنقلها في منازلها. ألفاظ الصبح وورد ذكر النهار في القرآن سبعاً وخمسين مرة، كما وردت ألفاظ الصبح، والإصباح والفلق ومشتقاتها بمدلول النهار في آيات أخرى كثيرة، كذلك وردت كلمة اليوم أحياناً بمعنى النهار. ونعمة الله تعالى على أهل الأرض جميعاً بمحو إنارة الليل، وإبقاء إنارة النهار ما بعدها نعمة، لأنه لولا ذلك ما استقامت الحياة، وما استطاع الإنسان الإحساس بالزمن، ولا التأريخ للأحداث بغير تبادل ظلام الليل مع نور النهار، ولتلاشت الحياة، ومن هنا جاءت إشارة القرآن الكريم إلى تلك الحقيقة سبقاً للمعارف الإنسانية كافة. سكن الليل وقال ابن كثير جعل الله النهار مبصراً مضيئاً لمعاش الخلق وسعيهم وأسفارهم ومصالحهم يمتن بآياته العظام، فمنها مخالفته بين الليل والنهار ليسكنوا في الليل وينتشروا في النهار للمعايش والصناعات والأعمال والأسفار، وليعلموا عدد الأيام والجمع والشهور والأعوام، ويعرفوا مضي الآجال المضروبة للديون والعبادات والمعاملات والإجارات وغير ذلك ولهذا قال (لتبتغوا فضلا من ربكم)، أي في معايشكم وأسفاركم ونحو ذلك (ولتعلموا عدد السنين والحساب)، فإنه لو كان الزمان كله نسقاً واحداً وأسلوباً متساوياً لما عرف شيء من ذلك. وهو القائل: (وجعلنا النهار معاشا) أي مشرقاً نيراً مضيئاً ليتمكن الناس من التصرف فيه والذهاب والمجيء للمعايش والتكسب والتجارات. وفي تفسير الطبري: وجعلنا النهار لكم ضياء لتنتشروا فيه لمعاشكم وتتصرفوا لمصالح دنياكم وابتغاء فضل اللَّه وجعل جل ثناؤه النهار سبباً لتصرف عباده لطلب المعاش وجعل النهار مبصراً فأضاف الإبصار إلى النهار وإنما يبصر فيه وليس النهار مما يبصر، ولكن لما كان مفهوماً في كلام العرب معناه خاطبهم بما في لغتهم وكلامهم، ثم إنه تعالى جعل للنهار علامة وهي النور وظهور الشمس النيرة فيه. السعي للمعاش وعن ابن عباس كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، والقمر آية الليل، والشمس آية النهار وذكر صاحب أضواء البيان في إيضاح القرآن وجعل النهار نشوراً، أي ينشرون فيه لمعايشهم ومكاسبهم وأسبابهم ولتبتغوا من فضله بالنهار في السعي للمعاش. وقال الفخر الرازي جعل الله النهار وقت معاش، وأن الخلق إنما يمكنهم التقلب في حوائجهم ومكاسبهم في النهار لا في الليل وعند القرطبي النهار وقت لطلب المعاش، وهو كل ما يعاش به من المطعم والمشرب وغير ذلك. وقال الطاهر بن عاشور في «التحرير والتنوير» لما ذكر الله خلق نظام الليل قوبل بخلق نظام النهار، فالنهار الزمان الذي يكون فيه ضوء الشمس منتشراً على جزء كبير من الكرة الأرضية وفيه عبرة بدقة الصنع وإحكامه، إذ جعل النظامين مختلفين منشؤهما سطوع نور الشمس واحتجابه فوق الأرض، وهما نعمتان للبشر مختلفتان في الأسباب والآثار، فنعمة الليل راجعة إلى الراحة والهدوء، ونعمة النهار راجعة إلى العمل والسعي لأن النهار يعقب الليل فيكون الإنسان قد استجد راحته واستعاد نشاطه ويتمكن من مختلف الأعمال بسبب إبصار الشخوص والطرق. ولما كان معظم العمل في النهار لأجل المعاش أخبر عن النهار بأنه معاش، وقد أشعر ذكر النهار بعد ذكر كل من النوم والليل بملاحظة أن النهار ابتداء وقت اليقظة التي هي ضد النوم وجعلنا النهار معيشة لكم، والإخبار عنه بأنه معيشة مجاز لأن النهار سبب للعمل الذي هو سبب لحصول المعيشة. دلالة على القدرة ومظهر النعمة بالليل والنهار فهما تكوينان عظيمان دالان على عظيم قدرة مكونهما ومنظمهما وجاعلهما متعاقبين، فنيطت بهما أكثر مصالح العالم وأهله، فمن مصالح العالم حصول التعادل بين الضياء والظلمة، والحرارة والبرودة لتكون الأرض لائقة بمصالح من عليها فتنبت الكلأ وتنضج الثمار، ومن مصالح سكان العالم سكون الإنسان والحيوان في الليل لاسترداد النشاط العصبي الذي يعييه عمل الحواس والجسد في النهار، فيعود النشاط إلى المجموع العصبي في الجسد كله وإلى الحواس. وفي النهار انتشار الناس والحيوان وتتبين الأشياء بالضياء، وبذلك تتم المساعي للناس في أعمالهم التي بها انتظام أمر المجتمع من المدن والبوادي، والحضر والسفر، فإن الإنسان مدني بالطبع، وكادح للعمل والاكتساب، فحاجته للضياء ضرورية ولولا الضياء لكانت تصرفات الناس مضطربة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©