الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الركود الأميركي الأوروبي ومعجزة أميركا اللاتينية

الركود الأميركي الأوروبي ومعجزة أميركا اللاتينية
22 أكتوبر 2010 21:24
بينما أمضى الأميركيون والأوروبيون، سكان "البلدان الغنية"، السنوات القليلة الماضية في الاشتكاء والتذمر بشأن مستقبلهم الاقتصادي وإحباطات حكوماتهم، يحدث شيء مذهل بهدوء في منطقة لا تستأثر باهتمام دولي كبير؛ حيث تجد أميركا اللاتينية نفسها اليوم وسط معجزة اقتصادية حقيقية. فالمنطقة التي جلبت مصطلح "جمهورية موز" للقاموس الدولي، كنايةً عن الفشل وعدم الاستقرار، والتي كانت في الماضي مكاناً للاقتصادات غير الناجحة والتضخم المنفلت والأنظمة غير الكفؤة، تحولت اليوم عموما إلى مكان لحكومات تتمتع بحس المسؤولية وتحقق نتائج اقتصادية مبهرة نالت عليها احترام شعوبها. فباستثناء فنزويلا ومقلديها القلائل، تعيش اقتصادات أميركا اللاتينية اليوم طفرة حقيقية. بل إن بعض هذه البلدان -البرازيل على سبيل المثال- لم تستطع الخروج من الركود العالمي بسرعة فحسب، وإنما أخذت تصعد بوتيرة سريعة لدرجة أن التحدي الأكبر بالنسبة لصناع السياسات فيها بات هو إبطاء الاقتصاد خشية "ارتفاع حرارة مفرط". وهكذا، نما اقتصاد البرازيل بمعدل 8.9 في المئة خلال النصف الأول من 2010، بينما تكافح الولايات المتحدة وأوروبا للحيلولة دون الانزلاق إلى الركود مرة أخرى. والواقع أن التحليل الأخير لصندوق النقد الدولي الذي يتوقع ارتفاعَ الناتج الداخلي الخام في 2010 بنسبة 7.5 في المئة في البرازيل، ليس سوى مثال واحد على هذه الظاهرة في المنطقة؛ إذ من المتوقع أن تنمو كل من البرازيل والبيرو والأرجنتين بأكثر من 7.5 في المئة، وهو معدل لن يحلم الزعماء الأميركيون والأوروبيون بتحقيقه حتى في أغرب أحلامهم. ورغم معاناتها زلزالا مدمرا ومكلفا هذا العام، يتوقع أن تنمو تشيلي بنسبة 5 في المئة؛ هذا في حين يتوقع أن تنمو الأوروجواي بنسبة 8.5 في المئة، والبراجواي بـ9 في المئة... خلال عام 2010. أما كولومبيا التي مازالت تخوض حرباً ضد المتمردين اليساريين، فيتوقع أن تنمو بـ4.7 في المئة. غير أن البلد الوحيد الذي مازال في ركود هو فنزويلا التي يتوقع صندوق النقد الدولي أن يواصل اقتصادها الانكماش هذا العام بسبب "الصعوبات الشديدة المتعلقة بالإمدادات، وتحديات فرار رؤوس الأموال، والسياسات الضعيفة بشكل عام". وخلافاً لبقية المنطقة، فإن فنزويلا تعاني من ارتفاع التضخم الذي يناهز 30 في المئة سنوياً؛ هذا في حين تمكنت بقية أميركا اللاتينية من الحفاظ على معدلات تضخم تتكون من رقم واحد. والأكيد أن الفقر مازال يمثل مشكلة ملحة في معظم المنطقة، والرخاء مازال بطيئاً في بلوغ أفقر الفقراء؛ غير أن طبقة وسطى بدأت تظهر تدريجيا في معظم بلدان المنطقة. كما أن الفساد وضعف البنى التحتية التعليمية مازال يمثل مشكلة في المنطقة. والمثير للقلق أيضاً هو كم من النمو يتأتى من بيع المواد الخام لبلدان أخرى، وخاصة الصين، وذلك على اعتبار أن صادرات السلع يمكن أن تنخفض بفعل انخفاضات مفاجئة في السعر أو الطلب. غير أن بعض دول أميركا اللاتينية باتت تبلي بلاء حسنا بخصوص تنويع وإدخار ثرواتها في صناديق خاصة تحسباً للأوقات العصيبة. والواقع أن التباين مع العالم المتقدم قوي. فبعد خروجها الصعب من الركود، مازالت البلدان الغنية تكافح لتجنب التباطأ مجدداً؛ حيث أخبر كبير الاقتصاديين في مؤسسة "جولدمان ساكس" المستثمرين قبيل أيام فقط بأن حال الاقتصاد الأميركي سيكون "سيئاً نوعاً ما" أو "سيئاً جداً" خلال الأشهر الستة المقبلة. كما حذرت منظمة العمل الدولية من أن استمرار ارتفاع البطالة يهدد بإحداث اضطرابات اجتماعية. غير أن أميركا الشمالية وأوروبا، حتى في ظل اقتصادات تعاني العجز، تظل بلداناً أغنى بكثير مقارنة مع أميركا اللاتينية، حيث يعيش المواطن العادي هناك في مستوى أعلى بكثير؛ غير أن الضغوط آخذة في الازدياد والغليان مستمر على جانبي الأطلسي. وقد بدأ القلق الاقتصادي يجعل الأرضية خصبة للسياسيين البارعين في الخطابة ليقدموا أجندات شعبوية توافق هوى الحشود، لكنها قد تكون غبية اقتصاديا واجتماعيا. وعلاوة على ذلك، فإن الأوروبيين والأميركيين يبدون غير واثقين بشأن ما إن كان الحل يكمن في خفض الإنفاق الحكومي أو زيادته. وفي الولايات المتحدة، يبدو النظام السياسي مصمماً للعمل على أفضل نحو في الأوقات الجيدة. أما هذه الأيام، فإن الناخبين باتوا مستائين على نحو متزايد من السياسيين الذين يبدون غير قادرين على العمل معاً من أجل مصلحة البلاد العليا خلال ظرف دقيق في تاريخ البلاد. وبالمقابل، فقد وجدت أميركا اللاتينية، المنطقة التي وجدت فيها الديمقراطية مشاكل جمة في الوصول إلى قلوب الناس، إجماعا قويا مؤيدا للديمقراطية. وفي كثير من بلدان المنطقة، يتمتع الرؤساء بمعدلات تأييد شعبي مرتفعة بفضل النتائج الإيجابية التي حققوها؛ وهناك اتفاق متزايد على أن أفضل مقاربة لمحاربة الفقر بقوة هي اعتماد سياسات صديقة للأسواق ومسؤولة مالياً، إلى جانب برامج خاصة لانتشال الفقراء وبناء الطبقة الوسطى. لكن، هل يفترض أن يجد الأميركيون والأوروبيون الأخبار القادمة من أميركا اللاتينية محزنة؟ قطعاً لا، ذلك أن البلدان الغنية أمضت عقوداً تملي على الفقراء طرق إدارة اقتصاداتهم؛ أما اليوم، فإن نجاح التلاميذ قد يُلهم المعلمين، وربما يلقنهم دروساً. فريدا جيتيس صحفية كولومبية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©