الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

د. عائشة سلطان السويدي: الحرف اليدوية كانت مصدر رزق أهل الفريج

د. عائشة سلطان السويدي: الحرف اليدوية كانت مصدر رزق أهل الفريج
23 يوليو 2013 21:48
في منطقة الضغاية في إمارة دبي كانت تعيش متجاورة مجموعة من البيوت منذ الثلاثينيات أو الأربعينيات، والحياة كانت قاسية والكل يعيش الفقر أو حياة ما فوق الفقر، حيث كان يعمل معظم الرجال في الجلافة، وهي صناعة السفن، وهي مهنة تدر الكثير على صاحب المنجرة، وهناك من كانوا فقراء ممن يعملون في النجارة عند مالك المنجرة أو ما يطلق عليه الجلاف، والبعض في الحدادة.. وفي الغالب هؤلاء ممن دخلوا الدولة قادمين من بلاد فارس، وقد ذابوا في المجتمع وأصبحوا من ضمن مواطني الدولة فيما بعد قبل قيام دولة "الاتحاد". في تلك المنطقة “الضغاية”، ولدت الدكتورة عائشة سلطان علي سيف السويدي، التي أصبحت فيما بعد أول طبيبة أسنان في الدولة، وتشاركنا قصة مكان في قلب هذا الوطن، قائلة: فريج الضغاية أصبح بعد ذلك يسمى فريج “عيال ناصر”، وكان جدي من ناحية الأم علي بن ربيعة “جلافاً” يعمل في صناعة السفن مثل السنبوك، حيث يملك ورشة وتلك الورشة ليست كما نتصور اليوم داخل مكان مغلق، ولكنها كانت مفتوحة تقع في أي مكان على شاطئ البحر، لا يحدها أي سور أو شباك، وجدي علي أسميه أبي لأن والدي توفي وأنا طفلة صغيرة، لم أتمتع يوماً بحنانه أو ألتقي بحضنه، فقد عشت يتيمة ولكن جدي كان كثير الدلال لي، وفي الوقت الذي لا تحصل فيه حتى بنات الأثرياء على ما يحببن، كنت أجد نفسي أتفاخر أمامهن وأمام صديقات الطفولة بالهدايا التي كانت تجلب لي من خارج الدولة، وكان ينصفني حتى لو كنت مخطئة. البحث عن اللؤلؤ وتضيف د. عائشة سلطان: منطقة الضغاية أو عيال ناصر تربط بين أسرها لحمة عجيبة، ورجالها يعتمدون على الحرف اليدوية، مثل نشر الخشب وصناعة الدعون من سعف النخيل، وكل من لا يملك مالا كان يعمل لدى تاجر لؤلؤ أو عند نوخذة يسافر معه للتجارة الخارجية لاستيراد البضائع، أو يعمل عند نوخذة في سفن الغوص للسفر بحثاً عن اللؤلؤ، وهناك بعض الصيادين الذين تخصصوا في رحلات الصيد، ومنهم من يكمل تلك المهنة بصناعة حفظ السمك وبيعه أو إهدائه. وكنا كأطفال صغار كثيراً ما نراقب الرجال من أهلنا وجيراننا، ونشاهد عودة صيادي الأسماك ونرى من يخرج في الشاحوف ذلك الزورق الصغير من أجل جمع الأخشاب من البحر واستخدامها لأغراض كثيرة، ولم يكن الأهل يفرقون بين الفتيات والصبيان عند اللعب، حيث نتشارك الألعاب وحين نعود من عند المطوعة لا نفكر إلا في وقت الانتهاء من فترة الغداء، حيث نحبس للقيلولة ولو لم نكن نرغب في النوم، وبعد صلاة العصر يترك الأطفال والفتيات والصبية للخروج واللعب، ولكن كان الجميع يتفقون وحتى عندما دخلنا المدرسة، على اللقاء عند شاطئ البحر غير البعيد. وتكمل د. عائشة سلطان: أتذكر أن وجود الطبيب كان أمراً شديد الصعوبة، قبل أن يتم فتح مستشفى مكتوم، وكان يطلق عليه مستشفى ماكولي، لأن طبيباً اسمه ماكولي يعمل فيه، حيث يحملني جدي لطبيب في منطقة الراس اسمه عبدالعزيز ويستأجر سيارة جيب لذلك، ورغم هذا الدلال كنت أحب أن أتعلم ولا أعارض أهلي، وكانت أمي تتعمد أن تخرج كي توكل لي طهي الطعام أو شيئاً من الطعام، كي تجعلني أتعلم وأخطئ وتصلح لي أخطائي، وحين يأتي وقت اللعب كان يُسمح لي بالخروج بسهولة، حيث أجد مشهداً جميلاً يتكرر كل يوم ونحن نكبر، وهو اللحاق بالصديقات وبنات الجيران، حيث نذهب لانتظار الهواري، وهي السفن الصغيرة التي تأتي محملة بالسمك، وكنا نحصل على حصة صغيرة نصنع منها وجبة جماعية لنا كلنا كأطفال. عادات رمضانية وعندما كان يأتي رمضان ونحن سكان تلك المنطقة، على حد قول د. عائشة سلطان، نكون ضمن تلك الصورة الجميلة، وهي أن الجميع يفرحون ويتلهفون على الصيام، وبعد الإفطار نسرع في العمل لإنجاز تنظيف المكان، كي يخرج الجميع للصلاة في المسجد، وحتى في العيد كل من في البيت كان يخرج لصلاة العيد، ولا يكون هناك شخص نائم مع دخول يوم العيد، وطبعاً يرافق تلك المظاهر الأخرى، الاستحمام والطهارة وارتداء الملابس الجديدة، والتطيب للرجال ثم الخروج جميعاً إلى المصليات، وتكون هذه فرصة أن يتقابل الناس بعد انتهاء الخطبة ليباركوا لبعضهم، ومن بينهم خصام ما لم يتصالحوا في رمضان، وهذا شيء نادر أن لا يتصالح الناس في رمضان، ليكون العيد فرصة لتجديد العلاقة والمحبة والصلح بين أهل الفريج. أما “النوخذة”، كما تصفه د. عائشة سلطان، فهو ربان السفينة، وقد علمني جدي أن من بين النواخدة للسفن الخشبية، مهنة “التشالة”، وهي القيام بتوصيل الماء العذب، وأيضا الطعام كالتمور والأرز والسكر والدقيق إلى الهيور أو الهيرات، وهي الأماكن التي ترسو بها سفن الغوص للبحث عن اللؤلؤ، حتى من ترك صناعة السفن بعد كساد الغوص، أخذ لنفسه التشالة كمهنة، وكان سبب ذلك يعود إلى أن هذه المهنة كسدت بسبب كساد تجارة اللؤلؤ، حين ذهب الكثير من التجار بكميات اللؤلؤ إلى الهند لبيعه، وهناك وجدوا أن اللؤلؤ الصناعي الياباني قد غزا الأسواق، وبعض من تحسنت أحوالهم بعد ذلك من خلال القحة وهي الغوص في الهيرات القريبة، اكتشفوا أن اللؤلؤ الطبيعي مكانته بقيت كما هي عند من يعرف قيمته، وأن هناك تجاراً يقومون بشراء اللؤلؤ الطبيعي لترصيع الأطقم الذهبية به. سفرات النواخذة وتوضح د. عائشة سلطان: أن الكثير من الجيران المقتدرين ممن يملكون سفناً للتجارة، حين أصبح لدينا مرافئ وموانئ، أصبح السفر أسهل بالنسبة لهم، فكانوا يسافرون إلى أفريقيا وربما يرسون في الصومال ثم إلى الهند وباكستان وإيران والعراق والكويت، ويأتون ببضائع مختلفة كالبهارات والتوابل الأخرى والأرز والسكر والأقمشة، ومن ملبار التي يسميها الناس الإماراتيون قديماً نيبار بمقاطعة كلكوت، كانوا يأتون بالأخشاب التي تبنى منها السفن والبيوت، كما كان يؤتى من مناطق أخرى بالقهوة، ويتم نقل تلك البضائع إلى إمارات أخرى وخاصة الأغذية، ولم تكن تلك السفرات سهله لنواخذة البحر، حيث تهاجمهم العواصف والأمطار، وكثير منهم يواجهون خسائر بسبب انكسار أو تحطم سفنهم، ويلقون ببضائعهم إلى البحر ليخففوا عن السفينة الحمولة حتى لا تغرق بهم. وتضيف: لي أخوال هم إخوة أمي وقد عشت بينهم في بيت جدي، وكانوا مثالاً للعطف والحنان عليّ، وقد كانوا مثقفين رغم أنهم لم يدخلوا مدارس، إلا أنهم قد سافروا للكويت، وتعلموا القراءة والكتابة وعملوا في وظائف جيدة، ولذلك كانوا يأتون لي بهدايا لا توجد في المنطقة، ولذلك كنت أفرح عندما أذهب للمطوعة وتبدي رفيقاتي إعجابا بأثوابي، ومطوعتنا في فريج الضغاية كانت عوشة قوم بن سلوم، وعندما كنا ننتقل في الصيف لمنطقة البراحة كانت المطوعة فاطمة قوم بن سيفان، ومنطقة البراحة اليوم يطلق عليها “بوهيل”، وقد أصبحت منطقة تجارية، فيما كانت في الماضي ساحة رملية بيضاء، والعلاقة بين الجيران من شدة قوتها، والمحبة والتعاطف بين الجميع، حين كنا ننتقل للمقيض، وهو فترة قضاء الصيف في البراحة، كان الكل ينتقلون وحين كنا نخرج في رحلة لمكان بعيد مثل إمارة رأس الخيمة أو غيرها، كان يخرج ما يزيد على 35 شخصاً من كبار وصغار لتلك الرحلة، حيث يقوم الأهل باستئجار سيارة جيب تنقلنا مع كافة ما نحتاج. رمضان بنكهة خاصة وأول مدرسة عرفناها، حسبما تذكر د. عائشة سلطان، كانت الخنساء وهي لجيل ما قبل الخمسينيات، ولكن كنا من الجيل الأصغر ومكانها اليوم عند مركز نايف لشرطة دبي، ولا زلت أذكر جيدا أني كنت في الخامس الابتدائي في تلك المرحلة، وبدأت في الذهاب مع جدتي لصلاة التراويح في المسجد، وكل يوم كان الأهل يطبخون “الهريس”، وعندما كنا نعود من المدرسة كان خالي صالح بن سالم الشامسي يذاكر لي دروسي، ولرمضان في تلك المرحلة نكهة خاصة، حيث نتلاقى في الفريج مع بنات وأبناء الأهل بالرميثة وقوم الجلاف وقوم بن كريشان وقوم بن علي بن خلفان، والأخير كان نجار كبير الشأن، وقد تنقلت خلال سنوات الدراسة لعدة مدارس ومنها مدرسة “آمنة بنت وهب”، ثم حصلت على الثانوية العامة من مدرسة الاتحاد 1975 - 1976، وفي كل عام بالطبع كنا نتذوق حلاوة الجيرة والعشرة الطيبة، وتزداد المحبة في رمضان بل وتتجدد. وتضيف: كان الأهل قد اتفقوا معي على أن أكمل تعليمي الجامعي، ولم يكن أمراً غريباً، حيث سبقتني طالبات كثيرات للدراسة في دولة الكويت أو في القاهرة، وقد سافرت للقاهرة عام 1976 ولي هدف أن أكون طبيبة، كبر معي منذ طفولتي، وكانت معي 13 طالبة من رفيقات الطفولة على الطائرة ذاتها، وبعد خمس سنوات تخرجت كأول طبيبة أسنان من الإمارات، ومن أجمل ذكرياتي زيارة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، الذي عودنا أن يزورنا للاطمئنان على أحوالنا، وكان يحثنا على العلم، ويكفي أنه من صنع للمرأة شأناً كبيراً، عرفت به كل دول العالم، والحمدلله عندما عدت للوطن تم تعييني في عيادة الأسنان بمستشفى الكويتي، والسر في العمل هناك، أني كنت أذهب للعيادة في كل إجازة أزور فيها الدولة، وأعمل كمتطوعة وكنت أشعر كأني بين أسرتي. فضل هذا الرجل وتوضح د. عائشة سلطان قائلة: لن أنسى فضل رجل من رجال هذا الوطن، وكان له الكثير من التأثير الإيجابي على نفسيتي وشحذ همتي، وهو محمد الحداد الذي كان مدير المستشفى، وهو ممن لم يدرسوا في أي جامعة، ولكنه كان يفوق حامل أي شهادة جامعية من حيث الولاء والإخلاص، وقد تعب على نفسه وتدرب في الكويت من الدورات ودراسة الدبلوم، وكان كثير الحب لموظفي المستشفى ولا يفرق بينهم، ويحثهم على الصبر والعمل بجدية، وحين عملت كنت الوحيدة المواطنة بين فريق العمل، إلا أني وجدت كل الترحيب وكل التعاون، خاصة الممرض القديم عم عبدالله صالح، ولم أجد صعوبة في كسب ثقة المرضى، وخاصة الأمهات اللاتي كن يطلبنني بالاسم. وبعد ثلاث سنوات من الوظيفة، تزوجت وسافرت برفقة زوجي الذي كان يدرس في بريطانيا، وهناك قدمت على دراسة للحصول على الماجستير، فكنت زوجة وربة منزل لدرجة أن جميع من نعرفهم ممن يدرسون هناك، كانوا يأتون في رمضان لمنزلي لتناول الإفطار، حيث أصنع لهم كل الأكلات الشعبية من هريس وثريد وعيش ولحم. الإفطار مع الأم كنت أخرج للدراسة عند التاسعة صباحاً وأعود الساعة الخامسة عصراً، ولكن ذلك لم يمنعن من أن أنجب وأن أجمع كل من عرفهم زوجي قبل أن ألتحق بالدراسة، حتى أن كثيراً من المغتربين المسلمين من جنسيات مختلفة كانوا يأتون لي، وما زلنا نتواصل مع الكثير منهم حتى اليوم، بل إن أجمل ما سعينا له، أننا عن طريق المنطقة التعليمية حصلنا على نسخة من عناوين زميلات الدراسة وتواصلنا مع بعضنا، كي نشكل أسرة لا تزال حتى اليوم تتشارك في الحفلات وزيارات الواجب عند المرض أو الحاجة، وبالنسبة لأسرتي فأني من بعد وفاة أم زوجي التي كنت أعيش في حضنها، أصبح لدي وقت لأكون مع إخوتي وأسرتي، فأصبح لنا جدول خاص في رمضان، حيث نجتمع لنتناول الإفطار مع أمي في بيتها مهما كانت الظروف، وهذا النظام مستمر منذ 18 عاما، رغم أننا نسكن في منطقة “محيصنة” وأمي في مردف، ونتمنى أن تحذو فتيات الأسر من العائلة حذونا، فلا شيء يعادل البر خاصة في هذا الشهر المبارك.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©