الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلنحتسب إلى الحرية

فلنحتسب إلى الحرية
19 يوليو 2012
التأم عقد المثقفين والكتّاب المصريين، على مدى ثلاثة أيام، لكي يتدارسوا القضايا التي تشغلهم أو ما يسمونه تهديدات لحريات الفكر والإبداع، تحت أشكال مختلفة في هذه المرحلة. وفي المؤتمر الذي حمل عنوان “حقوق وحريات الفكر والإبداع ـ تحديات الثورة والمستقبل” الذي أقامته اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق وحريات الفكر والإبداع، بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة، برزت مخاوف حقيقية حول واقع الثقافة والفنون بشكل عام، خصوصا وإن هناك من رأى في أن التحديات التي تهدد الفكر والإبداع ليست وليدة اللحظة، وإنما هي تقوم على نهج رافق الفكر العربي والإسلامي منذ القرن الثاني عشر. استمع المؤتمرون إلى استعراض تاريخي لمسألة الحسبة في الإسلام، أصولها الفكرية وممارساتها الفعلية، سواء على صعيد المفاهيم والإجراءات. وفي البيان الختامي الذي صدر في ختام المؤتمر كان هناك تشديد على رفض أي شكل من أشكال الوصايا أو الرقابة على الفكر أو الإبداع سواء كان تحت ستار الدين أو بسياط أجهزة الدولة المختلفة. نكوص الفكر وقد افتتح المؤتمر بكلمة للأمين الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الدكتور سعيد توفيق الذي قال بأن مصر تمر بأسوأ فترة يمكن أن تمر بها الثورة، وهذه الفترة سُميت بلحظة الارتداد، وقال “الثورة التي قامت من أجل الحرية تريد الآن أن تدافع عن حرياتها، وفي هذا بلا شك مفارقة تستدعى التأمل، فإن ما يحزنني كما يحزن الجميع أننا نجد أنفسنا كمصريين مضطرين للدفاع عن ما هو بديهي بالنسبة لكل أمة تعلم جموع الإبداع في الفكر والفن والأدب، إذا كان تاريخ هذه الأمة حافل بصُنع أفضل إبداعات البشرية، ولاشك أن هذه اللحظة ليست مجرد لحظة ارتداد، ولكنها لحظة تجعلنا نشعر أننا خارج سياق التاريخ، أي خارج سياق حركة التاريخ الإنساني في تطوره، فنحن منذ قرون من الزمان نعيش في مرحلة نكوص حضاري، بلغت ذروته الآن، بدأ هذا النكوص مع موت بن رشد أو مع إحراق كتب بن رشد، كان ذلك عند نهاية القرن الثاني العشر الميلادي، فمنذ نهاية القرن الـ12 وحتى القرن الـ 14 كانت هذه الفترة هي بداية ضمور الحضارة العربية الإسلامية، موت ابن رشد عنى موت التأمل والفكر، وموت ابن عربى هوت موت الفكر أو الروح الصوفية، وموت ابن خلدون، هو موت العلم الإنساني منذ زمن العلوم الاجتماعية”. وأضاف توفيق: إننا ندافع الآن عن قضية حرية الفكر والإبداع التي فرغت منها البشرية بالعالم الديمقراطي المتقدم، ذلك العالم الذي عانى بعد تاريخ طويل من الصراع والقمع والاستبداد، بأنه لا معنى لأمة ولا هوية لها بدون الفكر والإبداع في الفن والأدب، فالعلم قد يصنع تقدماً، ولكنه يصنع الهوية والثقافة، لا معنى للإبداع ذاته بدون حرية، الحرية هي نسيج الإبداع، بل إن بعضا من الأمم آمنت بأنه لا معنى للوجود الإنساني نفسه من دون حرية، وفى ذلك كان مذهب سارت وغيره، فالوجود البشرى هو الوجود الوحيد الذى يسبق وجوده ماهيته، أي إنه يصنع هويته وتاريخه من خلال تجربته وفعله فى الوجود، ومع إن اللحظة حالكة تبعث أحيانا الحزن والكآبة، إلا أن ما يسعد الإنسان هو وجود رموز من الفكر والإبداع والثقافة الفاعلة على أرض الواقع يشاركون معنا في التنوير وفى ُصنع الثورة، ليس أمام المثقفين الآن سبيل سوى المقاومة والدفاع عن كينونته، فهذا المؤتمر ليس للمجلس الأعلى للثقافة، وإنما مؤتمر المثقفين، والمجلس يشارك ويحتضن هذا المؤتمر، فهو بداية للطريق الصحيح من خلال الفكر والممارسة. أصوات جرداء وأوضح الشاعر سيد حجاب منسق اللجنة الوطنية، إن هذا المؤتمر دعت إليه وتقيمه اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق وحريات الإبداع، وهى هيئة أهلية مستقلة تداعى إليها بعض المثقفين والمبدعين، واستضافت فعالياتها وزارة الثقافة التي لم تتدخل بأي شكل من أشكال الوصاية أو الإشراف أو الرقابة على أعمال هذه اللجنة أو هذا المؤتمر، مشيرا إلى أنه فى الآونة الأخيرة ارتفعت بعض الأصوات الدميمة، ساعية لفرض سلطانها على الضمائر الحرة، داعية إلى التضييق على الحريات العامة والخاصة، منادية بإقامة محاكم تفتيش مكارثية، تحاصر المثقفين والمبدعين وتخلق حريات الفكر والإبداع. وأضاف حجاب بأنه من المؤسف إن هذه الأصوات الكريهة النكراء تزعم أنها تتحدث باسم الدين والدين منها براء، ومن المحزن أن هذه الأصوات الناقمة الجرداء تصدر عن أبناء مصر، مصر هي كما قال هيرودوت هبة النيل، ولكنها هبة المصريين المبدعين القدامى، اكتنزوا في زمانهم معرفة وعلوم، فتفجرت طاقة الخلق والإبداع عندهم، وابتكروا حضارة إنسانية راسخة شامخة، كان رمز المعرفة فيها امحوتب، وكان رمز الحكمة تحوتي، وكان رمز الصدق والفضيلة فيها ماحت، وكانت الحضارة نبراساً لكل ما تلاها من حضارات إنسانية، فمن المخجل أن ترتفع هذه الأصوات الجوفاء بعد ثورة 25 يناير وهى باكورة ثورات الشعوب فى عصر المعلوماتية، استخدم شبابها أرقى أدوات العصر في الدعوة إليها، وحين توحد حولهم شعب مصر العظيم فى مواجهة الاستبداد والفساد والجهل والتخلف تفجرت طاقات الخلق والإبداع واندفعنا لتحقيق حلمنا “عيش، حرية، كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية”. ورأى حجاب أن من المثير للقلق أن ترتفع هذه الأصوات الضالة، ونحن في طريقنا لكتابة دستور جديد يؤسس لمصر المستقبل، فالمعركة الكبرى والأساسية لثورة 25 يناير هي معركة الدستور، إما أن ُيكتب دستور يكرس لمبادئ الحرية والإخاء والمساواة، وُتبنى على أساسه الدولة المدنية التى تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، فتكون الثورة قد توصلت إلى نهايتها وأسست لدولتها، وإما أن يكتب دستور يكرس لاستبداد عسكري أو لاستبداد ديني أو يبتكر صيغه تؤسس لاستبدادهما معا على الطريقة التركية أو الباكستانية، بما يعني أن الثورة لا قدر الله قد تأجلت إلى أجل غير مسمى أو إن ثورة الجياع قادمة لا محالة. وقال: كان المجلس النيابي المنحل الذي خلا من تمثيل مناسب للمرأة والشباب والأقباط قد شكل لجنة تأسيسية لكتابة الدستور وجاءت هذه اللجنة على شاكلته لا تشبه مصر ولا المصريين، وحين أعيد تشكيلها على نفس النهج الذي قُضى ببطلانه، كان من بين أعضائها بعض هذه الأصوات التى تريد أن تجرنا، وتجر مصر منقسمة على نفسها إلى الوراء، من أجل ذلك أقيم هذا المؤتمر لحشد كل الطاقة المبدعة من المثقفين والمبدعين والشعب كله في مواجهة هذه الهجمة الظلامية الظالمية. مفهوم الحسبة وتناول الكاتب حلمي النمنم في بحثه “قضايا الحسبة متى ولماذا” قضايا الحسبة في مصر وقال: “مفهوم الحسبة نفسه فيه اختلاف علمي حوله هل هو له أساس دين أم الدولة الإسلامية أخذته عن الدولة البيزنطية وخصوا في البلاد المفتوحة تحديدا الشام، مصر في خلاف تاريخي لم يحسم حتى اليوم كثير من المستشرقين وعدد كبير من الباحثين المصريين والعرب يرون انه كان موجودا في الشام ومصر وكان معروفا في الدولة البيزنطية باسم “صاحب السوق”. وأضاف بأن هناك وجه نظر أخرى تقول انه نظام إسلامي صرف مأخوذ في الأصل عن الآيات القرآنية أن جماعة المؤمنين يكون فيها فئة يدعون إلي الخير وينهون عن المنكر، والثابت تاريخيا أن الحسبة لم تعرف إلا في منتصف العصر الأموي، وهناك بعض شواهد في حياة الرسول وعهد سيدنا عمر بن الخطاب، لكن في كل الأحوال سواء كان من أصل إسلامي أو من أصل بيزنطي، فلا يوجد خلاف أن نظام الحسبة مثل وزارة التموين الآن كان المحتسب عليه أن يراقب الأسواق من حيث شيئين اثنين وهما جودة البضاعة المعروضة والالتزام بالسعر المباع به وألا يكون مبالغ فيه. في مصر غير واضح في الدراسات التاريخية متى عرفت الحسبة، البعض يقول إنها دخلت في عصر الدولة الطولونية، ولكن الحسبة كنظام عرف في مصر كان في عهد صلاح الدين الأيوبي، لأنه حينما تولى الحكم في مصر أسقط الدولة الفاطمية، وكانت دولة تقوم علي النظام الشيعي وأراد أن تعود مصر إلي المذهب السني، وكانت هناك مشكلة أن الدعاة الشيعة أو “الخلايا النائمة الشيعية” موجودة بين الباعة والتجار، وبالتالي اهتم صلاح الدين الأيوبي بهذه المسألة وجاء طلب من عدد من الفقهاء أن يضعوا كتب في الحسبة وهي موجودة إلي الآن. وأضاف النمنم بأن الحسبة بعد صلاح الدين الأيوبي في زمن الدولة المملوكية لم تتحول الى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم تتخل عن الأسس المعمول بها لمراقبة الأسواق فكل الكتب الموجودة تقول أن الحسبة هي متعلقة بشؤون الأسواق والشأن المالي، لكن المحتسب تحول في الدولة المملوكية إلى مركز قوة في الدولة، كما تدل عليه شخصية الزيني بركات التي خلدها الروائي الكبير جمال الغيطاني في روايته “الزيني بركات”، وهو كان المحتسب في العصر المملوكي، إذن تحول المحتسب إلى ركن من أركان الدولة وركن من أركان الظلم والاستبداد. وقال النمنم: “إن المحتسب في عصر الدولة العثمانية أخذ شكلا آخر، الدولة العثمانية كانت في مصر مثل دولة السادات ومبارك بمعنى أنها دولة تريد أن تستقيل من هذا الشعب ومن دورها فتلقيه على آخر، فكانت الضرائب والالتزامات يدفعها المحتسب في البداية للدولة ثم يقوم المحتسب بجمعها بعد ذلك بأضعاف مضاعفة، وظل هذا الوضع طوال الدولة العثمانية، وفي عصر محمد علي كان يريد أن يبني دولة مركزية ومعناه أن كل دخل الدولة لابد وأن يصب في خزانة الدولة، وبالتالي منع الالتزام عن المحتسبين وحولهم إلى موظفين في الديوان، فأصبح المحتسب لأول مرة له مرتب ووظيفة، وأصبح لا يستطيع فرض الضرائب أو الزيادة فيها”. بعيدا عن الثقافة وأكد النمنم بأنه وفي كل حقب التاريخ لم تكن الحسبة لها علاقة بالشعراء أو بالكتاب لا من قريب أو من بعيد سواء في مصر أو غيرها، حتى في الدولة العباسية عندما انتشرت الثقافات المناوئة للدولة وظهرت مجموعة الزنادقة تأسست في الدولة العباسية ما يعرف باسم ديوان الزنادقة تعامل مع هذه الظاهرة وكان يرفع تقاريره إلي الخليفة مباشرة، ولم يكن للمحتسب علاقة بهذا الموضوع من قريب أو من بعيد. وقال: “إن في مصر في القرن التاسع عشر اختفت الحسبة، وبحسب ما جاء في حديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي ظهرت في المجتمع المصري فئة جديدة اسمها الصحفيين وحاول تعريفهم فقال إنهم مثل المحتسبين اي تحول الى نوع من أنواع الفولكلور، وفي القرن العشرين فوجئنا بشيء غريب في الدولة المصرية، وهو أن الحسبة تعود ثانية ولكن ليس الى مجالها الذي عرفه الفقه الإسلامي، ولكن إلى مجال الكتاب والشعراء والمبدعين، وبدأت بشكل بسيط مع تأسيس الجامعة المصرية، وذكر أنه في سنة 1910 قررت الجامعة المصرية أن تنشئ كلية للآداب ولابد من تدريس التاريخ الإسلامي وكان أفضل شخص هو جورج زيدان فأرسلوا له خطابات لإبلاغه بتدريس مادة التاريخ الإسلامي، وطلبوا نصوص المحاضرات فأرسل ما يعرف اليوم بكتاب مصر العثمانية، وفجأة ولأحقاد خاصة ظهرت في بعض الصحف مقالات ترفض أن يقوم جورج زيدان بتدريس التاريخ الإسلامي، وأخيرا أرسلت إدارة الجامعة مبعوثا لزيدان ليعتذر، وظلت المحاضرات موجدة في قاعة المخطوطات بجامعة القاهرة الي أن نشرها د. محمد حرب سنة 1994، وجورج زيدان هذا رجل مصري من التراث الرفيع”. وأضاف النمنم بأن الجامعة المصرية هي المكان الذي يظهر فيه ضعف الدولة مثل قضية د. طه حسين، ود. خلف الله وغيرهما، وفي سنة 1917 ظهر قاضي شرعي ليقول بأن سيدنا آدم أبو البشر ولكنه ليس نبي، فرفعت عليه قضية تفريق، وحكمت محكمة أول درجة بالتفريق، وتدخلت وزارة العدل لتوقف هذا النوع من القضايا، وحددت الإجراءات بأن من يرغب في رفع قضايا من هذا النوع يذهب لوزارة العدل ويقدم شكوى أو طلب والوزارة تنظر. ثم ذكر قضية الشيخ عبد الحميد بخيت في عام 1955 والذي أفتى بجواز الفطر في رمضان في الحر إذا كان يعطل الناس عن العمل والإنتاج، وفي هذه الحالة إذا أفطر ليس مطالبا بأن يقضي أو يدفع كفارة، فقامت الدنيا ولم تقعد وحولته جامعة الأزهر الى التحقيق وفصل، ولكن وقف بجواره مجموعة كبيرة من الكتاب والصحفيين منهم فكري أباظة، وصالح جودت، وسعيد النجار، وأحمد رجب، وكامل الشناوي، وطه حسين، الذي كان يقضي الصيف في أوروبا ووصله ما حدث فأرسل إلى جريدة “الجمهورية” مقالين عنوانهما “حق الخطأ”، وأتمنى أن تطبع وزارة التربية والتعليم هذين المقالين في كتب المطالعة لكي يدرس هذا المفكر العظيم الذي يقول أن هذا الرجل أخطأ في رأيه، ولكن ليس من حق الأزهر أو أي أحد أن يحاسبه لأن الخطأ حق إنساني، وقد أعاده مجلس الدولة إلى عمله. وكشف النمنم أنه في فترة الرئيس عبد الناصر لم تكن هناك قضايا حسبة بسبب أن الدولة كانت قابضة بيد من حديد على كل شيء حتى أن مشكلة رواية “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ حلت بأن أمر عبد الناصر بألا يتكلم أحد في موضوع الرواية، وأن يطبعها محفوظ خارج مصر، ثم قضية أخرى مع إحسان عبد القدوس وطرفها الثاني مجلس الأمة وكان ينشر روايات في الصيف في روز اليوسف، فقدموا بلاغا في البداية لنيابة الآداب ثم رفعوا قضية على إحسان عبد القدوس وذلك في عام 1965 ووصل الأمر للرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي أمر بإغلاق ملف القضية فورا. أما في سنوات السبعينيات والثمانينات والتسعينات فحدث ولا حرج مثل قضايا د. نصر حامد أبو زيد، ود.عبد الصبور شاهين وفرج فوده وغيرها من القضايا. واشار إلى أنه كلما ضعفت الدولة كانت تزيد قضايا الحسبة في مصر، لأن التيارات السلفية موجودة وستظل موجودة، ومهمتنا العمل على ترشيد ووجود حلول رادعة لأي شخص يريد أن يستغل الحسبة بهذا الشكل، وعندما حدثت قضية نصر حامد أبو زيد وأصدرت الدولة قانون يقول إن الحسبة في قضايا الأحوال الشخصية فقط، وذلك عن طريق بلاغ للنائب العام وهو من يقوم بتحريك القضية، أهمية هذا القانون أن الدولة ليست راضية عن هذا النموذج فتوقفت قضايا الحسبة، وفي عصر مبارك بدء من عام 2004 بدأت قضايا الحسبة تتراجع وتختفي، مثل رفع قضية لسحب جائزة الدولة من سيد القمني، أو من حسن حنفي، وقد ظهر نوعان آخران من الحسبة وهما الحسبة السياسية والحسبة المدنية، الحسبة المدنية بمعنى أن قطارا يسقط فيرفع شخص قضية على وزير النقل، ثم ظهرت الحسبة السياسية وهي التي نشعر أنها مبيتة مثل قضايا إسقاط الجنسية مثلما حدث مع د. محمد البرادعي أو د. نوال السعداوي، فبعدما نشرت إحدى الجرائد خبرا أن نوال السعداوي تنتوي عرض مسرحية اسمها “الإله يقدم استقالته”، وهذه المسرحية لم تطبع ولم تنشر، وبناء جاء من يدعو إلى إسقاط الجنسية عنها ومنعها من دخول مصر. كما تطورت القضايا حتى وصلت إلى مبارك نفسه مثل قضية التلوث في حلوان. وبعد ثورة يناير. وهي ثورة قامت من أجل الحرية وكان شعارها في ميدان التحرير سلمية، وكان هناك شعار آخر الكل مُصر على إخفائه وهو “مدنية.. مدنية..” والكل ينكر هذا الشعار، نجد أنه بعد هذه الثورة ظهرت مع الآسف الشديد قضايا يمكن تسميتها الحسبة العقائدية التي هي مخالفة في الفقه الإسلامي مثل قضية عادل إمام وقضية ازدراء الأديان. وختم النمنم بالتحذيز من أن الحسبة قادمة، ولابد من وجود رأي عام مستنير، ولابد أن يكون للمثقفين موقف واضح، ومن المهم أيضا التركيز على الشقين التشريعي والقانوني لأنه لابد أن نضع تعريفا يمنع مثل هذا العبث. صيانة الحريات وتلى الكاتب والناشط أحمد بهاء الدين شعبان بيان للجنة الوطنية للدفاع عن حقوق حريات الفكر والإبداع من أجل موقف وطني موحد لحماية الهوية الثقافية المصرية وموجه للأمة المصرية بكل أطيافها على الحقائق والمبادئ والمطالب الآتية: “إنه لمن مفارقات التاريخ التعسة والبائسة أن تصنع أمة ثورة بعظمة ثورة 25 يناير، ثورة أذهلت العالم أجمع، وأدهشت العدو قبل الصديق من أجل الحرية والكرامة الإنسانية، ثورة رواها أبناء هذا الوطن بدمائهم وافتدوها بأرواحهم الطاهرة النقية، ثم لا يلبث صانعوها أن يجدوا من يخرجون عليهم، ولم تمض سوى اشهر معدودة ليصادروا حرياتهم وحريات هذا الوطن، وينتهكوا كرامتهم وكرامة هذا الوطن باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم المنكر نفسه في أبشع وأنكر صوره، وأن ما يشهده المجتمع المصري في هذه اللحظة الخطرة بمدنية الدولة والمجتمع والحقوق والحريات العامة والخاصة للمواطنين، لهو جرس انذار علي ما يتهدد الهوية الثقافية المصرية من مخاطر وتحديات يمكن أن تودي بتلاحم النسيج الوطني المصري، نرى ذلك في شكل برامج إعلامية تهدد فيها بعض رموز هذه الجماعات الظلامية جموع المثقفين والمبدعين والكتاب والفنانين، تهديدات صريحة مثلما حدث مؤخرا مع الفنان عادل امام والكاتبة نوال السعداوي، ومطاردة بعض الفنانات، وضربهم، والتعدي على الأنشطة الفنية والإبداعية في الجامعات، وكل هذا باسم الدين، وشرع الله، والله بريء مما يفعلون. إن الحرية الإنسانية حق تكفله الشرائع، والمواثيق الدولية، والدساتير المصرية على اختلافها، ذلك أن الحرية الإنسانية هي الضمانة الحقيقية لازدهار ونماء القيم الإنسانية، الدينية والدنيوية علي حد سواء”. وأكد شعبان أن اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق وحريات الفكر والابداع ترفض أي شكل من أشكال الوصايا أو الرقابة على الفكر أو الإبداع سواء كان تحت ستار الدين أو بسياط أجهزة الدولة المختلفة، وهو ما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الانسان، وفي هذا السياق، يحذر المثقفون المصريون من أي محاولة لقمع الإبداع، أو الافتئات على حقوق المبدعين والمفكرين والأكاديميين، فإذا لم تتم مقاومتها ومنعها والتصدي لها، إنما ستكون مقدمة منذرة لعهود من الاستبداد، وقهر الحريات السياسية والمدنية للمصريين جميعا، ويرفض المثقفون رفضا قاطعا أي محاولة لاستخدام فزاعة “قانون الحسبة”، كما يشدد المثقفون على ضرورة تمثيلهم تمثيلا لائقا في الجمعية التأسيسية المنوط بها صياغة الدستور، ومن ثم يطالب المثقفون والمبدعون المصريون بضرورة إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية علي أسس تراعي تمثيل كافة أطياف المجتمع المصري دون أي اعتبارات للانتماءات الحزبية ونتائج صناديق الانتخاب المتغيرة بين لحظة وأخرى. و أشار شعبان إلى أن المثقفين المصريين الذين بذلوا، على مدار قرنين متواصلين من الزمان تضحيات لا حدود لها، منذ الرائد رفاعة رافع الطهطاوي، على أتم استعداد لدفع أغلى الأثمان من أجل استكمال مسيرة أمتهم الحضارية والثقافية، وتطالب اللجنة الوطنية كل مثقفي مصر وكل المؤمنين بمدنية الدولة، وبتنوع مصر الثقافي والحضاري أن يوحدوا صفوفهم كخط دفاع أول عن حاضر ومستقبل هذا الوطن. وأضاف بأنه قد ارتفعت في الآونة الأخيرة صيحات تطالب ـ لأسباب متعددة ـ بخصخصة وزارة الثقافة، وإهدار دورها التاريخي. وعلى الرغم من أية انتقادات يمكن أن توجه الى وزارة الثقافة وأدائها، إلا أن تطوير أوضاع هذه الوزارة، ومعالجة أسباب القصور في عملها ، وتحسين أدائها، و”دمقرطة” مؤسساتها، وتحويلها إلى أداة فعالة لخدمة الشعب كأساس لأية عملية تنموية شاملة يظل هو الحل الأمثل وليس تفكيك هذه الوزارة أو خصخصتها التي لن تفضي إلا لخدمة جماعات من المنتفعين، وحجب الخدمات الثقافية عن مستحقيها، وأخيرا علينا كمثقفين ومبدعين ألا نتراخى ونصطف جميعا من أجل حاضر ومستقبل هذا الوطن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©