الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الجلسة الثالثة: «إهمال» عربي للساحة الأفريقية وصورة مغلوطة سائدة تحجب المؤشرات الإيجابية بالقارة السمراء

الجلسة الثالثة: «إهمال» عربي للساحة الأفريقية وصورة مغلوطة سائدة تحجب المؤشرات الإيجابية بالقارة السمراء
21 أكتوبر 2010 23:58
خلص مشاركون في منتدى “الاتحاد” إلى أن هناك “إهمالا” عربيا تجاه أفريقيا مقابل “التخوف” من السياسات الإيرانية و”الإعجاب” بالسياسة التركية، في قراءتهم لواقع العلاقات العربية مع الجوار. وطالب المشاركون بانفتاح عربي أكبر على الدول الأفريقية في ظل تسارع الدول العالمية الكبرى لترسيخ أقدامها في القارة السمراء، والذي يتجسد سياسيا واقتصاديا بل وحتى اجتماعيا وثقافيا كما في النموذج الفرنسي الأفريقي. وحذر المشاركون في الجلسة الثالثة من فعاليات منتدى “الاتحاد” الخامس التي عقدت تحت عنوان “مستقبل التعاون العربي- الأفريقي”، من أن ثمة صورة مغلوطة سائدة عربيا عن أفريقيا التي تنحصر في كونها قارة الأوبئة والحروب والفقر والتخلف، والواقع أن هذه الصورة زائفة ،لا تصمد أمام التحليل والتمحيص. وتساءل حلمي شعراوي في الورقة الرئيسية بالجلسة التي أدارها محمد الحمادي، إذا كان لكل إقليم مقبل على الحوار مع الخارج محور أو محوران للقوة ليعرض شراكته من موقع القوة، فهل يتوفر ذلك للمجموعة العربية؟ ويقول شعراوي إنه لا ينقصنا هنا سرد للواقع الأفريقي، والآسيوي ، قبل الإشارة التقليدية للنموذج الأوروبي، لافتا إلى أنه في أفريقيا يقف مثال نيجيريا وجنوب أفريقيا وإثيوبيا، بل والكونغو أمثلة على محاور القوة هذه التي تشكل حاملًا لمشروعات الاختراقات أو حتى التعويقات المطروحة على الوجود المشترك هنا وهناك. وأضاف لقد كان هناك في فترة ما خمس دول أفريقية، بينها مصر والجزائر، ذات بأس بين حوالي 35 دولة في نظام الوحدة الأفريقية، ليجعلوا أوروبا تلهث من حولهم لتشكيل “ قوة جوار” من اتفاقية “لومي” إلى “الكاريبي”، إلى القمم الأفريقية الأوروبية مؤخراً، وذلك بسبب قوة المحاور الحاكمة، وإن تعددت داخلها الأغراض والمنافسات، فكيف بالموقف الآن والاختراقات الجانبية هي التي تحكم أولاً على من يلتقي من دول الصحراء الكبرى لمواجهة ما يسمى بالإرهاب، ومن يهاجم في القرن الأفريقي إلى حد التفتت. خطر التعدد وقال شعراوي هناك الآن السؤال الأخطر، وهو أن مشروع”رابطة “ دول الجوار العربي يبدو كما لو أننا أمام “كتلة عربية “ تحدد معالم جوارها، وتبحث خطوات التعامل معه! والآن علينا أن نتسامح مع نقطة الانطلاق هذه مادام المتحدث ممثلاً “للجماعة العربية “ الموقعة على ميثاق عربي واحد. لكن هل نحن أمام سؤال واحد بحق تجاه تعدد الكتل في الواقع العربي، والتي ستتحدد معها الأسئلة و”الجوارات” بدون عنصر مشترك تقريباً بين أي من هذه الكتل. وقال هل منطقة المغرب العربية ستتعامل مع الجوار الأفريقي بمنطق مشترك؟ وهل تتعامل منطقة حوض النيل العربية مع جوارها الأفريقي المتنوع بمنطق واحد؟ وهل جنوب الجزيرة العربية يتعامل مع القرن الأفريقي بمنطق مشترك؟. وأضاف الشعراوي “إذن فالخطاب الداخلي على المستوى العربي، يكاد يكون الأجدر بالمناقشة أولاً حتى لو اتفقنا بشأن نمط معين لتنويعات الخطاب، أو مرونة الخطاب، وإن هزت جموده بعض التجارب الوطنية الحديثة التي سبقت الإشارة إليها”. الحالة العربية ويعتقد حلمي شعراوي أن الطرف الأفريقي نفسه أكثر تسامحاً أو قابلية للتعاون من أطراف عربية في المنطقة التي نتحدث عنها، وينطبق ذلك مثلاً على بلدان مثل السنغال أوحتى إثيوبيا أو إريتريا. ومعنى ذلك أن إصلاح البيت الداخلي يبدو أكثر إلحاحاً في مهام الجامعة العربية، بدلاً من أن يؤدي المشروع إلى مزيد من الانقسامات العربية، وهو ما تلمح إليه مثلاً حالات المشرق تجاه إيران أو تركيا على سبيل المثال. ويشير شعراوي إلى أنه إذا كانت بنية دول المغرب العربي قد قبلت منذ مدة الكيان المنقسم على الذات، ومن ثم تقبل بالمشاكل المزمنة والطارئة على السواء على نحو ما رأينا، فإن دول حوض النيل، وفي القلب منها مصر والسودان ، قامت على مركزية قوة مصر التي كانت قائمة في أكثر من عصر وقامت عليها مركزية المصالح التي تبدو مشتركة بالتأكيد، وهي ذلك النهر العظيم : نهر النيل. ويستنتج شعراوي أنه قد تكون مركزية المصالح نتجت تلقائياً بالطبع، لكن المركز المحوري لمصر كان عنصراً مهماً بقدر ما حرصت عليه القاهرة في فترات سابقة، وحقق ذلك قدراً دائماً من توافق المصالح مع النظم المختلفة. هذا ما يوحي به التاريخ القريب للسودان حتى حكومة الإنقاذ (1989)، وتوحي به العلاقات التي أسستها سياسة دعم حركات التحرير الأفريقية في الكونغو وكينيا وأوغندا وإريتريا. وعلاقات التحرر الوطني مع تنزانيا، وحتى رواندا وبوروندي لفترات طويلة. خطر الاختزال ويقول شعراوي ليس من المتصور اختزال مصالح مصر أو المصالح العربية في قضية المياه أو ضمان تنفيذ قناة جونجلي في جنوب السودان، إذ أصبحت هذه المصالح أكثر تأثراً الآن بعناصر أبعد من مجرد تأثير المياه مثل تأثير كينيا وأوغندا في جنوب السودان – وكينيا الآن هي منفذ الجنوب السوداني الأساسي، بينما تشاد هي مصدر القلق في دارفور. وقال «إذن نحن أمام مشكلة التوحد الوطني في إقليم عربي أفريقي هو السودان، وتحت تأثير عناصر جديدة في الموقف لم تكن يوماً ذات تأثير أفريقي عام مثل وجود كينيا كمرجعية لاتفاقية نيفاشا، أو كمصدر حماية للانفصال الجنوبي إن حدث في الوقت القريب». وينبه شعراوي إلى أن العرب عند التعامل مع الأفارقة قد يجدون أنفسهم أمام دويلات صغيرة باتت ذا شأن بدورها مثل رواندا وبوروندي اللتين تتحركان أو تدفعان كقوة “جندرمة” دولية في دارفور والصومال، وهما في نفس الوقت من دول حوض النيل، وفي قلب مشكلة المياه بعد توقيع الاتفاقية الإطارية لمياه النيل في عنتيبي، وذلك لتلجم حركة مصر والسودان وغيرها من الأقاليم الأفريقية. ولفت شعراوي الانتباه إلى الاعتبار الثالث الذي يحكم حركة “المركز النيلي”، ألا وهو تجمع دول الحوض الجنوبية فيما يعرف بمؤتمر دول البحيرات الكبرى ليجعل الكونغو- وهي من دول الجوار القوية التي تتجاهلها مبادرة الجوار، محورية في حوض النيل ، بقدر ما هي محورية أيضاً في مجموعة “سارك الجنوب أفريقية”. انفصال “الجنوب” وقال شعراوي إن السؤال الذي قد لا يفاجئنا قريباً في مبادرة الجوار هو، ماذا ستفعل الدول العربية مجتمعة يوم تُعلن دولة “السودان الجنوبي” كما يقترح البعض ، أو”أزانيا” في مسمى آخر؟. وتابع «المنطقة كلها سوف تشتعل بالتساؤلات عن الاعتراف والإنكار، عن احتمالات الحرب والسلام، عن اضطرابات يعدها كل طرف في جنوب الوادي ضد الآخر، عن المصالح التي في الجنوب مثل المصالح الصينية والماليزية، وقبلها الأميركية نفسها». بل إن تفجر قضية الجنوب ستشعل على نحو جديد الموقف في دارفور نفسها، والدور التشادي فيه، وحيث التطلعات المحلية تطالب بنوع من الحكم الذاتي معتمدة على الدور التشادي ومن هم وراءه، وحيث أطراف في الخرطوم لا تعرف إلا الحل العسكري دون تأمل درس الجنوب وما حققه هذا الحل غير السعيد بعد عقدين وأكثر من الحرب الساخنة في الجنوب. القرن الأفريقي والبحر الأحمر وتطرق شعراوي إلى القرن الأفريقي مشيراً إلى أن التعامل العربي مع قضايا تلك المنطقة يأتي بأقل قدر من الاهتمام “المعلن” مع أنه يكاد يكون الشوكة الأكثر حدة بدوره في خاصرة النظام العربي، فهو الكامن فيه مشكلة الصومال الكبرى وانتزاعها من النظام الإقليمي العربي في مدخل المحيط الهندي والبحر الأحمر، وهو الذي تعتلي صخرته إثيوبيا لتتحكم في مصادر الحياة المصرية من المياه باعتبار ما يرد منها من النسبة الأكبر من هذه المياه. وفي القرن الأفريقي تقع إريتريا وساحلها البالغ ألف كيلومتر أمام اليمن والسعودية، في أخطر نقاط ضعفهما، على البحر الأحمر أيضاً. وهذا البحر مع المحيط الهندي يقعا في قلب الاستراتيجية العالمية حول البترول والخليج والقلب الآسيوي نفسه. ويحذر شعراوي من أن تجاهل العرب للصومال مع جزر القمر قد يضع التاريخ العربي أمام أسئلة تآكله تدريجياً إذا أضفنا له قضايا الجوار الإقليمي من أبعاده المختلفة. انهيار تدريجي وعلى هذا النحو، يجد شعراوي أن ما يجري في الصومال هو أكثر أشكال هذا التآكل، فالقضية الصومالية لم تفرض مأساتها فجأة بالتدخل العسكري مثل حالة العراق! وحتى أفغانستان ...إلخ. ويرى شعراوي أن المشهد في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا حتى جزر القمر يختصر كل علاقات التاريخ العربي- الأفريقي إلى مجرد نشاط تجاري متسارع منذ فترة، وفي شكل سياحي أحياناً –بين هذه المنطقة الأفريقية والخليج العربي وحده، وهذه علاقة قد تؤسس فيها جنوب أفريقيا –برأسمالها الاستيطاني السابق – نفوذاً أكبر مما يتوقع الخليج مهما كانت مهارته أو تفوقه المالي. وينوه شعراوي إلى أن موضوع القرن الأفريقي والدور الاستثماري العربي الممكن في إثيوبيا نفسها أو لصالح مشروعات المياه الكبرى في دول الحوض، يفرض على أصحاب مبادرة دول الجوار، أن يتوجهوا إلى بحث هذا العامل الاقتصادي المألوف في أي حوار من أجل بنية جوار حقيقية وراسخة ومرتبطة بالحياة اليومية لشعوب المناطق المختلفة. ويعتقد شعراوي أن الجامعة العربية، لابد أنها كانت تعي ذلك فيما كانت تعقده من منتديات الحوار مع الصين واليابان وأميركا الجنوبية ...إلخ، لكنها تتم على نطاق ضيق، ولم نسمع ضمن هذه الخطة منتديات تنسيق عربية حول ما يمكن تسميته بأخلاقيات الاستثمارات العربية نفسها، فلدى شعراوي مخاوف من أن تذهب الجامعة في اتجاه بينما رأس المال العربي يكرر مأساة استقطابه هنا وهناك، واضعين في الاعتبار، أن أوروبا نفسها لا تتعامل مع العرب إلا بمنطق “كتلة أوروبية” مع دول عربية “فرادى”. صورة مغلوطة وفي تعقيب على الورقة، قال الأكاديمي الموريتاني د. السيد ولد أباه إن ثمة صورة مغلوطة سائدة عربيا عن أفريقيا التي تنحصر في كونها قارة الأوبئة والحروب والفقر والتخلف، والواقع أن هذه الصورة زائفة ،لا تصمد أمام التحليل والتمحيص. ويضيف د.ولد أباه أن القارة المنكوبة التي بدت في مطلع التسعينيات وكأنها غرقت نهائيا وانحسر دورها الاستراتيجي بعد نهاية الحرب الباردة وآلت إلى التفكك والانهيار،استعادت إلى حد كبير عافيتها ، وغدت واعدة بالنهوض. وضمن هذا الإطار يقول ولد أباه، من بين النزاعات الأهلية الخمسة عشرة التي اجتاحت أفريقيا في بداية التسعينيات، لم يبق إلا نزاع واحد خارج السيطرة هو النزاع الصومالي. وعلى حد قول ولد أباه أثبتت الدبلوماسية الأفريقية قدرتها على تسوية النزاعات الداخلية والإقليمية بفعالية ونجاعة، على الرغم من تعقد الخارطة الأثنية والقبلية في بلدان القارة التي لم تعرف في أغلبيتها المطلقة الدولة المركزية إلا مع الاستعمار الذي ترك لها حدودا اعتباطية شديدة الخطورة. بوادر تحسن ويستطرد ولد أباه قائلاً من أبرز هذه النزاعات الحالة العنصرية في جنوب أفريقيا التي تشكل حالة استيطانية استعمارية على غرار المعادلة الصهيونية في فلسطين. كما أن الأوضاع الاقتصادية في القارة تحسنت نوعيا .وتؤكد تقارير المؤسسات المالية الدولية هذه الحقيقة بأرقام دالة (حافظت بلدان القارة خلال العشر سنوات الأخيرة على نسبة نمو بمعدل 3 بالمائة ). ومن مؤشرات هذا التحول الاقتصادي الطفرة الهائلة التي عرفها الحزامان النفطيان الكبيران في القارة (في وسط أفريقيا وفي خليج غينيا)،والاكتشافات المعدنية المذهلة في مختلف مناطق القارة، فضلا عن الإمكانات الزراعية الهائلة التي تركز الاهتمام حولها بعد الأزمة الغذائية الأخيرة (2007-2008). مؤشرات إيجابية ولفت ولد أباه الانتباه إلى أنه لم يعد بإمكان كاتبة أفريقية مثل “اكسل كابو” أن تردد أطروحتها الشهيرة التي عبر عنها عنوان كتابها الصادر في مطلع التسعينيات بعنوان مثير هو: “ماذا لو كانت أفريقيا ترفض التنمية؟”. ويسرد ولد أباه بعض المؤشرات الايجابية كالتحسن النوعي في مستوى النظام الإقليمي الإفريقي بإعلان “الاتحاد الأفريقي” واعتماد الاتحاد الأوروبي نموذجا له، وتفعيل مؤسسة القمة فيه التي غدت تلتئم مرتين في السنة. ويرى أن حركية الاندماج الأفريقي عرفت بعض المكاسب الايجابية ، فبعض المناطق (كمنظومة غرب أفريقيا ومنظومة وسط أفريقيا) حافظت على نظام نقدي مشترك، وبعض التجمعات الإقليمية الفرعية العديدة حققت بنجاح حرية التحرك والشراكة الاقتصادية الكاملة. ويستند ولد أباه في رؤيته المتفائلة بالقارة السمراء إلى أنه في الوقت الذي خرجت فيه أغلب بلدان أفريقيا من أزماتها الداخلية بعد مراحل عسيرة من الصراع والتفكك (الكونغو، ليبيريا، روندا ،بروندي ، سراليون ، أنجولا...) ، تشهد بلدان عربية عديدة شبح التفكك والتقسيم، مما أصبح واقعا في العراق والمناطق الفلسطينية واحتمالا واردا في اليمن. ويضيف ولد أباه أن العديد من البلدان الأفريقية تحولت بالفعل إلى ديمقراطيات ناجحة ومستقرة، على الرغم من هشاشة أوضاعها التنموية وتعقيد تركيبتها الديمغرافية، كما هو شأن مالي وبنين وغانا وبوتسوانا التي قامت فيها منذ سنوات تجارب ناجحة في التعددية والتناوب السلمي على السلطة. وقال إن هذه التجارب تحث العقل السياسي العربي على مراجعة الكثير من مسلماته حول معوقات التحول الديمقراطي التي تحصر عادة في خلفيات ثقافية أو اقتصادية. أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بوضع إفريقيا في النظام الدولي.فإذا كان الباحث الأميركي (من أصل كيني) علي المزروعي قد كتب في التسعينيات مقالة شهيرة اشتكى فيها من الإهمال الدولي لإفريقيا التي اعتبر أنها تحتاج إلى نمط من الاستعمار الجديد (بالاعتماد على قوى إقليمية أفريقية) ،فان الوضع مغاير اليوم تماما. وقال ولد اباه نشهده بوضوح هو عودة التنافس القوي على القارة بين القوى الدولية سواء التقليدية منها (كالولايات المتحدة وفرنسا) أو الصاعدة (كالصين والهند والبرازيل وتركيا)، وتتحرك الولايات المتحدة - التي تجول رؤساؤها الثلاثة الاخيرون في كبريات العواصم الأفريقية – على خطي الأمن والنفط. ويتمحور الخط الأول في غرب القارة وفي القرن الأفريقي حيث تنشط التنظيمات الارهابية وتسعى الإدارة الأميركية إلى التواجد العسكري والمخابراتي الكثيف فيها (جيبوتي ،مالي ...). ويتركز الخط الثاني في خليج غينيا وفي انجولا، حيث حضور شركات النفط الأميركية متزايد، في تنافس معلن مع الشركات الفرنسية التي لا تزال مهيمنة بقوة في الكونغو وتشاد والجابون. وتستورد راهنا الولايات المتحدة خمس وارداته النفطية من أفريقيا (في حين تستورد الصين ثلث احتياجاتها النفطية من القارة). فالنفط الأفريقي – الذي لا يزال في طور الاكتشاف المتواصل – يشكل 10 بالمائة من مجموع المخزون النفطي العالمي حاليا ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 20 بالمائة عام 2020. أما فرنسا فتعتبر مستعمراتها السابقة في وسط وغرب أفريقيا مجالها الحيوي الثقافي والاستراتيجي الذي بدونه تتحول إلى قوة إقليمية محدودة على الصعيد الأوروبي، ففضلا عن الحضور اللغوي والثقافي في أكثر من 12 بلدا أفريقيا، لفرنسا قواعد عسكرية قارة في خمسة بلدان هي السنغال وكوت ديفوار والجابون وجيبوتي وتشاد. ولعل التهديد الأبرز الذي يواجه الحضور الفرنسي في القارة السوداء هو الاختراق الصيني المتزايد والمذهل الذي يأخذ أشكالا عديدة، فالشركات الصينية أصبحت هي المستثمر الأول في العديد من البلدان الأفريقية، كما أنها هي الشريك المفضل لدى الحكومات الأفريقية والتجارة البينية ازدادت وتيرتها بسرعة خارقة بين الدول الإفريقية والصين. كما أن الصين دخلت بقوة في حركية التنقيب عن النفط والمعادن في بلدان القارة، وغدت تسيطر بالفعل على القطاع المنجمي في كثير من الدول، ومن المؤشرات الدالة على هذا الاختراق الصيني الحارات والأحياء الصينية المتكاملة التي أصبحت من مكونات كبريات المدن الأفريقية. أما الهند والبرازيل وتركيا وبقية الدول الصاعدة فترى في أفريقيا سوقا واسعا لمنتجاتها التي يمكن أن تنافس – لرخصها – المنتجات الاوروبية والاميركية، وتجدر الملاحظة هنا إلى حضور تعليمي وثقافي تركي لافت في بلدان غرب إفريقيا المسلمة يوازيه حضور إيراني مماثل. استنساخ الفرانكفونية واستنتج ولد أباه أن العرب هم الطرف الغائب في هذه الخارطة الإستراتيجية، بعد أن تقلصت الحاجة إلى الصوت الإفريقي المؤيد في المنتديات الدولية بعد انطلاق مسار التسوية الشرق أوسطية في مطلع التسعينيات. وفي مقابل فكرة توسيع المنظومة العربية في اتجاه دوائر الجوار الجغرافي التي طالبت بعض الأطراف العربية، يقترح ولد أباه الشروع في مقترح أقل تكلفة وأكثر وجاهة هو إنشاء رابطة الدول الناطقة كليا أو جزئياً باللغة العربية (على غرار المجموعة الفرانكفونية التي تضم زهاء سبعين دولة). سيكون من شأن هذه الرابطة أن تدعم الحضور الثقافي العربي العريق في القارة: تناهز لأقليات العربية في البلدان الأفريقية غير العضو في جامعة الدول العربية عشرة ملايين، في حين يكاد يكون العرب أغلبية في تشاد وإريتريا. كما ان اللغات الأفريقية القديمة كان الكثير منها مكتوب بالحرف العربي، حيث ستكون هذه المنظمة المقترحة لإطار الأمثل للتكامل العربي – الأفريقي في دوائره الاستراتيجية والتنموية والثقافية المتنوعة. الأجيال القادمة في معرض تعقيبه على التطورات الأخيرة في السودان، أشار عبدالله عبيد حسن إلى أن التاريخ يعلمنا أن نهتم بالتجارب وأن الأجيال القادمة ستكتشف أن الأصلح لها هو أن يعيش السودانيون في دولة اتحادية تحفظ للمواطن السوداني نصيبه في الثروة والسلطة. ويؤكد الباحث السعودي د.صالح المانع أنه يمكن للرموز الدينية المهمة أن تلعب دوراً مهماً لتحسين الوضع في بعض البلدان الأفريقية كالصومال وخاصة أن هناك نفوذا مهما لإيران في بعض البلدان الأفريقية كجزر القمر. ويقول د. بهجت قرني، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية في القاهرة إن النظرة العالمية عن أفريقيا سلبية، فيما توصل د. أحمد يوسف أحمد مدير معهد الدراسات العربية في القاهرة إلى أنه اذا كان هناك تخوف من إيران وإعجاب من تركيا فثمة إهمال تجاه أفريقيا، فاهتمام مصر بأفريقيا تراجع منذ حادث أديس أبابا، حيث تقلص بعدها التمثيل المصري في القمم الأفريقية. أما الكاتب الكويتي خليل علي حيدر، فيرى أنه عندما نهمل القارة الأفريقية فإننا نهمل شيئاً يمكن الاستفادة منه في المنطقة. ويتساءل الأكاديمي القطري د. أحمد عبدالملك، أين سلة الغذاء في السودان، ويضيف أن كثيراً من الدول الأفريقية تبدو هشة وضعيفة، وضمن هذا الإطار نجد أن دولة كجزر القمر تعاني من مشكلات جمة. ويشير د.عبدالله الشايجي إلى أن الحديث عن أفريقيا أحياناً ما يكون بصورة زاهية لكن في الواقع تمثل أفريقيا مكانة مخيفة من حيث الفساد أو مؤشرات البلدان الفاسدة. ويضيف الشايجي أن طرح فكرة البلدان الأفريقية الناطقة بالعربية قد يضعف الجامعة العربية.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©