الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

المسلحون التائبون في الجزائر النزول من الجبال وإشكالية الاندماج

22 أغسطس 2006 00:41
الجزائر- حسين محمد: منذ عام 1995 إلى الآن، استسلم أزيد من 10 آلاف عنصر مسلح كانوا منضوين في صفوف الجماعات الإرهابية وعادوا إلى أحضان المجتمع من جديد، وقد تعززت صفوفهم بمائتي ''تائب'' آخر منذ صدور قانون المصالحة في 1 مارس الماضي إلى الآن ·· لكن كيف كانت ظروف عودة المسلحين التائبين بعد سنوات من النشاط الإرهابي؟ وهل استطاعوا الاندماج بسهولة في محيطهم ؟ وكيف استقبل المجتمع عودتهم بعد هول المجازر والاغتيالات وحمام الدم الذي عرفته الجزائر لسنوات طويلة وخلف جبالا من الضغائن والأحقاد؟ ··هذا التحقيق محاولة للإجابة على التساؤلات السابقة· في 31 أكتوبر 1994 أعلن الرئيس الأسبق اليامين زروال فشلَ الحوار الذي خاضه مع قادة ''الجبهة الإسلامية للإنقاذ'' المحظورة ، وأكد زروال انتهاج حل أمني بحت، ودعا من أسماهم ''الشبان المغرّر بهم'' من الجماعات الإرهابية إلى ''التوبة'' والعودة إلى أحضان المجتمع· ولكن الدعوة بقيت دون صدى في ظل غياب إطار قانوني يوضح بالتدقيق مصير الراغبين بوضع سلاحهم، فأصدر زروال ''قانون الرحمة'' في أبريل 1995 ونزل بموجبه قرابة 4 آلاف مسلح من الجبال وتم العفو عنهم· وفي 1 أكتوبر 1997 أعلن مدني مزراق زعيم تنظيم ''الجيش الإسلامي للإنقاذ'' هدنة مع الجيش الجزائري والتزم بها مدة عامين، لكن الهدنة بقيت تفتقر إلى غطاء سياسي وقانوني، إلى أن جاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وأضفى عليها الشرعية وأصدر ''قانون الوئام المدني'' في 13 يوليو 1999 ووعد الرئيس بحماية المسلحين التائبين وقال إنه لن يكون بمقدور أحد الوصول إلى التائبين الذين يضعون سلاحهم إلا ''على جثته هو'' وكانت تلك الكلمة رسالة تحذيرية قوية إلى كل من تسول له نفسه الانتقام من أي تائب بدعوى الثأر لاغتيال قريب له· وفي 10 يناير 2000 أصدر بوتفليقة مرسوما رئاسيا يقضي بالعفو عن عناصر ''جيش الإنقاذ''؛ فنزل مزراق و6 آلاف عنصر مسلح من الجبال وعادوا إلى بيوتهم بعد سبع سنوات من مقارعة السلطة· العودة والواقع أنه لم يحدث وأن وقعت جريمة انتقام من أي إرهابي تائب منذ صدور ''قانون الرحمة'' في أبريل 1995 إلى الآن بالرغم من تراكم الأحقاد والسخط الشعبي على الجماعات الإرهابية بسبب كثرة الاغتيالات والمجازر الرهيبة التي حدثت بين 1995 و1998 وراح ضحيتها آلاف الجزائريين ولم تستثن حتى الأطفال الرضع· وكان الكثير من المواطنين يعارضون في البداية العفو عن القتلة ويطالبون بالقصاص منهم ولم يتقبلوا فكرة العفو عنهم إلا بصعوبة ولكنهم رضخوا للأمر وأدركوا أنه الحل الأمثل لتحجيم الإرهاب لأن تفريغ الجبال من آلاف المسلحين ومنحهم العفو أفضل من بقائهم هناك وارتكاب المزيد من المجازر والاغتيالات قبل القضاء عليهم، ثم إن ذلك يسهل مهمة القضاء على ''بقايا الإرهاب'' وإنهاء هذه الآفة التي تسببت في مقتل 150 ألف جزائري وحدوث مآس كبيرة لاتزال آثارها إلى اليوم· وحتى ''الحرس البلدي'' والمقاومين'' الذين سلحتهم الدولة لمكافحة الإرهاب، تقبلوا على مضض عودة الإرهابيين إلى المجتمع وإن لم يستسيغوا الفكرة·· يقول ''المقاوم'' عبد الرزاق: إن قوانين ''الرحمة'' ثم ''الوئام'' وأخيرا ''المصالحة الوطنية'' خيار سلطوي لا يمكن لأحد الطعن فيه حتى وإن كان الجميع متحفظا على ذلك· ويضيف بنبرة كلها حزن:'' لقد دفعتنا الغيرة على الوطن إلى حمل السلاح، لكن التطورات الأخيرة خصوصا بعد مجيء الرئيس بوتفليقة دفعتنا إلى الهامش، وبصراحة بتنا نشعر أننا ننال جزاء سنمار''· أما فريد·س وهو ''مقاوم'' آخر فيؤكد أن'' الوئام المدني والمصالحة الوطنية تعد فرصا ثمينة للشعب الجزائري للكف عن الاقتتال وتدمير الذات· مضيفا: ''بالرغم من خسارة هيبتنا أمام الناس وكذا مناصب عملنا، إلا أننا لا نقف ضد هذا التحول الإيجابي الذي طرأ على الجزائر، وإن لم ندعمه بقلوبنا فعلى الأقل سيبقى أمراً له فوائد جمة لنا ولأولادنا مستقبلا''· وبالمقابل هناك ''مقاومون'' يؤيدون قانون المصالحة وما يتضمنه من عفو عن الإرهابيين دون أي تحفظ· يقول رياض· ن إن ''استفتاء 29 سبتمبر 2005 كانت نتيجته مذهلة، فقد زكى الجزائريون ميثاق السلم والمصالحة بنسبة فاقت 98 بالمئة من الأصوات وهذا دليل قاطع على أن أغلبهم يؤيد المصالحة والعفو وتناسي الأحقاد''· وإذا كان ''المقاومون'' و''الحرس البلدي'' وضحايا الإرهاب قد تقبلوا عودة الإرهابيين مجددا إلى المجتمع دون تنفيذ تهديداتهم السابقة بالانتقام، فإن هذا الأخير جاء من الإرهابيين الذين أصروا على مواصلة عملياتهم الإجرامية ورأوا في وضع رفاقهم السلاح خيانة لمشروعهم ''الجهادي'' مما يستوجب تطبيق ''حكم الردة'' عليهم· وطبقا لهذه ''الفتاوى'' الشاذة، أقدم الدمويون على اغتيال العشرات من التائبين منذ 1995 إلى الآن· جيش الإنقاذ ·· من ناحية أخرى لا يبدي عناصر ''الجيش الإسلامي للإنقاذ'' أي اكتراث بفكرة الاندماج وتقبل المجتمع لها، حيث يقول مدني مزراق زعيم التنظيم: ''مسألة الاندماج والعودة الجديدة إلى أحضان المجتمع غير واردة في قاموسنا بتاتاً،لأن الحياة عندنا كاملة متكاملة، ولم يحدث وأن تجزأت إلى شطرين''· وبحسب اعتقاده فإن مدة سبع سنوات التي قضاها في الجبل هي ضمن السيرورة الحياتية التي فرضتها حالة ظرفية لكنها لم تكن أبدا بمعزل عن المجتمع· وأضاف مزراق: ''الطبيعة تعود إلى نفسها وما خرجنا يوما من المجتمع حتى نعود إليه ونندمج ضمن نسيجه مرة أخرى فحياة الجبل حياة شاذة شبيهة بحياة الغائب عن الأهل والوطن وبمجرد العودة تعود البسمة ويجد المرء الغائب نفسه تلقائيا ضمن عشيرته وأهله''· وبنفس المنطق، يقول الدكتور الشاعر عيسى لحيلح، أستاذ الأدب العربي بجامعة جيجل وصاحب رواية ''كرَاف الخطايا'' التي كتب الجزء الأول منها في أعالي الجبال أيام الهدنة:'' الاندماج مغالطة كبرى تجعلنا نحن الذين فرضت عليهم حياة خاصة في ظرف خاص بأن نكون ضمن خانة المقترفين للموبقات، والحقيقة هي أن خروجنا من المجتمع لا يوجد إلا في خيال الاستئصاليين الدمويين الذين أرادوا لنا الخروج نهائيا من الحياة وليس فقط من المجتمع الذي نعتز أننا منه وهو منا''· الغائب الأكبر وتكاد جل الآراء تتفق على نقطة واحدة محورية، وهي أن تطبيق قانون المصالحة يتخلله كثير من العقبات والعراقيل غير المنطقية بالمرة، فمدني مزراق نفسه رغم مساندته شبه المطلقة لمثل هذه المساعي، إلا أنه قلق جدا من هذا التباطؤ الذي يكاد يكون مقصودا من جهات مناوئة، ومن جهات نافذة قصد عرقلة مشروع المصالحة، حيث مرت 5 أشهر كاملة على دخول تدابير هذا القانون حيز التنفيذ دون أن يكون هناك معالجة صارمة لملفات الفئات المتضررة من الأزمة ومنها فئة المسلحين التائبين الذين ينتظرون بفارغ الصبر إعادتهم إلى مناصب عملهم السابقة للخروج من الفاقة الكبيرة التي يعيشونها منذ نزولهم من الجبال في يناير ·2000 محمد أحد الذين جارت عليهم الأيام كما يقول عن نفسه، حديثه عن تدابير المصالحة لا يخلو من الحسرة والمرارة رغم أن قضيته في مثل هذه الأمور لا تحتاج إلى دليل قاطع، خصوصا وانه من الأوائل الذين استفادوا من العفو ضمن إطار قانون الوئام المدني·· يتحدث محمد عن العراقيل التي وجدها بشكل يجعل كل متابع للأوضاع يجزم أن الأمر مقصود لذاته، خاصة وأن القانون واضح: ''لقد واجهتني عراقيل بيروقراطية متعمدة كأن يُطلب مني ورقة موقعة من قبل الأمير الذي كنت معه في الجبل متناسين أني مستفيد من تدابير العفو منذ سنة ·''2000 ويضيف بشأن عدم إدماجه في المنصب الذي كان يشغله قبل التحاقه بالجبل: ''مهما كان التعويض المالي الذي سأناله، إلا أنه لن يعوضني عن منصب أستاذ الذي كنت أشغله''· وينص قانون المصالحة الصادر في 1 مارس الماضي على إدماج كل المفصولين من وظائفهم لأسباب سياسية، في مناصبهم مرة أخرى أو التعويض لهم ماليا إذا استحال إدماجهم مهنيا لأسباب قاهرة كاندثار المؤسسات العمومية التي كانوا يشتغلون فيها، وينطبق الأمر على المسلحين التائبين، لكن رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى قال: إن هناك مناصب حساسة لا نقبل أن يعود إليها ''الأصوليون'' ومنها التعليم والإمامة للحؤول دون عودة الخطاب المتطرف والتحريضي إلى المساجد والمدارس· وقد التحق 60 مسلحا من ''جيش الإنقاذ'' مجددا بصفوف الجماعات الإرهابية كرد فعل على التهميش الذي طال ست سنوات، وهو ما دفع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الاعتراف في خطاب ألقاه في سبتمبر الماضي بتهميش تائبي ''الإنقاذ'' ووعدهم بتسوية وضعيتهم بموجب قانون المصالحة الذي تنتهي آجاله في 31 أغسطس الجاري· وخلاصة القول أن احتضان 10 آلاف عنصر مسلح مجددا في المجتمع يُعد تجربة هامةً في المصالحة وكتم الغيظ وتناسي الأحقاد والضغائن، وقد مكّن ذلك من إضعاف الجماعات الإرهابية التي لم تعد تضم في صفوفها سوى أقل من ألف مسلح؛ ولا شك أن القدرة التدميرية لتنظيم إرهابي من ألف عنصر أقل بكثير من القدرة التدميرية لتنظيم يضم 11 ألف عنصر· وتبقى الآمال معلقة على إدماج كل التائبين مهنياً بموجب قانون المصالحة، بل إن وزير التضامن ''جمال ولد عباس'' ذهب بعيدا حينما أعلن منح قروض استثمارية مصغرة لأي تائب يتقدم للإدارة بمشروع ذي نجاعة اقتصادية، ما يعني أن الجزائر بصدد التأسيس لنموذج متفرّد وذي أساس متين من المصالحة وإزالة ركام الأحقاد والضغائن من قلوب الجزائريين·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©