الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكسائي يكشف أثر القواعد النحوية في توجيه الفروع الفقهية

الكسائي يكشف أثر القواعد النحوية في توجيه الفروع الفقهية
21 أكتوبر 2010 21:44
كان العلامة الكسائي إماماً في اللغة وعالماً في النحو، فكان من أوائل العلماء الذين تنبهوا إلى أهمية اللغة وقواعدها في بناء الفقه على أسس عربية صحيحة، وهو أحد القراء السبعة، وانتهت إليه رئاسة الإقراء في زمانه. ويقول الدكتور محمد متولي منصور، أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر: ولد أبو الحسن علي بن حمزة بن عبدالله بن عثمان وينسب إلى بهمن بن فيروز مولى بني أسد، في سنة 119 هـ-737م، بإحدى قرى الكوفة، ولقب بالكسائي، وذكر العلماء أن السبب هو إحرامه بكساء، كما كان يحضر إلى حمزة الزيات ملتفاً بكساء، فقال حمزة من يقرأ، فقيل له صاحب الكساء فسماه الكسائي. ونشأ في الكوفة ودرس على مشاهير علمائها القراءات والفقه والحديث والكلام والتفسير وغيرها من علوم الشريعة والعربية، وتتلمذ على الشيخ معاذ الهراء، وارتحل إلى البصرة فأخذ عن عيسى بن عمر، وأخذ القراءة عن حمزة، ومحمد بن أبي ليلى وعيسى بن عمر الهمذاني وروى الحروف عن أبي بكر بن عياش «شعبة»، وعن إسماعيل بن جعفر وعن زائد بن قدامه. وذكرت كتب التراجم أنه تعلم النحو على كبر؛ لأن قوماً لحنوه فشعر بضيق شديد من ذلك فانكب على دراسة النحو، وأعجب بلغة وعلم الخليل بن أحمد الفراهيدي فلازمه، ويروى أنه سأل شيخه الخليل: «من أين تعلمت هذا؟ فقال: من بوادي الحجاز وتهامة ونجد»، فرحل إلى هناك ومكث حتى تضلع في النحو واللسان العربي الفصيح، وكتب عن العرب شيئاً كثيراً، وعاد إلى البصرة، فوجد الخليل قضى نحبه وتصدر مكانه يونس فلازمه وأخذ عنه، وجرت بينهما مناظرات واعترف له يونس بالعلم وسعة الاطلاع والأدب والفضل وأجلسه في موضعه. ثم عاد إلى الكوفة وواصل تحصيله العلمي وأصبح من أعلام العلماء وشرع يلقى دروسه في المدرسة الكوفية، وبلغت شهرته الآفاق وعرف بسعة العلم حتى ذاع صيته فقربه الخليفة المهدي إليه وكذلك فعل الرشيد، وجعله مؤدباً لابنيه الأمين والمأمون. تبحر في النحو ويضيف منصور: نبغ الكسائي في القراءات حتى أصبح شيخ القراء في الكوفة وأحد القراء السبعة ومن أشهر من روى قراءته أبو الحارث الليث بن خالد، وحفص الدوري، وأحمد بن جبير وأحمد بن منصور البغدادي وعبدالله بن ذكوان والقاسم بن سلام وقتيبة بن مهران والمغيرة بن شعيب ويحيى بن آدم وخلف بن هشام وأبو حيوه ويحيى بن يزيد الفراء وروى عنه الحروف يعقوب بن إسحاق الحضرمي. وعن منهجه وأسلوبه في علم القراءات، قال أبو عبيد: «كان الكسائي يتخير القراءات، فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضاً، وليس هناك أضبط للقراءة ولا أقوم بها من الكسائي»، وقال ابن مجاهد: «اختار الكسائي من قراءة حمزة ومن قراءة غيره قراءة متوسطة غير خارجة عن آثار من تقدم من الأئمة، وكان إمام الناس في القراءة في عصره». وأشاد به العلماء وأثنوا عليه، قال عنه الشافعي: «من أراد أن يتبحر في النحو فعليه بالكسائي، فكل النحاة والقراء عيال على الكسائي»، وقال أبو بكر بن الأنباري: «اجتمع فيه أنه كان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم في الغريب وأوحدهم في علم القرآن، وكانوا يكثرون عليه حتى لا يضبط عليهم، فكان يجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو وهم يضبطون عنه حتى الوقوف»، وقال إسحاق بن إبراهيم: «سمعت الكسائي يقرأ القرآن على الناس مرتين» وروى خلف: «كنت أحضر بين يدي الكسائي وهو يتلو، وينقطعون على قراءته مصاحفهم»، وقال إسماعيل بن جعفر المدني: «ما رأيت أقرأ لكتاب الله تعالى من الكسائي»، وقال يحيى بن معين: «ما رأيت بعيني هاتين أصدق لهجة من الكسائي». وخلف الكسائي مؤلفات عديدة في اللغة والقراءات والنحو أغلبها فقد ومنها كتاب «معاني القرآن»، و»القراءات»، و»النوادر الأكبر»، و»الأصغر»، و»الأوسط»، و»الحدود في النحو»، و»مختصر في النحو»، و»الهجاء»، و»مقطوع القرآن وموصوله»، و»المصادر»، و»الحروف»، و»الهاءات»، و»أشعار»، و»قصص الأنبياء». أسس عربية صحيحة ويوضح: يعود للكسائي الفضل في بيان أثر القواعد النحوية في توجيه الفروع الفقهية ومسائلها، لا سيما في الأبواب التي لا تكاد تخلو من الأثر النحوي في توجيهها، وذلك مثل الطلاق والعتق وغيرها، مما ترد عليه الأمثلة في كتب الفقه بشكل عام. فكان من العلماء الذين تنبهوا إلى أهمية اللغة وقواعدها في بناء الفقه على أسس عربية صحيحة، تعمل على تأصيل أحكامه، وإحكام معانيه ودلالاته، ويروي الزبيدي مناظرة جرت بينه وبين أبي يوسف الفقيه الحنفي، قال: «دخل أبو يوسف على الرشيد - والكسائي يمازحه - فقال له أبو يوسف: هذا الكوفي قد استفرغك وغلب عليك، فقال: يا أبا يوسف إنه ليأتيني بأشياء يشتمل عليها قلبي، فأقبل الكسائي على أبي يوسف، فقال: يا أبا يوسف هل لك في مسألة؟ قال: نحو أم فقه؟ قال: بل فقه، فضحك الرشيد حتى فحص برجله، ثم قال: تلقي على أبي يوسف فقهاً! قال: نعم، قال: يا أبا يوسف، ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار؟ قال: إن دخلت الدار طلقت. قال: أخطأت يا أبا يوسف، فضحك الرشيد، ثم قال: كيف الصواب؟ قال: إذا قال «أن» فقد وجب الفعل، وإن قال «إن» فلم يجب ولم يقع الطلاق. قال: فكان أبو يوسف بعدها لا يدع أن يأتي الكسائي». فقد قام الكسائي بتخريج المسألة الفقهية على القاعدة النحوية، واستئناس أبي يوسف بما فعل، والتزام مجلسه إشارة إلى صحة التكامل الذي يجمع الفقه بالنحو، وعلى سبيل النكتة العلمية الهادفة. وتوفي -رحمه الله- في عام 189 هـ، وهو بصحبة الرشيد في قرية رنبويه من أعمال خراسان، فقال الرشيد: «اليوم دفنت الفقه والنحو».
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©