الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«كلام الله» المُحكم في ألفاظه ومعانيه

«كلام الله» المُحكم في ألفاظه ومعانيه
21 أكتوبر 2010 21:43
القرآن الكريم كلام الله أنزله بعلمه، اختلف أسلوبه عن أساليب الشعر والنثر جميعاً، عذبة ألفاظه، ومتنوعة معانيه وإشاراته، بسيطة لغته مع عمق معانيه، نزل على قلب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحضرة رجال أهل فصاحة وبيان. فسار القرآن يخترق الآفاق عبر الزمان والمكان، ولأنه كلام الله فقد عجز الجن والأقدمون والمحدثون عن أن يأتوا بمثله. وكلام الله سبحانه وتعالى هو اسم للقرآن الكريم، وكلام الله لا يحد ولا يعد، وهو غير مخلوق، وجاء كلام الله اسماً للقرآن في قوله تعالى: «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون» التوبة الآية 6. والكلام صفة من صفات الله تعالى وكلامه هو القرآن، وقال أصحاب المنتخب في تفسير هذه الآية: وإن طلب منك الأمان ـ أيها الرسول ـ أحد من المشركين الذين أمرت بقتالهم ليسمع دعوتك، فأمّنه حتى يسمع كلام الله، فإن دخل في الإسلام فهو منكم وإن لم يدخل فأبلغه مكاناً يكون فيه آمناً، وهذا أمر بتأمين المستجير حتى يسمع كلام الله، وجاء في تفسير «الجلالين» كلام الله أي القرآن. وجاء الاسم مفرداً «كلمة ربك» كما في قوله تعالى: «وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم» الأنعام الآية 115. وجاء اسم القرآن في القرآن أيضاً بجمع آخر هو كلمات. كما في قول الله تعالى في الآية السابقة، وفي قوله تعالى: «واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا» الكهف الآية 27.. وفي قوله عز وجل: «ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور» الشورى الآية 24. وفرق العلماء بين الأسماء الثلاثة، فقالوا: كلمة الله اسم للقرآن بمعنى أمره، وهي تطلق على القرآن الكريم كله، وكلمات الله: اسم للقرآن بمعنى مجموع ما يحويه من كلمات وألفاظ وأحكام وأوامر وأقضية وقصص وغيرها، وهذا الاسم يعني مجموع كلمات القرآن من أول كلمة إلى آخر كلمة، أما كلام الله فهو اسم للقرآن بمعنى نسبته إلى الله عز وجل على أساس أنه يدل على كُنه القرآن وماهيته. محاولات ساذجة وقد ردد المشركون منذ بداية نزول القرآن الكريم أباطيل حول قدرتهم على الإتيان بمثل كلام الله، كما قال تعالى: «ولقد نعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشر» النحل الآية 103. وقوله عز وجل: «وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين» الأنفال الآية 31. وهنا يشير الدكتور محمد داود عميد معهد القرآن الكريم بالقاهرة إلى أن هناك من جاء بمعارضة القرآن على مر التاريخ، ولكن بكلام لا يشبه القرآن ولا يشبه كلام البشر بل نزلوا إلى ضرب من السخف والتفاهة البادية العوار ولم يعد خافياً أن المحاولات التي أرادت أن تأتي بمثل القرآن ساذجة، ومن يحاول ذلك في القرآن فإنه محال والتجربة أصدق شاهد وخير برهان، وقد سجل التاريخ عجز أهل اللغة أنفسهم في عصر نزول القرآن، وهو أزهى عصور البيان العربي عن ذلك، وتحداهم القرآن رغم هذا التفوق أفراداً وجماعات وكرر التحدي متهكماً بهم متنزلاً معهم إلى الأخف، فالأخف، فدعاهم أول مرة إلى أن يجيئوا بمثله، ثم دعاهم إلى أن يأتوا بعشر سور من مثله، وأباح لهم في كل مرة أن يستعينوا بمن شاؤوا ومن استطاعوا ثم رماهم والعالم كله بالعجز في غير مواربة، فقال سبحانه: «قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا» الإسراء الآية 88. وقال تعالى: «وإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة» البقرة الآية 24. معجز في نظمه والقرآن ظاهرة لم يسبق لها مثيل في اللسان العربي؛ ولأنه كلام الله قال عنه سبحانه «وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين. أم يقولون أفتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين» البقرة 23. فكلام الله معجز في نظمه وفي ألفاظه وموسيقاه ومعانيه وما تضمنه من إخبار بالغيب سواء الماضي أو المستقبل، وما ضمه من قصص وعبر ومن حكمة ودعوة أخلاقية، ومن تشريعات وأحكام صالحة للإنسان في كل زمان ومكان فترتيب الكلمات ترتيب مخصوص يؤدي المعنى والمراد على أكمل وجه، ويكون ملائماً في ترابط وثيق، وكل لفظ في مكانه موضوع، وللكلمة القرآنية مزية لا تجدها في الكلمات التي يتكون منها كلام الناس، وتعابيرهم مهما سمت في مدارج البلاغة والبيان، فهي تتناول من المعنى سائر صوره وخصائصه ولا تقف عند العموميات التي تقف عند حدودها تعبيراتنا البشرية، وتمتاز عن سائر مرادفاتها اللغوية بتطابق أتم مع المعنى المراد فمهما استبدلت بها غيرها لم تسد مسدها، ولم تؤد الصورة التي تؤديها. يصعد باللغة إلى المعنى القرآن يبحر بكلماته لما وراء الحدود التي تقف عندها اللغة، وإن كان يستخدم اللغة نفسها، فيتناول من الكلمات المترادفة أدقها دلالة وأتمها تصويراً بالنسبة لنظائرها، فهو يصعد باللغة إلى المعنى أو الصورة المطلوبة ولا ينزل بالمعنى أو الصورة إليها وعلى الرغم من أن القرآن لا ينضبط بشيء من أعاريض النظم وأوزانه المعروفة، إلا أننا نشعر مع ذلك بتوقيع موزون من تتابع كلماته، بحيث يؤلف اجتماعها إلى بعض لحناً مطرباً يفرض نفسه على صوت القارئ. فالجملة القرآنية بناء أحكمت لبناته ونسقت أدق تنسيق. إنه كلام الله الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©