الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام غرس الإيمان في النفوس وربَّى أبناءه على طاعة الله

23 يناير 2014 21:29
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه أجمعين... وبعد: يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ)، «سورة المؤمنون، الآية 57». جاء في كتاب تفسير القرآن العظيم لابن كثير في تفسير الآية السابقة: يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ)، أي هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح، مشفقون من الله، خائفون منه، وجلون من مكره بهم، كما قال الحسن البصري: إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة، وإن الكافر جمع إساءة وأمناً»، (تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/332). من المعلوم أن الخوف من الله سبحانه وتعالى هو سمة المؤمنين وآية المتقين، وخوف الله تعالى في الدنيا طريقٌ للأمن في الآخرة، وسببٌ للسعادة في الدارين، ودليلٌ على كمال الإيمان وحسن الإسلام، وصفاء القلب وطهارة النفس، كما في قوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)، «سورة النازعات، الآية 40- 41». خشية الله لقد مدح الله سبحانه وتعالى المؤمنين الذين تملأ خشية الله عز وجل قلوبهم، وتغمر مهابة الله وجلاله نفوسهم، يفعلون الخير الكثير، ولكنهم لا يغترون ولا يأمنون عذاب الله عز وجل، كما في قوله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ)، فالخوف من الله له مكانة رفيعة وقدر كبيرٌ عند الله تبارك وتعالى. كما جاء في الحديث الشريف: عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «عينان لا تمسُّهما النار: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيل الله»، (أخرجه الترمذي)، وكذلك ما رُوي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «قال الله تعالى: وعزتي، لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين: إذا خافني في الدنيا أَمَّنتُهُ يومَ القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفتُهُ يوم القيامة»، (أخرجه ابن حبان). قوة الإيمان إن الخوف من الله سبحانه وتعالى والهيبة من سلطانه يتناسب طردياً مع قوة الإيمان بالله، فكلما قوي الإيمان قوي الخوف من الله، وكلما ضعف الإيمان ضعف معه الخوف من الله، لذلك نجد الأنبياء والرسل الكرام- عليهم الصلاة والسلام- هم أشدّ الناس خوفاً ويليهم في ذلك المؤمنون الصادقون. ? فهذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم: الذي غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان أشدّ الناس خوفاً من الله، فيقول- عليه الصلاة والسلام: «والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له»، (أخرجه الشيخان). كما جاء في الحديث الصحيح أن رسولنا- صلى الله عليه وسلم- قد طلب من عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أن يقرأ عليه القرآن الكريم، قَالَ: قَالَ لِي النَّبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ» قُلْتُ: أقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «فإني أُحبُّ أن أسمعه من غيري»، فَقَرَأْتُ عليه سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بلغتُ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بشَهِيدٍ وَجِئْنَا بكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) قَالَ: «أَمْسِكْ»، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، (أخرجه البخاري). ? وهذا أبو بكر الصديق- رضي الله عنه: ثاني اثنين إذ هما في الغار، الذي لو وُزِنَ إيمانه بإيمان الأمة لرجح إيمانه على إيمان الأمة، يقول- رضي الله عنه: «لو علمتُ أنه لن يدخل النار إلا رجل واحد، لخفتُ أن أكون ذلك الرجل». ويقول أيضاً: «لو كانت إحدى قدميّ في الجنة والأخرى خارجها ما أمنتُ مكر الله». ? وهذا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه: وعن صحابة- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أجمعين، الذي ملأ الأرض عدلاً، كان يقول: «ويلٌ لعُمَر إنْ لم يُغْفر له»، وكان يَلْقى الصبيّ الصغير يأخذ بيده ويقول: «يا بنيّ ادع الله لي، فإنّك لم تُخْطئ بعد». ? وهذا الإمام الشافعي- رحمه الله- صاحب المذهب المعروف: الذي قضى حياته كلّها في خدمة العلم والدين، نجده يَقْشعرّ من الخوف ويقول: «والله لا أدري أتصير روحي إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فَأُعَزِّيها». الجنة والنار ? وروي عن جابر- رضي الله عنه- قال: «كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يخطب فيقول بعد أن يَحْمَد الله ويصلّى على أنبيائه: «أيها الناس إنّ لكم معالم فانتهُوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن العبد المؤمن بين مخافتين بين أجَلٍ قد مَضَى لا يدري ما الله قاضٍ فيه، وبين أجلٍ قد بَقِي لا يدري ما الله صانع فيه، فَلْيَأْخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشَّبيبة قبل الكِبَر، ومن الحياة قبل الممات، والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مُسْتَعْتَبٍ، وما بعد الدنيا من دارٍ إلا الجنّة أو النار، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم»، (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 18/ 116). وجاءت آيات القرآن الكريم تتلألأ بهذا المعنى حيث يقول عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)، «سورة الملك، الآية 12»، ويقول أيضاً: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)، (سورة البينة، الآية 7- 8). أما نحن اليوم، فإنّ الواحد منا يعيش حياته من دون نظام، ويظلم نفسه، ويفعل ما يفعل من الذنوب، وَيُقَصّر في حقوق الله، ومع ذلك فهو آمن مطمئن. فمثلاً: شخصٌ لا يُصلي ولا يزكي ويتعامل بالربا، تقول له: هل أنتَ خائف من الله؟ يقول لك: وماذا فعلتُ حتى أخاف، ضَعْفُ الإيمان هو السبب في ذلك، (أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)، (سورة الأعراف، الآية 99)، والمؤمن الصادق يستعظم الخطايا حتى وَلَوْ لَمْ تقع منه، فبعض المفكرين في عصرنا الحاضر، ظنوا أنهم يمكن أن يستعيضوا عن غرس الإيمان في النفوس وترهيبها من عذاب الله، وذلك بتنظيم القوانين الوضعية، لكنهم لم يُفْلحوا، وكانت النتيجة ازدياد الجرائم في كل يوم. طاعة الله أما الإسلام الذي غرس الإيمان في النفوس وربَّى أبناءه على طاعة الله، فقد عاش أبناؤه آمنين مطمئنين في سلامٍ وأمان بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بسيرهم على هدي كتاب ربهم وسنة نبيهم- صلى الله عليه وسلم-، ففي خلال ثلاثة قرون من تاريخ الإسلام المشرق وقعت ستّ سرقات فقط، بمعدل سرقة كلّ خمسين سنة، حدث ذلك في بلاد الإسلام من الصين شرقاً إلى أسبانيا غرباً، ومن المعلوم أن ديننا الإسلامي الحنيف قد اعتمد في تربية أبنائه على الإيمان بالله، ثم الخوف من يوم الحساب. إن الخوف من الله سبيل النجاح في الدنيا والآخرة، فاحرص أخي القارئ على أن تكون خائفاً من الله سبحانه وتعالى، وأن تُربي أولادك على ذلك، فإذا فعل ولدك شيئاً مُحَرّماً فَذَكِّره بضرورة الالتزام بالشريعة الغراء، وبالخوف من الله سبحانه وتعالى، وبأن الله مضطلع على كل شيء ولا تخفى عليه خافية، عندئذٍ يُصبح ذلك سلوكاً له، لأن من أَدَّبَ ولده صغيراً سُرَّ به كبيراً، أما إذا تركناهم هكذا من دون عناية وتوجيه، فستكون النتيجة مدمرة وقاسية. بقلم الشيخ الدكتور/ يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك ‏www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©