الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من الرمضاء إلى النار

من الرمضاء إلى النار
23 يناير 2014 21:27
توفيت أمي- رحمها الله- وأنا في الثالثة عشرة من عمري، كنت أدرس في بداية المرحلة الإعدادية، تركتني أنا وإخوتي الثلاثة، منهم اثنان أكبر مني والثالث أصغرنا آخر العنقود، بعد أشهر قليلة استشعرت أن أبي يبحث عن زوجة، لم أسترح لذلك، وهذا أمر طبيعي فلم أتخيل أي امرأة تحل مكان أمي مهما كانت، ولأنني صغيرة ومشغولة في دراستي لم أكن قادرة على القيام بمهام المنزل، وحتى لو كنت كذلك، فلن يثني ذلك أبي عن الزواج، لم يكن لي ولا لإخوتي رأي فيما أقدم عليه أبونا، صحيح أنه من حقه فهو في الأربعين من عمره، إلا أن أحزاننا على فراق ست الحبايب ما زالت حارة، ولا يمكن أن ننساها مهما مرّ من الشهور والسنين. نحو الزواج انتحيت جانباً وبكيت بحرقة ربما أكثر مما بكيت يوم وفاة أمي بعدما علمت أن أبي قد اتخذ خطوات جادة نحو الزواج، كان أكثر الأيام سواداً في حياتي كلها على الإطلاق، لم أكن قادرة على أن أعرف السبب وراء ذلك هل هو فقط فراق أمي، أم أنها غيرة على أبي أم المخاوف من المستقبل المجهول، أم هذا كله، ساءت حالتي النفسية وأحجمت عن تناول الطعام بلا قصد لأنني فقدت الشهية تماما، وللحقيقة فقد تأثرت حياتنا كلها ولم تعد إلينا الابتسامة منذ فارقتنا ودخلت مكانها الأحزان، وإخوتي ليسوا أحسن حالاً مني فكلنا في الهّم سواء. وتقدم أبي لخطبة امرأة سبق لها الزواج من قبل وتم طلاقها، وأنا لا أعرف لماذا طلقها زوجها الأول، ولم أبحث عن الأسباب، ولا يهمني ذلك، المهم أنني أرفضها هي أو غيرها حتى لو كانت عروس البحر، فأنا لا أرفض امرأة بعينها، ولكن أرفض جميع بنات حواء، لا أتقبل الأمر كله وأرفضه جملة وتفصيلاً، ومع ذلك لا أتحدث فيه حتى مع أشقائي، لأننا لا نفتح هذا الموضوع ولا نرغب في الحديث عنه لأنه ذو شجون، ونغالط أنفسنا ونسير وراء أهوائنا وأمنياتنا بألا تتم زيجة أبينا ونحن ندعو ونبتهل ويملؤنا الرعب ولا ندري ماذا يحدث في الغد. «العين الحمراء» وجاءت اللحظة الفارقة وتزوج أبي، لم تكن هناك احتفالات، لأن العريس أرمل والعروس مطلقة، لم تكن كبيرة في السن فعمرها تجاوز الخامسة والعشرين بقليل، وقد أظهرت لنا «العين الحمراء» منذ الأيام الأولى، استطاعت أن تفرض كلمتها علينا وعلى أبينا أيضاً، لا ندري ماذا فعلت كي يستجيب لكل مطالبها ولا يناقشها فيما تفعل، بل أستطيع أن أقول: إنه ينصاع لها كأنه تحت تأثير سحر قوي، لم يكن يتعامل مع أمي بتلك الطريقة، فقد كانت هادئة وديعة بلا مطالب تعرف ظروفه وتقدرها ولا تحمله إلا ما في استطاعته، لكن هذه لا يهمها شيء من ذلك، ولست متجنية عليها فيما أقول، لأن هذه ليست شهادتي فيها، بل كلام أقاربنا، خاصة عماتي وجدتي لأبي، فهم جميعاً غير راضين عنها وعن تصرفاتها. تغيير المسار أصبح أبي ألعوبة بين يدي زوجته، مثل الدمية تحركه كما يحلو لها، ولم يكن هذا وحده ما يعنينا، ولكن الأهم ما يخصنا بشكل مباشر، فقد أصبحت تتدخل في حياتنا، وحاولت أن تحول مسار تعليم إخوتي، وهي تهمس في أذن أبي بأن يوفر على نفسه المال والعناء وأن يلحقهم بالتعليم المتوسط ليقصر الطريق، لكن هذا هو الشيء الوحيد الذي رفضه وقال فيه لا بعد أن تدخل أعمامي وأخوالي ومارسوا ضغوطهم عليه، ونجا الأخوان الأكبران من مكيدتها التي لا نجد لها مبرراً، لكن عندما جاء دوري وحصلت على الشهادة الإعدادية بمجموع كبير يؤهلني للالتحاق بالثانوية العامة ومن ثم الجامعة، دست أنفها أيضاً وساقت المبررات بأنه لا داعي ولا قيمة لتعليم البنات، ولا يجوز أن يتركني أنتقل إلى مدينة أخرى لأتعلم بالجامعة، وفي الوقت نفسه لم أجد من يساندني أو من يدافع عني كما حدث من قبل، وعلى العكس سكت الجميع وكأن السكوت علامة الرضا، ولن أجرؤ على الحديث عن أمنياتي وطموحاتي، والتحقت بالتعليم الفني بإيعاز من زوجة أبي، ولم أفهم مغزى مقصدها إلا بعد فوات الأوان وباعترافها بأنها لا تريدني أن أكون متميزة بينما هي أمية جاهلة. دراسة وكانت الطامة الكبرى عندما وضعت زوجة أبي مولودها الأول، وتفرغت له تماماً واستغلت أنني الآن بلا دراسة أو عمل وألقت على كاهلي كل مسؤوليات الأسرة، وأهملت أبي نفسه، وقد كان شغفه بهذا المولود مثل من كان محروما من الإنجاب، وانساق وراءها رغم إهمالها له هو أيضاً، ولم أكن أشكو من كثرة ما أقوم به من أعمال منزلية، ولكن كثرة مطالب زوجة أبي المبالغ فيها، وعلاوة على ذلك، فقد أصبحت كثيرة الشكوى مني بشكل مستمر، فلا يعجبها شيء مما أفعل وتمارس عليَّ ضغوطاً نفسية، لكن ما كان يؤلمني أكثر هو أن أبي انساق أيضاً وراءها ويصدقها بلا نقاش ومن غير أن يستوثق من كلامها ويصدر أحكامه من دون أن يسمعني أو حتى يسألني، ضقت ذرعاً بتصرفاته وكرهت حياتي كلها، ولأنني ضعيفة فإنني لا أعرف كيف أدافع عن نفسي ولم تتح لي الفرصة لذلك، أبحث عن مفر فلا أجد إلى ذلك سبيلاً، لا حيلة لي غير الدموع التي كانت السبيل لتخفيف ما يدور بداخلي ولا تمر ليلة بلا بكاء. طوق النجاة ثلاثة أعوام وأنا في هذه المعاناة مثل الذي يواجه الغرق لا يأتيه الموت ولا يجد براً يرسو عليه أو من يمد له يده أو طوق النجاة لينقذه، وكثيراً ما تمنيت الموت من أجل الخلاص مما أنا فيه، ولكن ما كان له بداية لا بد أن يكون له نهاية، فقد جاءت بادرة الأمل بما لم يكن يخطر لي على بال أو أفكر فيه، فقد تقدم لي عريس يطلب يدي، لم أفكر في شخصيته ولم ألتفت إلى ظروفه، وافقت من غير أن يؤخذ رأيي، فالخروج من هنا هو أكبر ربح، ويكفي الخلاص من هذه المرأة التي جعلت حياتي جحيماً بكل ما تحوي الكلمة من معان، حتى إنني لم أفكر في مصير إخوتي من بعدي، لكن هم قادرون على المواجهة أكثر مني ولم يكونوا مُضارين من تلك الأوضاع، لأن زوجة أبي كانت تتجنبهم خشية أن ينقلب أبي عليها، فقد كانت من الخبث بمكان، حيث تحاول أن تؤلبنا على بعضنا ونحن لا ندرك ما ترمي إليه. الإعداد للعرس كنت في غاية السعادة عندما تمت قراءة الفاتحة والاتفاق على الخطوبة والدخول في تفاصيل التجهيز والإعداد للعرس والتي لم تكن كالمعتاد لما يحدث، فلم تقم زوجة أبي بما يجب عليها أو ما يجب أن تفعله الأم نحو ابنتها في هذه الظروف، وجدتني وحيدة، لكن كل هذا لا يهم، المهم أن أخرج من هذا البيت، ومع أنني وجدت من تهمس في أذني بأن عريسي يكبرني بحوالي عشرين عاماً أي أن عمره ضعف عمري، ليس هذا فقط، بل كذلك ظروفه مثل ظروف أبي عندما تزوج، فالعريس أرمل توفيت زوجته منذ عام وله ابنتان وولد، الفتاة الكبرى منهم تقاربني في العمر فهي أصغر مني بثلاث سنوات، لكن ذلك لم يثنني ولم يجعلني أتراجع. عندما قلبت الأمر على كل جوانبه لم أجد ما يعيب، فلماذا لا أعوض هؤلاء عن أمهم؟ ولماذا لا أكون صديقة لهم وخاصة أنني عانيت من زوجة الأب، وعاهدت نفسي على أن أكون زوجة مخلصة وأتحمل المسؤولية مع زوجي ولا أكون نسخة سيئة من زوجة أبي التي سامتني سوء العذاب، وكان الزواج بلا حفل أو طقوس والسبب مراعاة لزوجي الذي فقد زوجته ورأى أنه لا يجوز أن يقيم احتفالاً في هذه الظروف، ولم أهتم بهذه الشكليات، ولكن بالطبع مثل كل فتاة كنت أحلم بالفستان الأبيض وبزوج يقاربني في العمر ونتشارك في الأحلام، وأن يُقام لي عرس كبير وأذهب إلى الكوافيرة وإلى ستديو التصوير، كما يحدث في كل الأعراس، لكن زوجة أبي جعلتني أتنازل عن هذا كله مقابل الفرار منها. يدي الممدودة منذ اللحظات الأولى في بيت زوجي اتخذ أبناؤه مني موقفاً معادياً بشكل مُعلن، فشلت كل جهودي وتنازلاتي في إثنائهم عن موقفهم، يرفضون يدي الممدودة إليهم، لا يقبلون الطعام الذي أعده لهم، خاصة ابنته الكبرى التي كانت تقود تحالفاً وتقاتل بالحق والباطل، وتحرض إخوتها وأباها ضدي، لا تكف عن الشكوى والتذمر والتمرد، لكن الطامة الكبرى أن زوجي كان على عكس ما فعل أبي تماماً، انحاز إلى جانب أولاده ومن غير أن يسمعني أيضاً، ينتصر لهم ويُعلن غضبه بلا مبرر، يصدق كل ما يقولون من غير تأكيد أو توثيق، أتاح الفرصة لهم كي يتطاولوا عليَّ، ووصل الأمر إلى حد السب والتوبيخ، وهو يعلم ولا يعتبر أن كرامتي من كرامته. لا أدري لماذا تأتي كل الأشياء مقلوبة عندي، فلم أجد الإنصاف لا في بيت أبي، ولا في بيت زوجي، ووجدت الظلم في كليهما، ما كنت أريده لا أطمع في أن يقسو على أبنائه، وإنما فقط أن ينصفني وأن يعدل في الأحكام، لكنه سار وراء الأوهام والحكايات التي يتداولها الناس عن زوجة الأب وأنها دائماً ظالمة قاسية تعذب أبناء زوجها ولا تأخذها بهم رأفة ولا رحمة، مع أنه يسمع ويرى ما يحدث أمامه، حتى عندما أريد أن أوضح له موقفي ينهرني ولا يمنحني الفرصة ويقاطعني ويحرجني أمامهم فأعود إلى دموعي وأنعي حظي العاثر. والآن لا أعرف ماذا أفعل، فالطلاق ليس حلاً، والعودة إلى بيت أبي ليست أفضل، وفي الوقت نفسه لا أستطيع أن أواصل حياتي في هذه الأجواء مع الظلم الذي يقتلني.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©