الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الجَبليّون.. فن تدبير العيش

الجَبليّون.. فن تدبير العيش
18 أكتوبر 2018 02:12

أعدّ الملف: محمد عبد السميع

الجبال إحساس من العزة والفخر، ترسم ألواناً بهية، رغم تطاول السنين، زاهية تلعب على وتر الحنين. ففي المجتمع الجبلي القائم على بيت القفل والصفة والوعب والمطبخ وبيت الرحى وبركة الماء والدكة كوحدات سكنية ومعيشية للأسرة الواحدة، يشعر المرء بتجذّر الانتماء وشدته بين أبناء الجبال، وذلك التراث الثقافي الهائل الناجم عن مهارتهم في تدبير العيش، وتطويع البيئة ومنتجاتها لخدمتهم والوفاء باحتياجاتهم الحياتية.في هذا الاستطلاع الذي يتضمن لقاءات عدة، كنا أجريناها مع بعض أبناء البيئة الجبلية منذ سنوات عدة مضت، نلقي الضوء على بعض المظاهر الحياتية لأهل الجبال ومسيرتهم في الكفاح من أجل العيش.

مارس سعيد راشد حمبوص الظهوري حياته في الجبال قديماً، واشتغل في رعي الماشية وزراعة البر وجلب الحطب من الجبل لبيعه في أسواق شعم وخصب، أي الأسواق الساحلية برأس الخيمة قديماً.
يقول سعيد: أنا من أسرة عاشت حياة الجبال بكل معانيها، حيث كان أفرادها يتوزعون في كل صباح، فالأب والأخ الكبير يحتطبان (أي يجلبان الحطب) ومتابعة البُرّ (القمح) إذا كان في موسم الزراعة، أما النساء فيجلبن الماء من البرك آنذاك. والأولاد من سن سبع سنوات يمارسون رعي الأغنام.
وفي موسم الصيف ننتقل مع المرعى على الجبال، حيث نستقر هناك قرابة الأشهر الثلاثة في بيت يدعى الصفة، وهو البيت الصيفي المصنوع من جذوع الأشجار، وفي الشتاء ننزل إلى الوادي للاحتماء من البرد مع ماشيتنا فلم يكن يوجد في تلك الفترة ما يقينا من البرد سوى الأغطية البسيطة المصنعة محلياً من صوف الماعز وشعر الغنم، وبيت القفل الشتوي المصمم خصيصاً للاحتماء فيه من البرد، بيت مبني من الأحجار الكبيرة قديماً يصل عمقه متراً ونصف المتر تحت الأرض ونصف متر فوق الأرض، وهو محمي من اللصوص ومن الحيوانات المفترسة (كالنمور) المنتشرة قديماً وذلك بسبب بنائه المميز.
وكانت معظم أدواتنا المعيشية تصنع محلياً، فالأوعية الفخارية (الصحون الفناجين الدلال...الخ) تصنع في وادي شعم وشمل برأس الخيمة، والأوعية المصنوعة من سعف النخيل (السعف السفرة المغطي...الخ) كانت تصنعها النساء.

منتجات محلية
ويتابع سعيد راشد: كل منتجاتنا محلية ومن بيئتنا، حتى كنا نصنع من صوف الماعز الأغطية والبشوت وبطانة البعير والعقال والأحزمة، ومن حليب الأغنام نصنع اللبن والجبن والدهن، وما كانت تنتجه لنا الأرض آنذاك في موسم الأمطار من نباتات مثل الخنصور والتين بأنواعه والحماض والميز والنخيل، كنا نستفيد منها في موسم الرطب، أي الصيف، وعند طلوع الرطب، وقبل نضجه (يجد) أي يقص ويوضع في الشمس، ويعلق في البيوت لحمايته من الحشرات بواسطة الحبال أو جريد النخل، وبعد نضجه يوضع مرة ثانية في الشمس لمدة يوم واحد ثم يوضع في الخروس (الخرس وعاء يحفظ فيه التمر قديماً). ويضيف الوالد سعيد: الأسلحة القديمة مقتصرة فقط على السكين (اليرز)، وهي مصنعة في الخارج، وكانت تستخدم في الاحتفالات والقنص قديماً.
ويشير سعيد إلى أن سلاح (اليرز) سلاح جبلي ورمز لأهله، وأحد مكملات الزي الرسمي، ويصنع من أغصان الشجر الجبلي، وينقش بطريقة تراثية تعبر عن البيئة الجبلية.

أعراس جبلية
ويقول سعيد سبت سعدين الظهوري: يقام العرس في الديرة، بعد أن يجتمع أهل الديرة بالجبل للتشاور ومعرفة الأسر التي لديها مناسبة زواج لإقامة حفل زواج مشترك. والعرس نوعان: نوع زواج ونوع ختان (للأولاد) ويكون في موسم الصيف، لأن الذبائح تكون متوافرة من الأغنام والماعز، وكذلك الحصاد موجود (القمح والشعير)، وعلى هذا الأساس يخصص العرس في هذا الموسم. ويقام العرس عادة يوم الاثنين،
وينتهي الثلاثاء، وتبدأ مظاهر العرس بقدوم الضيوف الذين يجتمعون في مكان مخصص، ثم يطلعون إلى مكان بارز ليراهم أهل الديرة، وأول ما يقومون به الندبه (هو نوع من أنواع الفنون الشعبية الخاصة بسكان الجبال)، ثم إطلاق النار بالشورى ثم السيرة، أي المشي رجالاً ونساء وأطفالاً حتى يصلوا إلى المكان المخصص للضيوف يندبون فيه يسمى (المحرم) أو (المندب) ويسلمون على أهل الديرة، ثم يجتمعون بعد الاحتفال على الموائد وضيوف المعرس، ولا يبيتون كلهم عند أهل المعرس، بل يتوزعون على البيوت وهو نوع من التعاون آنذاك. وفي اليوم التالي، بعد الإفطار، يقوم الضيوف بالتجوال على البيوت المجاورة لشرب القهوة والسلام على أرحامهم من كبار السن (رجالاً ونساء)، ثم يرجعون إلى مكان الاحتفال، فإذا كانت الساعة قبل العاشرة يبدأ بالرواح (المسيرح) وإذا كانت بعد العاشرة يبدأ (بالصادر) ويستمر حتى الساعة الثانية عشرة، ثم يبدأون بالرواح حتى المغرب، ثم بعد المغرب يبدأون (بالسيري)، وكلها من أنواع الفنون الشعبية الخاصة بهم.
وإذا كان العرس زواجاً يجتمع أهل العروسين بعد صلاة العصر ويدخل المعرس برفقة شخصين من أعمامه أو إخوانه أو أخواله، يمسكان بيديه من الجهة اليمنى واليسرى، وهنا تؤدى رزفه خاصة بدخوله تسمى (اليلوية)، ثم تقام (الحفه) وهي تخص خال المعرس، حيث يقوم بقص خصلة من مقدمة المعرس وهي عادة قديمة لديهم.
ثم يذهبون به إلى بيت الفتاة (العروس) مجتمعين، ويدخل إلى الفتاة، ويسلم عليها، ويقدم هدية كالذهب أو مبلغاً من المال يسمى (وجه) ثم يخرج بعدها ويبدأ العشاء (الوليمة). وبعد العشاء يستمر الرواح والرزيف طوال الليل، ثم في صباح اليوم الثاني يفطر الضيوف وينتهي العرس.
وعلى الترتيب نفسه يسير عرس (الختان) من اليلوية والحفة والختانة، حيث يؤديها أشخاص متخصصون فيها من أسر معينة، فبعد اليوم الثاني تتمالختانة ثم يفطر الناس وينتهي احتفال الختانة ويتفرقون، وبداية الفراق في العرس (الزواج والختان) توجد لها شلة وهي شلة الوداع وتسمى (هلوه هليوه هليوه).

صناعات وحرف
ويشير عبدالله الظهوري، أحد صناع الطبل، إلى أن تلك الصناعة تعتمد على جلد الأغنام الذي يتم دبغه بطريقة خاصة، حيث يرش الملح بكثافة على جلد الشاه ويترك لمدة أسبوع حتى يجف، ثم تدق نبتة العلق وتخلط بالماء الذي يوضع فيه الجلد من جديد لمدة 5 ساعات حتى يصبح ليناً.
وعن صناعة الغزل والنسيج، يقول زيد أحمد الظهوري: إن تلك المهنة تعتمد في موادهاعلى شعر الأغنام بشكل رئيس، بحيث تحلق الأغنام الجبلية ويصفى شعرها وينظف، ثم يضرب بالعصا لمدة 40 دقيقة حتى يصبح ناعماً ومتماسكاً، موضحاً أنه بعد ذلك تتم الاستعانة بأداة خشبية لا يتعدى طولها نصف متر تعلوها قطعة خشبية دائرية، ويدخل الشعر من طرف المغزل ويبرم بواسطة اليد بحركة دائرية متكررة، تؤدي في النهاية لتكوين الخيوط. وأكد أن النسيج كان يتم في الحياة الجبلية عن طريق تحديد وشكل وحجم الشيء المراد صناعته، وهو دائماً كان على هيئة شكل مستطيل، لافتاً إلى أن تلك المهنة ورثها عن أجداده، لكنها تحولت لتراث ثقافي هائل.
وعن مهنة التجبير، يقول زيد الظهوري: إن مادتها تؤخذ من أوراق شجر السدر التي تدق بالحصا، وفي حال كان يابساً تمزج بالملح، ثم توضع على المكان المكسور، وبعد ذلك يوضع خشب التجبيرة ويلف بالقماش بعناية فائقة بهدف المحافظة على ثبات الجبيرة لمدة تتراوح ما بين 20 و30 يوماً حتى يتأكد المريض أنه أصبح طبيعياً. ويختم زيد: يعد الحطب المصدر الوحيد للوقود، خاصة في وقت الشتاء مع حاجة الناس للتدفئة، ويقوم بتوفير الحطب بعض الذين عملوا في مهنة التحطيب، والذين يتولون تقطيع الشجر اليابس بواسطة «الخصين» وهي أداة حديدية، ثم يتم جمع الحطب المقطع في «القعز»، ثم يحمل للسوق ليباع.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©