الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

احترام القانون يعلي القيم الاجتماعية والأخلاقية المتحضرة

احترام القانون يعلي القيم الاجتماعية والأخلاقية المتحضرة
23 يناير 2014 21:26
علاقة جدلية متشابكة بين مفاهيم السلوك العام، والانضباط السلوكي، والأخلاق العامة، والالتزام الذاتي، والخوف من القانون أو العقوبة، والبعد التربوي للقانون. والسؤال هنا هل نحن نلتزم بتنفيذ القانون لأننا نخشى العقوبة فحسب؟ أم لأن الانضباط في كافة مفردات سلوكياتنا اليومية جزء من ثقافتنا العامة، ولأن الالتزام الذاتي بالقوانين المنظمة لحركة المجتمع قيمة أخلاقية في المجتمعات المتحضرة؟ وأياً كانت النتائج، فالقوانين الوضعية في أي مكان، لم تشرع لمجرد توقيع العقوبات على الناس، وإنما فلسفة العقوبة تكمن في كونها عامل «ردع» لمنع المخالفة قبل وقوعها، ومحاسبة المخالف إن ارتكبها حتى لا يكررها هو أو غيره من أفراد المجتمع. ومن ثم تتحول عملية اعتياد الانصياع للقانون، إلى «عادة وحالة من التقبل والتحقق» للهدف الذي شُرع من أجله هذا القانون وذاك. خورشيد حرفوش (أبوظبي)- السلوك المتحضر قيمة أخلاقية واجتماعية كبيرة ومهمة من قيم المجتمع. وغالباً ما يأتي السلوك كنتيجة طبيعية للفكر الناضج السليم وليس العكس، ومن ثم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور الوعي والمعرفة. ولعل قمة حالات السلوك المتحضر، أن يكون هو نفسه هادفاً وغاية نسعى إلى تحقيقها. فعادة ما نرى شخصاً يرتكب مخالفات المرور البسيطة والجسيمة، أو يتخلص من مخلفاته من نافذة السيارة في عرض الطريق، أو لا يلتزم بعدم التدخين في أماكن ممنوع فيها، أو لا يلتزم بدوره في «الطابور» في أي مكان يقصده، أو غير ذلك من نماذج عدم الالتزام والانضباط في الأماكن العامة، وهي كثيرة. احترام القانون قد نحكم على أصحاب هذه السلوكات «المتعمدة»، بعدم الوعي أوعدم الالتزام، وقد يكون عدم النضج الأخلاقي وانعدام الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية أو الاجتماعية. وإن رأينا امتثالاً وانضباطاً في سلوكات الناس، فقد يكون ذلك انعكاس لحالة متقدمة من الوعي والانضباط والالتزام والتحضر، مهما كان ذلك عن قناعة ذاتية ووعي كبيرين، وإما لأن صاحبها يتجنب الوقوع تحت طائلة القانون، ومن ثم الغرامة أو العقوبة والمساءلة الاجتماعية والقانونية. في الحالتين، تتجسد القيمة الأخلاقية والتربوية في تنفيذ القانون، وتتجلى آداب وأخلاق القانون في الالتزام بأوامره ونواهيه؛ فإلى أي مدى يسهم القانون في تحقق البعد الأخلاقي والتربوي عند الناس؟ أو بمعنى آخر هل الخوف من القانون كفيل بأن يكسب الناس «عادة» السلوك المتحضر. في هذا الإطار، يقول جميل مراد (موظف): «ليس هناك من يسلم من ارتكاب أخطاء أو تصرفات سلوكية سلبية تتفاوت حدة رفضها هنا أو هناك، وهي في معظمها تدل وتعكس وعي الشخص ونضجه والتزامه، وهناك كثير من القوانين التي تعلم الناس السلوك المنضبط، أو الذي يتمشى مع نظام المجتمع، أو مؤسساته الاجتماعية، ولكل مجتمع ثقافته وعاداته وتقاليده وأعرافه، فقد ينتقل الشخص من مكان لآخر، أو من مجتمع أو دولة لأخرى، ويكتشف أن المجتمع الجديد له ثقافته وعاداته، وقوانينه، وانصياعه لهذه العادات والقوانين تصبح عادة سلوكية اعتيادية في حياته. فقد يتعلم أشياءً جديدة. وللقانون هنا دور تعليمي. فكثيراً ما نجد أن السبب الأول وراء كثير من السلوكات السلبية هو عدم وجود أو وضوح الضابط الأخلاقي والدافع الأساس للالتزام، فالإنسان يحسب ألف حساب، ويراجع نفسه طوال الوقت فيما كان سلوكه منضبطاً أم لا، وقد يكون السبب هو الخوف من التعرض لسلطة القانون، ونجد الطالب يحرص على الحضور مبكرا إلى المدرسة خوفا من المعلم أو العقوبة وأقلّها استدعاء ولي الأمر، ونجد الشخص خلال مراجعاته أية مؤسسة لا يستطيع أن يتجاوز بحق الموظف مهما كانت أهمية معاملته، والضابط هنا أيضا، الخوف من الوقوع تحت طائلة القانون، وهذا الخوف خوف إيجابي يعني الانضباط الأخلاقي». ترى الأخصائية النفسية موزة المنصوري أن عدم التزام البعض بالقوانين التي تنظم الحياة العامة، ربما يرجع إلى عدم وجود، أو عدم وضوح الضابط الأخلاقي، أو عدم النضج الاجتماعي، ومن ثم يظهر الخوف ليصبح الدافع وراء الالتزام، فالتربية والتنشئة الاجتماعية السليمة التي تتمثل في الأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام، من شأنها أن تغرس القيم الصحيحة في المجتمع، حتى يصبح الالتزام والانضباط ثقافة عامة بين جميع أفراد المجتمع، فالخوف من العقوبة يمكن أن يكون ضابطاً في مرحلة معينة، أما المعيار الأخلاقي فهو أمر نسبي، وكل شخص يضع معاييره الخاصة بنظامه الأخلاقي بما يتفق ونظام المجتمع وثقافته، فما تراه أنت عيباً قد يراه آخر أنه هو الصحيح، فالتربية لم تعد معزولة عن أدوات تنفيذها، وكلما ابتعدت مدخلات التربية عن مَن ينفذها، كلما رأيت نظاماً اجتماعياً هزيلاً، ابتداءً من الأسرة ومروراً بكافة مؤسسات المجتمع، ومن ثم ينبغي أن يكون السلوك السليم وعدم المخالفة أو الإضرار بالمال العام، أو الإساءة إلى جماليات الأماكن العامة مثلاً، والحفاظ على رونق المكان، وحركة السير والمرور، واستعمال المرافق العامة، يخضع لمعايير عامة وقوانين من شأنها أن تحافظ علي الصورة العامة بما يتسق وثقافة المجتمع المتحضر». وتضيف: «الشخص كلما ازداد وعيه لا يمكن أن يتعدى - بشكل عام- على الممتلكات العامة، أو يتعمد مخالفة القوانين، حتى لو في قطف غصن أو زهرة في حديقة عامة، لأنه يعلم أنه يدفع ضريبة الاستمتاع بما هو عام، وأنها جزء من ممتلكات المجتمع، وإذا حافظ عليها، إنما هو يحافظ على ممتلكات الشخصية، ويصبح مثل هذا السلوك دافعاً أخلاقياً يستمتع هو به دائماً». علاقات بنائية اللواء دكتور عبدالله الشيخ، أستاذ القانون بكلية الشرطة، يؤكد أن هناك علاقة تبادلية وبنائية وثيقة ومتشابكة بين القوانين الوضعية، والقيم الاجتماعية الأخلاقية والسلوكية في المجتمع، لدرجة أنها تبدو منظومة واحدة مترابطة تؤسس لمجتمع راق ومتحضر. ويوضح: «تقدم المجتمعات يقاس بمدى تطبيق وتحقيق سيادة القانون فيه، وكيف له أن يصوغ ويتحكم في رسم العلاقات الاجتماعية بين أفراده، ومؤسساته، أي أنه يحقق الانضباط والالتزام المقصود وفق معايير قانونية محددة، هي في الأصل معايير أخلاقية عامة، وتحضر أي مجتمع يقاس أيضاً بدرجة استجابة أفراده لهذه القوانين، وانصياعهم لها». ويتابع: «من المؤكد أن توقيع أي نوع من العقوبة القانونية في حالة المخالفة البسيطة أو حتى عند وقوع الجريمة، ليس القصد منه إلحاق الأذى بصاحبها والنيل من حريته، بل هناك بعد تربوي وأخلاقي واجتماعي آخر من تطبيق وإنفاذ القانون وهو تحقق هدف الردع العام والوقاية من تكرار الشخص نفسه أو غيره من ارتكاب جرم مماثل حتى يسلم المجتمع، ويتحقق الأمن، والسلامة، والعدالة، والاستقرار، والنظام». ويقول الشيخ: إن القانون يعرف بأنه مجموع القواعد العامة التي تنظم الروابط الاجتماعية ويلزم الأفراد بجزاء مادي يوقع جبراً على من يخالفها بوساطة السلطة العامة المختصة، كما أن للقانون وظيفة رئيسية ألا وهي إقامة التوازن بين المصالح المختلفة داخل الجماعة، وتنظيمه للروابط الاجتماعية، والعمل على بقاء المجتمع وتقدمه ولا تتحقق هذه الغاية إلا بمراعاة أمرين: أولهما، تحقيق الحاجات الفردية وذلك عن طريق صون حريات الأفراد ومصالحهم الخاصة، وثانيهما حفظ كيان المجتمع، ونظامه، وكفالة المصلحة العامة. يؤكد الشيخ أن لوجود القانون أهمية كبيرة في ضبط سلوك الأفراد داخل المجتمع، وذلك لأن الفرد يصدر في تصرفاته عن غريزة حبه لذاته، وإذا ترك الأمر له، والسلوك وفقاً لمشيئته فقد يغلب مصلحته على مصلحة الآخرين والمجتمع، عندئذ لا يجني المجتمع من ذلك سوى الاضطراب والفوضى. لذا تصبح المعرفة القانونية من العوامل المساعدة على تعديل وتقويم سلوك الناس، من حيث الالتزام والانضباط واحترام القانون. ويشير الشيخ إلى أن المقصود هنا بـ «المعرفة القانونية»، هي حصول الحد الأدنى من الإدراك والفهم للنصوص القانونية ذات العلاقة بعمل الموظف، فلا نقصد بالمعرفة القانونية حصول العلم فقط أي المعرفة بالقوانين والتشريعات، إذ إن العلم المفترض بالقانون لا يكفي للحد من الانحراف وارتكاب الجريمة، بل ينبغي أن يقترن العلم بالفهم وبالقناعة المتولدة لدى الأفراد بموجبات هذه القوانين وضرورة الالتزام بها. ويوضح: «يدخل في ذلك عدد من القوانين والأنظمة والتعليمات التي تنظم حياة الناس وعلاقاتهم ونشاطاتهم اليومية التي تحث على الالتزام بالمعايير القانونية والاجتماعية والإدارية والأخلاقية في المجتمع، ومنها ما يتعلق بالحق العام، والملكية العامة، وتحقق المصلحة العامة للمجتمع»، مضيفاً: «من هنا يبرز الدور التربوي والتعليمي لإنفاذ القانون، لأن امتثال الشخص للقوانين العامة المنظمة، تحقق البعد الأدبي والأخلاقي في اعتياده الانصياع لهذا القانون أو تلك، كما ينصاع غيره من دون تمييز، وتصبح مسألة احترام القانون ثقافة سائدة تؤشر على تقدم المجتمع وتحضره». عادة مكتسبة الإعلامية بتلفزيون دبي، مديحة معارج، ترى أن الخوف من العقوبة أو الجزاء يصبح في أحوال كثيرة رادعاً لتجنب الوقوع في المخالفات السلوكية التي تتعلق بالحق العام للمجتمع، وهذا الخوف يتعلق بدرجة الوعي، فإذا كان الشخص على درجة عالية من الوعي والانضباط الأخلاقي، فإنه سيكون حريصاً على المصلحة العامة للمجتمع، والعكس صحيح، وهذا الوعي من شأنه أن يصبح دافعاً ومحفزاً لعدم الوقوع في الخطأ أو في ارتكاب مخالفة ما، وتكرار الانضباط يصبح عادة مكتسبة؛ فالشخص الذي يرتكب مخالفة مرورية، ويتعرض لغرامة مالية كبيرة، أو حجز لسيارته، فإنه بلا شك سيحاول عدم تكرار المخالفة، وعدم الوقوع فيها مجدداً، لأنه لا يستطع دفع غرامات باهظة كل يوم، ومن ثم سيضطر إلى الانصياع واحترام القانون، ومن ثم يكون الهدف من العقوبة قد تحقق في إكساب الشخص عادة سلوكية سليمة وإيجابية، ويعتادها بالضرورة، وربما تصبح جزءاً من ثقافته في المستقبل. وتتابع: “هنا يمكن القول أن الخوف من العقوبة هو الدافع وراء الالتزام، إن لم يكن الدافع أخلاقيا أو نابعا من فهم وإدراك للحاجة إلى الالتزام بالنظام». وتضيف معارج «لوسائل الإعلام دور مهم في نشر الثقافة المتمدنة الإيجابية بين أفراد المجتمع، من خلال نبذ السلوك السلبي وإبراز وتشجيع السلوكات الإيجابية، مهما كانت بسيطة ومحدودة، فذلك يعمل على أن تنتشر بين الناس بمرور الوقت».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©