الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

جنوب لبنان الجريح يهزم العدوان بابتسامة البقاء والنصر

جنوب لبنان الجريح يهزم العدوان بابتسامة البقاء والنصر
18 أغسطس 2006 01:06
بيروت-رفيق نصرالله: الطريق الى جنوب لبنان لم يعد كما كان تحفة بساتين البرتقال والليمون ولا تلك النخلات التي كانت تستقبلك عند مداخل صيدا·· الطريق الى الجنوب الآن صار صعباً، تطوي عنقه قبضة الموت الذي جاء من السماء حيث سكنت الطائرات حدود الغيم ورمت رمادها في الممرات التي كان يسلكها الفقراء الذين ما تعبوا من انتماءاتهم· النهر لا يزال في مجراه عند القاسمية، لكنه رمى ربطة عنقه التي مزقتها الطائرات وبكى عندما هوى الجسر الذي زين كتفه منذ ان اختار مجراه ليذهب نحو البحر كي يمارس لعبة لم تنته طالما لا يزال المطر ولا يزال النبع يتفجر ليولد النهر· في منطقة الزهراني انتحار سريالي لمجموعة جسور ضربتها الطائرات أول أيام الحرب، ثم جاءت قبل ساعتين فقط من موعد وقف إطلاق النار لتضربها من جديد حتى لا يبقى حجر على حجر· والبساتين التي كانت تحيط بالمكان احترقت·· سقط البرتقال في غير موسمه، والارض الارجوانية اللون سكن الرماد وجهها، والهضاب المحيطة بالمكان هوت اسقف بعض البيوت التي كانت يوماً هنا· بين الزهراني والقاسمية وحتى مدخل صور، سينوغرافيا الحرب تعطي فكرة عما يمكن ان تفعله الطائرات او البوارج عن بعد· كل شيء هنا يبدو كما لو انه خلع عنه ثوبه او ان مجموعة من ''التتار'' هجمت على بيوت الفقراء فخلفت فيها ما يخلفه ''تسونامي'' الذي يأتي عادة غدراً ودون انذار مسبق· اما صور مدينة التاريخ والبحر والجغرافيا لم تعد صور التي نعرفها، تبدو كحصان خرج من المعركة وهو مثخن بالجراح· شرفات تهاوت ومحال تجارية تمزقت وشوارع سكنها الدمار وساحات لم تعد هي، حتى تلك المساحة من الآثار التي اشتهرت بها المدينة، بدت كما لو ان احداً جاء ليعتدي على التاريخ نفسه· الخروج من صور صار صعباً، فالمسافة الفاصلة اساساً بين بيروت وصور (90 كلم) استغرقت 5 ساعات بسبب تقطع الأوصال، وكذلك الطرق التي تخرج من صور نحو برج رحال، او باتجاه قانا او جنوباً نحو الناقورة، انها محفورة تماماً، حتى ان الطائرات بدت كما لو انها كلفت بحفر آبار ارتوازية في هذه الطرق او قرب البيوت لشدة ما استخدمت من قذائف وقنابل لم يتعودها اللبنانيون الذين واجهوا حروباً كثيرة شنتها عليهم اسرائيل منذ العام 1948 حيث وقعت مجزرة حولا (89 شهيداً) وحتى الثاني عشر من يوليو ·2006 دير قانون النهر·· بيوت على الارض ومدخل البلدة محطم واناس يعودون تباعاً يطلقون زفراتهم وبعض دموعهم لكن فجأة تزغرد امرأة وتصرخ ''كلنا فداء للمقاومة''· وفي البلدة عدد من الشهداء يجري تشييعهم· في صريفا، كان بقي 26 شهيداً تحت الأنقاض كلهم من الشباب، كانوا ينامون في ثلاثة بيوت متجاورة الى ان رمتهم الطائرات، وظل هؤلاء تحت الانقاض 28 يوماً الى ان عاد اهل صريفا بعد ساعة من قرار وقف اطلاق النار ليرفعوا ما بقي من جثث وقد تحللت وليتم اجراء مراسم دفن جماعية حيث تم اختيار مكان مخصص لدفنهم معاً وليتحول المكان الى مزار كرمز لصمود البلدة التي تهدم أكثر من نصفها· والى قانا·· المتعبة، المرصودة على ان تكون دائماً على لائحة الموت الاسرائيلي، هنا الكل يتحدث عن المجزرة، عن الاطفال الذين غابوا تحت الرماد· عاد أهل قانا، 42 منزلاً بالكامل هدمت، طرقات محفورة بالقنابل، حتى رمز شهداء قانا 1996 لحقت به الشظايا كأن الطائرات الاسرائيلية تريد ان تنتقم حتى من الشهداء الذين مضوا· وبين تبنين وبنت جبيل خط الآلام والدمار والموت، هنا المعارك عن قرب، وهنا سطر المقاومون ملاحم يتحدث عنها الذين بقوا في المكان· بنت جبيل الساحة المدمرة، البيوت المتهالكة، الحطام الذي يزين كل مكان، الشارع الرئيسي الذي كان يميز المدينة التي كانت عاصمة لفقراء القرى من حولها، الجميع يتحدث عن البطولات التي حالت دون ان يدخل الاسرائيليون المدينة رغم كل ما فعلوه وما رموا به بيوتها وشوارعها لمطاردة المقاومين· والنقطة الفاصلة بين عيناتا وبنت جبيل هي أرض المواجهة، بقايا دبابات اسرائيلية لا تزال هنا كما لا يزال صراخهم الذي كان يسمعه رجال المقاومة 60 شهيداً سقطوا بين عيترون وعيناتا وبنت جبيل والقرى المحيطة، رمتهم الطائرات بلا رحمة مستخدمة كل ما تملك من مواصفات خاصة لصواريخها· في عيترون، كانت بعض الجثث لا تزال في بيوت هناك وقد هوت، وكان المقاومون لا يزالون ايضاً، انها البلدة المحاذية للخط الازرق والتي دفعت الثمن باكراً حيث تواصل الحصار والقصف للبلدة لأكثر من سبعة أيام· وفي بليدا، بيوت على الارض وآثار المعركة القاسية شرقي البلدة لا تزال واضحة، السكان معظمهم عاد والكل يسأل عمن بقي محاصراً· في ميس الجبل، ثلاثة منازل هوت ومراسم لدفن اربعة شهداء· يشير سكان البلدة الى حجم الدمار في الساحة ولماذا تقصدت الطائرات الاسرائيلية ضرب السوق التجاري في البلدة التي عجزوا عن الدخول اليها وهي على بعد امتار من مستعمرة المنارة التي احترقت اجزاء منها ومن الاراضي المحيطة بها· حولا·· البلدة التي بكّر الاسرائيليون في ارتكاب المجازر فيها، كان اهلها يشيعون أربعة شهداء بقيت جثثهم على الارض منها جثة امرأة قتلتها القذيفة وهي تخرج الماء من بئرها فيما كانت جثة رجل عجوز لا تزال تحت الركام منذ عشرة ايام· بين حولا ومركبا، آثار المعركة القاسية التي دمرت فيها عدة دبابات للاسرائيليين في منطقة اسمها القمع، ربما لن ينسى الاسرائيليون هذا المكان الذي وقعوا فيه بالكمين، وعلى يمين الصورة وادي هونين الذي تحول الى واد جمعت فيه بقايا مجزرة الدبابات الاسرائيلية المحطمة وعددها 18 دبابة ميركافا· وعند مدخل العديسة، المشهد دمار، هنا وقعت المواجهات الاولى عندما حاول الاسرائيليون اقتحام المكان في طريقهم الى مشروع الطيبة· وبين العديسة وكفركلا، الاسرائيليون لا يزالون هنا، دبابة ميركافا انقلبت رأساً على عقب قرب الشريط، ودبابات معطوبة لم يتمكن الاسرائيليون من نقلها·· كفركلا عاد اهلها رغم كل شيء، تسعة من اهلها كانوا تحت الانقاض، وكفركلا البلدة المجاورة للحدود حيث بوابة فاطمة الشهيرة كرمز للانسحاب الاسرائيلي عام ألفين· وبين كفركلا ومدخل برج الملوك والقليعة، تظهر الآثار على الأرض حجم ما شهدته المنطقة من مواجهات بين الدبابات الاسرائيلية ورجال المقاومة· جسر الخردلي على الليطاني دمره الاسرائيليون تماماً، أرادوا قطع أوصال المنطقة· الاهالي رموا جذوع الاشجار وبعض الصخور كي يقيموا جسراً ليعودوا· وفي طريق العودة الى النبطية·· انه الدمار ايضاً وايضاً في الشارع الرئيسي الذي دمرت معظم محاله التجارية والبيوت المجاورة· حي البياض الذي له حصة كما في كل حرب دمار في العشرات من المنازل وشظايا على واجهة لمستشفى المدينة· وفي الدوير غربي النبطية، يشير الأهالي الى المنزل الذي قتل فيه شيخ واطفاله السبعة في اليوم الثاني من بداية العدوان، لقد خسرت الدوير كما القرى المجاورة العديد من ابنائها· كثيرة هي القرى التي يلفها الحزن في الجنوب ولا توجد قرية واحدة لم يترك فيها الاسرائيليون بصماتهم الموجعة· انه التشييع الجماعي لاكثر من 340 شهيداً من المدنيين الأبرياء ومعظمهم من اطفال ونساء في اليوم الثالث من العودة عدا آلاف الجرحى وآلاف المنازل المدمرة· انه الجنوب مرة اخرى لم يتعب من مساكنة الجغرافية حيث يأتيه الموت تباعاً منذ العام 1948 ومع هذا ثمة من يصر هنا على الابتسام وعلى رفع شارة البقاء والنصر·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©