من دون التقليل من كل المعارك الخارجية المفروضة على المنطقة وشعوبها، يبدو أن معركة داخلية ليست بالسهلة، إن لم تكن دموية، يجب أن تُخاض أيضاً ضد التطرف والتعصب وما ينتجان. وفي طول وعرض العالم العربي تتصاعد مخاطر التطرف.
وتطرف المجتمعات أو شرائح منها والانحدار إليه حالة سرطانية مرعبة تحدث بالتدريج وقد تصل إلى نقطة مدمرة حيث تجلب الموت والانهيار للمجتمع والوطن في لحظة يحدث فيها الانفجار الكبير، وعندها تفلت الأمور عن السيطرة والقدرة على المعالجة. ويكمن خطر التطرف والتعصب وخطاباتهما في توليد المناخ القابل للقتل والاستئصال عند شريحة من المجتمع، بحق «الشرائح والمكونات الأخرى». ولا يحدث هذا المناخ أو يتولد في لحظة زمنية واحدة أو عقب حدث معين، بل يحتاج إلى سيرورة تطرفية تتطور على مدار فترة زمنية كافية. مثلًا، لا يمكن تخيل بروز الحالة التطرفية الطائفية الراهنة بين الشيعة والسُّنة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كرد فعل على حادثة تفجير طائفي منعزلة أو شيء شبيه بها. وعمق التعايش ورسوخه آنذاك كان أكبر بكثير من أن تتم تذريّته بحادث أو حتى مجموعة حوادث تندلع من منطلقات طائفية.
والسيرورة التطرفية ومنحيات التعصب التي انجرت إليها المنطقة منذ عقد الثمانينيات على الأقل، والتي تسببت فيها صراعات ومنافسات الخمينية الشيعية والسلفيات السنية، استهلكت الإرث التعايشي العميق عند شعوب المنطقة، واستنزفته إلى الحد الأخير. وقد تحالفت الإسلاموية بتنوعاتها المختلفة مع تلك الصراعات وعملت على تديين المناخ العام وتلوين أفكار وسلوكيات الناس بالنظرة الدينية الضيقة المناقضة للنظرة المواطنية. وفي خضم فوضى الأجندات المحلية والإقليمية، التنافسية بين الدول المُستخدمة للأديان والطوائف، والإسلاموية بين الحركات التي كل منها يدعو لفكرة معينة (الخلافة، الأسلمة، «الجهاد»...)، كانت الضحية الأولى والأهم هي فكرة المواطنة والتعايش داخل أوطان ما زالت في طور التشكل، وما زالت الأسس المدنية والدستورية والمواطنية المكونة لها ناشئة ولم تترسخ بعد. وعلى ذلك، فإن الجزء اليسير من الطريق الذي كان قطع باتجاه دولة المواطنة، والمتباين تبعاً للبلد المعني، تم إيقافه وإجبار الناس على العودة إلى الوراء بحثاً عن ولاءات وهويات ما قبل الدولة الحديثة وما قبل المواطنة.
![]() |
|
![]() |
وعلينا معالجة مناخ التطرف وجذوره وخطاباته المُستبطنة في بعض مجالات اشتغال السياسة والاجتماع والثقافة والدين.
![]() |
|
![]() |
د. خالد الحروب*
*كاتب وأكاديمي عربي