الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأجنبي

18 أغسطس 2006 00:04
لن أحاول أن أكتب الأمر وكأنه قصة قصيرة، ذلك أنني أنتقد الكثير من الشباب ممن يبحثون عن الألفاظ الصعبة ليكتبوا مقالاً أو قصة·· ولكنني باختصار أريد أن أكتب قصة صاحبي، لمن أكتبها؟ ولماذا؟ لا أدري في الحقيقة، كل الذي أعرفه أنني لابد وأن أكتب عنه وأوفيه شيئاً من حقه في واقع أنكره وتجاهله· - وقف أمامي بقامته الممشوقة، وأشار إلى صدره بكلتا يديه ثم قال بأسلوبه المثقف جداً: لنكن واقعيين، فأنا مهما يكن ''أجنبي'' وطرح يديه إلى جنبه في حركة تدل على تذمر وألم، لم أحاول أن أقاطعه·· بل حتى الابتسامة التي أحتفظ بها حين أراه شعرت أنها قد لا تكون مناسبة، ولذلك لم أعلق بأي شيء· الأولاد كبروا يا عزيزي·· ومهما يكن فلهم مطالبهم، غداً سيبحثون عن جامعة تقبلهم، ولن تتسنى لهم الفرص بسبب كونهم ''أجانب''، مد رأسه باتجاهي ليرى تأثير كلامه عليّ·· ثم تابع كلامه بنفس الأسلوب المرير: وإذا عادوا إلى بلادي ماذا سيحدث؟ سيقال لهم أنتم ''مغتربون'' في بلادي يقال لي ''مغترب''، وهنا يقال لي ''أجنبي'' فقل لي بالله عليك ماذا أفعل؟· - لم يكن سؤاله مما ينتظر جوابه·· ولذلك بقيت محافظاً على صمتي· كنت أشعر أنني في قفص اتهام، وأنني مدان، وأن صاحبي سيقول لي في أي لحظة أنت تتحمل جزءاً مما أنا فيه، وهكذا بقيت ملامحي كلها تنتظر اللحظة التي ينفجر فيها صاحبي· - عاد يتابع كلامه في انفعال حزين: أنت في بلادك·· إذا ضاقت بك الأرض توجهت إلى الجبل أو إلى الصحراء وبقيت مع بعض الشويهات وانقطعت عن العالم·· من الذي سيبحث عنك؟ لا أحد·· أنا وأشار إلى صدره، أنا لا أستطيع فعل شيء بسبب كوني أجنبيا· - سبحان الله·· بقيت أتأمل وجهه الأسمر ولحيته البيضاء، كان في العقد الرابع، في أواسطه فيما يبدو لي، وربما في آخره أو بداية الخامس·· وكنت أتعلم منه الكثير·· وأجد في صفاء نفسه صورة فريدة للماضي الجميل· ومع ذكره للجبال عدت إلى موطني·· أحقاً يمكن أن أجد فيه الاستقرار؟! ولكنني تركته بحثاً عن رزقي، تماماً كما فعل هو، الفرق بيني وبينه أنني لست بحاجة للكثير من الإجراءات التي يمر بها صاحبي حين يرغب في السفر· أردت أن أشاركه في حزنه·· كنت أتمنى لو أستطيع فعل شيء من أجله، ليس مساعدة مني، ولكن لأن هذا واجب عليّ أن أؤديه تجاهه·· إنه مكسب لابد من المحافظة عليه، أفقت من تأملاتي على صوته· - أتعلم أنني أتكفل بتذاكر الأولاد؟ إذا جاء أحد منهم أو جددت له أوراقه أو أي مصاريف تخصهم فأنا وحدي من يدفع·· الشركة لا تدفع لهم شيئاً·· ولذلك فأي إجازة تعني الكثير بالنسبة لي·· واعتمدت على نسبة الأرباح في الشركة، ولكنها تتدهور، ماذا أفعل يا أخي؟ قلت له بتلعثم: المهم أن تتأكد أنه ليس لي ذنب في هذا، شعرت أن ردي ليس في محله، كان يبتسم في مرارة، ربما كان من المناسب أن أظل صامتاً·· وشعرت بالارتباك، أشار لي بيده، ثم مسح شعره، وقال بنفس الإيقاع الحزين: لا عليك·· نحن نخدع أنفسنا ببعض العبارات، ''الأشقاء العرب''، ''إخواننا العرب''، ولكن في الحقيقة أنني أجنبي، قال ذلك وأمسك بقميصه ورفعه كأنه يثقل عليه ويريد التخلص منه· - لم أرد عليه·· ظللت أنظر لأصابعي وهي تقرع الطاولة دون أن تحدث صوتاً ثم قطع عليّ تأملاتي· - أتدري، قبل شهر زوجت ابنتي·· أردت العودة بزوجتي وأولادي·· ضافت الأمور قليلاً·· قالت لي زوجتي إلى متى؟ شعرت أنني تعبت وقتها· - شعرت بمشاعره في تلك اللحظة·· ربما أكون قد مررت ببعض الظروف المشابهة ولذلك شعرت به تماماً·- إلى متى؟، إلى متى؟ ألقى برأسه إلى الخلف وأخذ يراقب السقف· قطع كلامه رنين الجوال·· تأمل قليلاً في الرقم، ثم رد على المتصل في مرح·· كلمات بسيطة أنهى بعدها المكالمة وحاول أن يسألني عن أمور حياتي· عاد للوقوف ثانية، ونظر إلى الخريطة المعلقة خلفه، وأشار بحركة عشوائية·· احتوت حركته الخارطة كلها· لم يقل شيئاً·· شعرت بما يريد قوله· تمنيت أن أقف وأعانقه، شعرت بقربه، حاولت أن أعبر، خانني تعبيري·· لم أجد عبارة تناسب شموخه·· عظيم أنت يا أخي·· عظيم أنت· ابتسمت له رد عليّ بابتسامته المشرقة· ضرب فخذيه وقال: هيا بنا، قم لنتناول الغداء معاً· عبدالله بن علي السعد
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©