الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التراث والعلمانية من وجهة نظر إسلامية

التراث والعلمانية من وجهة نظر إسلامية
20 أكتوبر 2010 19:53
ما تزال قضية التراث والعلمانية تطرح نفسها على الوعي العربي والإسلامي بوصفها قضية إشكالية تعكس في مضمونها موقفا من قضايا المعاصرة والحياة والعالم، الأمر الذي يجعل الجدل الدائر حولها يستمر نظرا للتباين الواضح في المواقف والرؤية إليها. لكن ما يزيد تلك الإشكالية صعوبة وتعقيدا هو غموض المفهوم وتعدد المرجعيات والخلفيات التي ينطلق منها أصحاب المواقف المختلفة في قراءتهم لها. من هنا ينطلق الباحث الدكتور عبد الكريم سروش في كتابه “لتراث والعلمانية: المرتكزات والبنى والخلفيات” في محاولة لتحديد البنى والمرتكزات، وكذلك الخلفيات والمعطيات لمفهومي التراث والعلمانية باعتبارهما يعكسان رؤيتنا للعبور نحو المستقبل وتحديد اختياراتنا للانخراط في مسيرة العصر الذي نعيش فيه. ولعل وضعية التقابل التي نجدها في عنوان الكتاب بين المفهومين تنطوي على تلك الدلالة التي نجدها في العلاقة معهما كما أن تقديم الباحث لموضوع التراث في البحث يعكس هو الآخر الأهمية الخاصة التي يوليها له لاسيما التراث الديني الذي يفتتح به دراسته من خلال علاقته بالعالم الجديد معتبرا أن الدين يمثل اقوى وأهم عنصر بقي من العالم القديم. ونظرا لكون العالم الجديد يمتلك عناصر لا تنسجم مع العالم القديم فقد اتخذ البعض موقفا صارما من طرفي المعادلة بسبب التقاطع الحاصل بين التراث والحداثة ما يجعل المسألة بمثابة مشروع يتطلب العمل عليه وصولا إلى إيجاد الحلول لتلك الإشكالية في العلاقة بينهما. بين عالمين مختلفين تتجلى رؤية الباحث في النظر إلى العالم القديم والعالم الجديد في ضرورة تلمس الاختلاف بين العالمين مع التأكيد على ضرورة فهم الحداثة من خلال العودة إلى جذورها. وقبل أن يحدد تلك الاختلافات بين العالمين يقوم بعملية تصنيف للمعطيات والمكتسبات التي تميز العالم الجديد والتي تتمثل في أربع مقولات هي الوسائل والغايات والمفاهيم والتصورات، في حين تكمن الفوارق في التباين في الوسائل التي تصنع الغايات بعد أن أضحت وظيفة التقنية هي إنتاج الوسائل التي لم تعد تبتكر بذاتها غايات وأهدافا محددة، ما جعل هدفنا في الحياة غير معلوم، إضافة إلى أن تلك التقنية تحمل معها ثقافتها التي تنشرها في المجتمعات. ويحتل موضوع الدين والعالم الجديد الحيز الأكبر في اهتمام الباحث فيتناول العلاقة القائمة بين الوسائل والغايات بعد أن خلق العالم الجديد لنفسه رموزا ودلالات تحمل معاني خاصة، في حين كان للعالم القديم رموز وعلامات لها معان أخرى، بينما لا يمكن للوسيلة أن تعدّ وسيلة ما لم تكن تحمل معها غاياتها الأمر الذي يجعل من امتلاكنا لوسائل جديدة هو امتلاك لأهداف جديدة أيضا، على أن تلك الوسائل تعمل أحيانا على صياغة حياتنا بصورة ما، كما تجعلنا ننظم علاقتنا وروابطنا مع الطبيعة والآخرين. رؤية الإنسان للعالم إن المفاهيم الجديدة التي تقدمها الحداثة كما يؤكد الباحث تعكس الاختلاف القائم في الرؤية، إذ أصبحت تلك الرؤية عند الإنسان للظواهر الطبيعية هي رؤية استخدامية بعد أن انتقل الإنسان من مرحلة تفسير العالم إلى مرحلة تغييره فكانت الإيديولوجيا هي وسيلة التعبير عن هدف التغيير هذا. والاختلاف الآخر بين العالم القديم والعالم الجديد الذي يكشف عنه هو مفهوم الحق والواجب إذ كانت رؤية الإنسان لذاته وللعالم في القديم تتمحور حول محور التكليف، بينما رؤية الإنسان الحديث أصبحت تدور حول محور الحقوق. وبينما كان مفهوم اليقين يمثل أحد مفاهيم العالم القديم، فقد أصبح الشك هو مفهوم العالم الجديد فأصبحت العلمانية التي هي ظاهرة فكرية ونزعة نفسانية أحد سمات العصر. لكن العلمانية التي تركز فهمها على أحد جوانبها القائمة على مقولة فصل الدين عن الدولة تحتاج إلى دراسة جذورها التاريخية والفلسفية فيتناول أولا العلمانية في الفكر والواقع، ومن ثم المفهوم اللغوي للعلمانية إضافة إلى علمنة الأفكار التي جعلت الإنسان المعاصر لا ينظر إلى علاقته مع العالم إلا من خلال العلوم التجريبية، مقترنا مع مسألة فصل الدين عن الدولة، ما أدى بالعلمانية إلى أن تحل محل الدين لكونها تخلق الدوافع للعمل، ما أدى إلى افتقاد البشرية لأمر مهم لأن العلمانية لم تتمكن حتى الآن من التعويض عن الدين. في العلاقة بين الحكومة الدينية والديمقراطية يطالب الباحث بضرورة أن تعمل تلك الحكومة على حل مشكلة العلاقة بين رضا الخالق ورضا المخلوق (الإنسان) وتحقيق التعادل بين خارج الدين وداخله. ولفهم علاقة الدولة الحديثة بالديمقراطية يناقش الدلائل التي تستند إليها الدولة في تبرير موقفها من مسألة الخالق من جهة، ومن جهة يناقش موقف المؤمنين من حقوق الإنسان التي يروا أن الديمقراطية كتبت بمعزل عن الدين وحقوق الخالق ما يجعلها لا تتوافق مع مبادئ الفكر الديني. ويبحث في علاقة العقل بالشرع حيث يجد أن حل الدولة الدينية الديمقراطية لقضية الديمقراطية يجب تعيش هاجس طلب رضا الخالق ورضا الناس في الآن معا. ولعل مشكلة التنمية في العالم الإسلامي هي من المشاكل الأساسية الملحة التي اختلفت الآراء حول تفسيرها وتحديد أسبابها، فيقاربها من وجهة النظر التي تربط بين التخلف والدين عبر أربع محاور هي التدين والالتزام بالإسلام والتخلف واللادين والتطور الديمقراطي. كما يحاول فهم عوامل تفوق الغرب علميا لاسيما في مجال الديمقراطية وظهور العلوم التجريبية وبروز قيم أخلاقية تتناسب مع مقتضيات العصر إلى جانب التنمية. ومن أجل تقديم قراءة منهجية للقضايا المطروحة يعمل على تحديد المفاهيم المستخدمة في البحث وعلى شرحها وجلاء معانيها، كما في موضوع العلاقة الثنائية القائمة على التقابل بين التراث والحداثة، فيحاول التمييز بين رؤية العوام ورؤية الخواص، والتمييز بين مفهومي الحداثة التي تمت بشكل تلقائي في مختلف معالم الحياة، والحداثوية التي تمثل نوعا من الإيديولوجيا ونوعا من الفكر والرؤية للعالم والحياة تسعى لاستبدال العالم القديم بالعالم الجديد. ولا يختلف الأمر عند مناقشته لمسألة الموضوعية أو العقلانية في العالم الحديث ودخول النقد في مكونات الحداثة ونسبية الإنسان المعاصر. المثقف سلطة بلا منصب إن علاقة السلطة بأصحاب المعرفة ما تزال تمثل موضوعا إشكاليا آخر ومن هنا نجد اهتمامه الخص بتلك العلاقة من خلال الحوار المطول الذي أجري مع الباحث والذي يقدم فيه تصوراته لحدود تلك العلاقة وأبعادها انطلاقا من رؤيته المطالبة بضرورة توزيع المعرفة على الناس إذ للمعلومات والمعارف في عالم اليوم حظ وافر من آليات السلطة. كما يتحدث عن موقفه الرافض لتسلم رجال الدين مراكز السلطة السياسية وعن دور المثقفين في الثورة التي تقوم على ركنين عملي ونظري حيث يتولى المثقفون الركن النظري فيها لكنه يطالب بضرورة عدم تلوث المثقف بالسلطة السياسية لأن مهمته تكمن في التنظير والتنوير. وفي طرحه لأفكاره حول دور المثقف يناقش العديد من أطروحات المفكرين وعلماء الاجتماع الغربيين في محاولة لتقديم رؤية خاصة، تؤكد على ضرورة ربط الدين بالحداثة، وعلى دور المثقف المستقل التنويري في المجتمع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©