الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شيخة المطيري.. «هو يا مال»

شيخة المطيري.. «هو يا مال»
20 أكتوبر 2010 19:52
أقلام نسائية إماراتية (17) تحتل الكتابة النسوية مكانة استثنائية في المشهد الثقافي الإماراتي. فهي غنية بأقلامها واسمائها. مبادرة في موضوعاتها. غزيرة في انتاجها. متنوعة في إبداعاتها ما بين الشعر والقصة والرواية والريشة. هنا إطلالات على “نصف” المشهد الثقافي الإماراتي، لا تدعي الدقة والكمال، ولكنها ضرورية كمدخل للاسترجاع والقراءة المتجددة. مع أن مكانة الشعر تتراجع في حياتنا المعاصرة، لتحل محلَه الرواية والدراما التلفزيونية وأنواع أخرى من التعبير كانت ثانوية في مراحل سابقة، فإن الشعر عاميا كان أو نبطيا أو ضمن دائرة التفعيلة والموزون المقفى، ما زال ذا سطوة كبرى في المشهد الثقافي العربي.. وإذا كان الشعر قد تراجع نسبيا في حسابات الناشرين، فإنه مع ذلك ما زال سيد الأنواع الأدبية في المهرجانات والملتقيات الثقافية والفكرية وغيرها، ربما لطبيعته التلقائية وقدرته على مخاطبة الوجدان بصورة مباشرة. ربما يكون ذلك مدخلا للحديث عن إشكالية “شاعرات الحداثة” أو شاعرات الجيل الجديد ممن يكتبن “قصيدة النثر” وبخاصة في المشهد الثقافي الإماراتي.. حيث هناك الكثير من العتب حول تجاهل كاتبات النص الشعري بوجه عام، والنص الشعري النثري بوجه خاص من قبل الإعلام ونقاد الأدب على كافة المستويات، على الرغم من حضورهن اللافت على الساحة الثقافية سواء من خلال إصدارهن للعديد من الدواوين الشعرية، أوعلى مستوى المشاركة في الأمسيات والندوات والمهرجانات المخصصة للشعر محليا وعربيا. باختصار هن يرين أن الشعر أداة جمالية تتوسل تحرير الإنسان من الكوابح ومن القمع المادي والروحي لمصلحة عالم يكتشف فيه الإنسان شروط وجوده الحقيقي والصادق معا. كما يرين أن هناك تنوعا في التجارب، والقصيدة الممتازة هي التي تفرض وجودها بغض النظر عن تجربة كاتبها. ما يكشف لنا عن رؤية جديدة في بناء القصيدة المعاصرة من حيث اللغة والمعاني والمشاعر واستخدام تقنيات الرمز، وجدناه بقوة لدى شاعرتين إماراتيتين واعدتين، الأولى هي شيخة المطيري، والثانية هي هدى الزرعوني وكلاهما من الأصوات الشعرية الجديدة الجادة التي تجنبت في قصائدها منزلقين خطيرين أفسدا الشعر المعاصر. الأول: الإبهام والغموض غير المبررين فنيا أو فكريا أو تقنيا. والثاني: المباشرة والخطابية التي تفقد القصيدة جمالياتها من حيث استخدام الرمز أو الإسقاط. رحلة شعرية في سيرة شيخة المطيري التي تكتب أيضا قصيدة التفعيلة، أنها من مواليد مدينة دبي عام 1980، حاصلة على جائزة في اللغة العربية، بالإضافة إلى دبلوم الدراسات العليا في اللغة والنحو من كلية الدراسات الإسلامية والعربية. شاركت في العديد من الأمسيات الشعرية والمهرجانات الثقافية داخل الدولة وخارجها، ومنها المشاركة في “مهرجان دبي الدولي للشعر 2009”، و”مهرجان الشعراء الشباب العرب في مملكة البحرين 2009” و”ملتقى الشارقة للشعر العربي 2010”. مجموعتها الشعرية الأولى بعنوان “مرسى الوداد”، تقع في 55 صفحة، صدرت عن مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي ضمن سلسلة آفاق الثقافة والتراث، وتتضمن 23 قصيدة. وكتبت في مقدمة المجموعة: “لم أحلم يوما أن أكون شاعرة، بقدر ما حلمت أن أقول ما أريد، بلغة أخرى.. بنبض آخر”. وفي مقدمة المجموعة كتب الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد، واصفا شعرها بأنه “وهج من الوجع الحميم الصادق، الذي تدفق بأصدق ما تعبر عنه النفس الإنسانية”، كما عبر الشاعر أيضا عن انبهاره بهذه الشاعرة الصغيرة الواعدة، بعد أن استمع إليها وهي تلقي من المجموعة قصيدة بعنوان “فجر الشهداء”، فسحره جمال سبكها وقوة لغتها وشفافية بوحها، كأنما اختارت قصيدتها لتقول: “إن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة كلها”. عن مجموعة “مرسى الوداد” كتب الناقد عمر شبانة: “في هذه المجمعة الشعرية الأولى تبدو شيخة المطيري شاعرة في بداياتها، لكنها بدايات شاعرة تمتلك الأدوات الأساسية للذهاب بثقة في دروب الشعر، ولتمضي بساطتها وعفويتها نحو تطوير أدواتها الفنية والفكرية، حيث البساطة والعفوية أساسان من أهم الأسس التي ينبني منها الشعر وإجادة الأوزان والقوافي هي بعض هذه الأسس، كما تتطلب التجربة الشعرية المزيد من العناصر كي تنضج وتتطور.. وتتميز تجربة الشاعرة من حيث الشكل كونها تقوم على شكلين من القصائد: القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة. ومن حيث الموضوع تطغى على المجموعة نبرة البكاء والرثاء، كأنما تستعير الخنساء في رثاء لزعماء مثل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” وشعراء مثل سلطان العويس، وحمد بوشهاب وغيرهما، أو ترثي حال الأمة كلها، ولا تنسى قضية فلسطين وشعبها..”. وقد بدا عنصر “الفقد” واضحا في أكثر قصيدة من قصائد هذه المجموعة التي تتوسل بصورة شعرية تتكئ على طريقة إيحائية إيمائية بعيدة عن المباشرة التي تسطح الفن وتهجن الشعر، وبخاصة حينما تكتب في غرض (الرثاء) دون إسراف لتحقيق وتوليد الصيغ الشعرية المتينة الجيدة: ودعت الراحلين وبكيتهم بقصائد البحر الحزين لم يختلف إيقاعهم عندي طويل او مديد أو بسيط هي كلها عندي بحور من أنين. مرثيات تعبيرية عن مسيرتها مع الشعر، وعن كتاباتها وأسلوبها قالت المطيري في حوار معها: “نشأت في جو ثقافي مشبع بحب القراءة والبحث، فوالدي كان صاحب أكبر مكتبة أدبية في منطقتنا، حيث كنت أتردد على المكتبة يوميا فأقرأ الشعر وأحفظ أبياته، كنت حينها في السابعة من عمري، وقد حفظت قصائد عديدة للشاعر الكبير الدكتور مانع سعيد العتيبة، وكنت ألقيها أمام المعجبين من الصغار وكبار السَن، الذين كانوا بدورهم يثنون على قصائدي ويصفونها بـ”الجميلة”، فزاد ذلك من حبي للشعر وإصراري على أن أكون متميزة في صياغة قصيدة ذات طابع خاص، قصيدة لها هويتها وشخصيتها، وجملتها تتمتع بالقوة وأصالة النسج. كتبت العديد من القصائد الموجهة للأطفال، وبعد تشكل تجربتي الشعرية، بدأت التحرر قليلا من الشكل العمودي، نحو قصيدة التفعيلة، ولكن دون إخلال بكونها قصيدة مقفاة وموزونة، متأثرة إلى حد ما بالشعر القديم، وبخاصة قصائد الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد”. وفي شأن تعاطيها مع مصطلح الحداثة، أو ما يتعلق بكتابتها القصيدة الكلاسيكية العربية والقصيدة الموزونة الحديثة أو قصيدة النثر قالت المطيري: “أنا ضد التسميات أولا، فالقصيدة ارتبطت بمفهوم الشكل العمودي الذي يحافظ على الوزن والقافية على أقل تقدير، أنا شخصيا مع إطلاق تسمية أخرى على هذا اللون الشعري مثل “النثر الفني” أو أي شيء آخر. إن الأساس في الأمر هو أن يدرك الشاعر أن الشعر العربي ممتد من أول عهد الشعراء حتى اليوم، وأن الالتزام بالقصيدة العمودية هو بداية المستقبل الشعري الصحيح، ونحن هنا علينا أن ندرك معنى الحداثة، وأن نجدد دون مبالغة، ولا ضير من التنوع التعبيري إذا كان في صالح القصيدة والمتلقي بالدرجة الأولى”. في العديد من قصائد مجموعة “مرسى الوداد” حاولت الشاعرة التعبير عن فكرة (الرثاء) من خلال مشهد مفعم بالتفاصيل البصرية، من خلال إحساسها الداخلي، ومن ذلك قصيدتها في رثاء المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، كما في قصيدتها: (جرح بتشرين)، حيث تبدأ بسرد مشاعر الفقد والألم نتيجة لغيابه الأسطوري، تلك المشاعر التي أصابت الأمكنة قبل البشر، تأكيدا على المكانة التي احتلها فقيد الوطن الكبير في نفوس أبناء الإمارات. تقول في مطلع القصيدة: ثكلى غدت يا سيدي الأرجاء فقد ألََم وليس فيه عزاء في كل زاوية تلاْلاْ طيفكم وبكل أرض منحة وعطاء يترنم الأطفال بابا زايد أين الذي غنت له الأبناء هذي الإمارات التي عودتها تحنو عليها إن ألمَ بلاء قد كنت حضنا لمها في همها واليوم تحضنكم وذاك وفاء كما ضمت القصيدة في جوانبها رثاء للشاعر حمد خليفة بوشهاب الملقب بـ”الهزار الشادي”، توضح أبياتها المكانة الرفيعة التي كان يتمتع بها الشاعر في الأوساط الثقافية وتقول: يا تربة القبر التي واريته هلا علمت بحرقة الأكباد رفقا به هل تعلمين من الذي واريته هذا شهاب بلادي وتعيش الشاعرة ألم الفقد من خلال غرض الرثاء كما في قصائد (سعاد وأم البنين) و(وداعا بني)، وكذلك في قصيدة بعنوان “جنين”، وفي ذلك تقول المطيري: “في نظمي لقصائدي ليس هناك قضية معينة أو فكرة بحد ذاتها، إنما هناك شيء أكبر من ذلك ألا وهو “الإنسانية”، وان اختلفت أنهار الكتابة التي تصب فيها”. والقصيدة عندها في هذا السياق مغلفة بتوزيع إيقاعي متوازن بين الضمائر والسطور في تناوب نسقي جميل، تتبادل فيه المرئيات والكلمات لعبة الغياب والحضور، على نحو ما نلمحه في قصيدتها (أهازيج الحنين)، حيث الثيمة الأساسية مستمدة من “التراث البحري” المحلي، ومن مهنة الغوص على اللؤلؤ ورحلاتها التي تحتوي على الكثير من المخاطر والمحاذير، إذ قد يتكلف الغواص حياته أثناء بحثه عن رزقه في أعماق البحر. لقد عبرت القصيدة تعبيرا فنيا اقرب إلى المشهدية الدرامية عن فكرة انتظار البحارة، في اطار يتكئ على ثقافة البحر، وتلك النهمات البحرية الجميلة التي كان يتردد صداها عميقا على متن سفن الغوص. ومن القصيدة نقتطف: وطرقت باب الفجر أطلقت النوارس من يديك تمد رغم الموج أحلام الخليج كل يردد: هو يا مال غدا نعود وترفعين أكف قلبك: “بالسلامة تنتظرين عودتهم” على سيف الحنين مشتاقة جدا لهم والرمل مثلك يحفر الأسماء بين عروقه يا طيب ذلك الرمل أصل الطيبين والمبحرون رسموك فوق البحر حلم العائدين وتنفسوك بعمقه فلانت حناء الحنين إيه لقد كانت رعى الله السنين أو تذكرين؟ صمتت وخطت فوق رمل القلب “زايد” من مشاركاتها الخارجية، حضورها اللافت ضمن وفد الإمارات في “مهرجان الأدب والفن” في العاصمة القطرية الدوحة 2010، من تنظيم وزارة الثقافة والتراث والفنون، وفي إحدى أمسيات المهرجان قدمت المطيري قصيدتين منتخبتين الأولى رثائية بعنوان (وداعا محمد) والثانية بعنوان (غياب)، ومن أبرز معالم هذه القصيدة أنها موزعة على مساحات مضيئة من الشعر الإنساني دون لبس أو ارتباك، وللقصيدة أيضا “سيناريو” يتمتع بالتحديد والصفاء، لها بنية دلالية مكتملة لا تشكو الطول ولا القصر ولا الترهل، تدخل عالمها فتهديك إليه دون عناء. لقد أكدت شيخة المطيري حضورها على مستوى حوار التجارب والأجيال الشعرية، ومن ذلك مشاركتها الفاعلة في أمسية للحديث عن حياة وأشعار الشاعر الإماراتي خلفان الشويهي ونظمها الصالون الأدبي لندوة الثقافة والعلوم في دبي. هدى الزرعوني: لا أكتب القصيدة بل هي تفرض نفسها في سيرة الشاعرة هدى الزرعوني أنها حاصلة على دبلوم الترجمة المهنية من الجامعة الأمريكية في الشارقة عام 2001، وأيضا بكالوريوس اللغة الانجليزية والترجمة من جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا. عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، عضو رابطة أديبات الإمارات، فازت بجائزة راشد للتفوق العلمي، وجائزة أندية فتيات الشارقة لإبداعات المرأة الإماراتية في الآداب والفنون - الشعر الفصيح (المركز الثالث)، كما فازت بجائزة نجم عكاظ 2003 الالكترونية عن فئة الشعر الفصيح. وفازت عن مجموعتها “شموع لضوئي” بالمركز الثالث من جائزة المرأة الإماراتية في الآداب والفنون في دورتها العاشرة عام 2009. حقق ديوانها الشعري الأول “الليل يغني وحيدا” الصادر عن منشورات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة عام 2003، ويضم 34 نصا شعريا اهتماما نقديا واضحا على الصعيدين المحلي والإقليمي. حيث عمدت فيه إلى عنصر التناص، من خلال استحضارها لمأساة هابيل وقابيل لتكون معادلا موضوعيا للقضية التي تطرحها تلميحا وإيحاء، فصراع قابيل وهابيل يعادل صراع الأخوة والأهل والبشر في عصرنا التي تهدده السلطة والهيمنة والقوة. فقابيل القوي المخادع الطامع يغدر بهابيل المسكين البرئ النبيل، وهي صورة موحية رامزة لصراع البشر اليوم على صعيدين. الأول صراع الأمم والدول الكبرى التي تحاول ابتلاع الدول الفقيرة، والثاني ويمثل صعيد المجتمع الواحد أو الأسرة الواحدة حيث يظهر قابيل في صور مختلفة، صور تدميرية تبني تراكم الأفعال التي نراها في سلوكيات الناس. حول نفسها والشعر قالت الزرعوني: “في البداية كان الحرف بالنسبة لي حلما كالغيوم المعلقة فوق الجبال لا تطاله يدي إلا أن أطير إلى السماء، كنت أجهل موقع القصيدة في خيالي، كنت أعشق الشعر من قبيل انبهارنا بالأشياء التي نعجز عنها، كنت لا أفهم في بحور الشعر ولا أعرف إيقاعاته، ولكنني وجدت نفسي ذات أسى أحتاج للتنفس إذ كانت رئتي تغوص في مستنقع الألم الذي تخلقه خيانة الإنسان للإنسان، كنت أهبط في عالم لا يشعر بمرارته سواي، كانت كل خلية من خلاياي تصرخ بصمت فاحتجت للكتابة للصراخ على السطور. مسكت القلم عام 2000 لأقول يا لقلبك المسكين! أصبحت الكتابة علاجا وأصبح البوح شفاء وأبدعت، وهكذا إلى أن غنى الليل وحيدا في عام 2003، وإذا شاء ربي جل في علاه سأنجب لليل الذي يغني أخوة يغنون معه الشعر والقصائد ويرتلون اليوم الجميل لقصيدة معاصرة”. أضافت أيضا في حوار معها: “أنا لا أكتب القصيدة بل هي التي تفرض نفسها علي حين تتوفر المؤثرات التي تهيئ لها الولادة. القصيدة بالنسبة لي ليست فكرة أقوم بصياغتها كما أريد، بل هي حالة من الضغط الشعوري تحدد صياغتها الخاصة أثناء اللحظة الشعرية اشعر بضجيج الكلمات يطرق ذهني بعنف فتولد القصيدة كما تشاء وسط شحنة شعورية متأججة ولا يكون الخلاص إلا بالكتابة الصافية، ثم تأتي مرحلة المراجعة والتهذيب إلى أن تصل إلى الشكل الإبداعي الذي أرضى عنه”. وعن بداياتها مع كتابة الشعر قالت: “أحببت الأدب منذ نعومة أظفاري، وكنت متذوقة للشعر ويجتذبني البديع منه، لم أكن أعلم أنني قادرة على نظم الشعر إلا في عام 2000، حيث بدأت رحلتي مع كتابة القصائد بعد أن تعلمت أسس العروض، وهنا لا أنسى فضل الشاعر السعودي إبراهيم الوافي، الذي كان له الأثر الكبير في اكتشاف موهبتي وقدم لي الدعم من خلال موقعه “منتدى الشعر المعاصر” وكان دائما يقول لي ستكونين نجمة في سماء الشعر”. في مجموعتها الشعرية “شموع لضوئي” نرى تجارب إنسانية ذاتية تهتم بالعلائق بين الإنسان ومفردات المجتمع والمحيط، وكاشفة عن مدى الارتباطات النفسية والوجدانية الحاكمة أحيانا بين هذه المفردات، كما تجنح الشاعرة للكشف عن بعض القيم المجتمعية المتمثلة في حب الوطن والالتصاق به، وما يترتب على تلك العلاقة الباحثة عن الوطن والرابطة بين الذات والهوية. إيحاء وترميز تحت عنوان “الليل يغني وحيدا ـ اللغة الشعرية تجسيد لوجع الإنسان” كتب الناقد الدكتور أحمد الزعبي: “جاءت قصائد هدى الزرعوني في ديوانها “الليل يغني وحيدا” بلغة شعرية تعبيرية شفافة، لا إبهام مغلقا فيها، ولا خطابية تغير هوية الشعر الى فن آخر، وان كنا نأمل من الشاعرة أن تتنبه إلى شعرية القصيدة أكثر فأكثر والى أهمية هذه الشعرية والغنائية في القصيدة المعاصرة. وتتسم هذه اللغة الشعرية بالتشكيل المتسق والإيحاء الشفاف والترميز المدهش، وتتضح هذه السمات الفنية والأسلوبية الموضوعية في أغلب قصائد الديوان، فلديها قدرة فنية لماحة في التقاط الفكرة وتشكيلها بصورة فنية تثير الدهشة والتأثير”. صياغة الزرعوني لقصائدها تقوم على عنصر التكثيف والاختزال لتقديم صورة فنية تعتمد على المشهدية، حيث حركة القصيدة المنتظمة في المكان والزمان على نحو قصيدتها (نسيج الظل) ونقتطف: كفك عربي الموسم هتان يمسح رأسي كغلاف المطر على أكمة كوصول الفرس الظافر، والخاسر مبتهج كأصابع طفل يشتم روائح أمه أمطر... يا مطري ... من أحيا الأحياء الأموات من أحيا الأحياء الأحياء الورد يموت بغير الماء. والشاعرة كما يبدو تبتكر تشكيل صورها الفنية، فهذا التشكيل في الصور الشعرية يثير الدهشة ويفتح النوافذ على إيحاءات وإحالات لا حدود لها، فكف الأخ التي تمسح على رأس الأخت المتعبة كحبات المطر التي تعيد الحياة إلى سطح الأكمة، لحظة عودة الحياة، لحظة الظفر وفرح الفرس والفارس، لحظة استعادة الحياة لطفل اشتم رائحة أمه بأصابعه، هذا المطر، هذا الحب، هذه الحياة تحيي الموتى وتوقظ الأحياء النيام وتنبت الورد الذابل الجاف. كل ذلك في إطار مفردات خفيفة بسيطة وموحية ومتآلفة، كما يبدو لنا في قصيدة (لست المحاصر): أججوها ثم ناموا تحت آنيتي وعشبي تحت أرغفتي وخلَي تحت أكفاني وبيتي يغلب على قصائد هدى الزرعوني الحس الرومانسي، والبعد الذاتي، والاستفادة في موضوعات قصائدها من التاريخ والتراث وقضايا الأمة، كما تجد في أشعارها نزعة التأمل ومسحة روحية، كما تعتمد في رصد أفكارها الشعرية على الموروثين التاريخي والديني ففي قصيدتها (قبل هبوب البحر) توظف حكاية موسى عليه السلام وملاحقة فرعون له في أعماق البحر فتقول: الدرب طويل يا موسى والبحر صديق الحرية فرعون يعربد فوق الماء يعمر أبراجا عميقة ستثور جفون البحر ويبلعه النصر سيولد من عرق الإبحار وكتب الدكتور الناقد إبراهيم الوحش حول قصائد ديوان “الليل يغني وحيدا” بقوله: “عنوان الديوان يفتح بابا للسكون المتحرك في زمن الليل البيولوجي، هذا العنوان يفضي إلى عناوين أخرى يشكل هاجسا يمتد امتداد الليل مع الشاعرة، رسالة أخرى، مواويل غجرية، غمام الحالمين، قبل هبوب البحر، أقدام الورد، انزواء ليلي، من قمر إلى قمر، سحاب الغريب. أما بنية اللغة في هذا الديوان، فقد تعددت مستويات اللغة من حيث المستوى الصوتي والمستوى الدلالي والمستوى الأسلوبي والمعجمي والنحوي، واللغة هي نظام يتألف من هذه المستويات والتي تشكل بنية اللغة بالدلالة والمدلول. لقد استخدمت في قصائدها الفعل المضارع وذلك لتبيان الحالة الحالمة التي تعيشها، هذا الفعل أعطى حركية ودلالة ومدلولا شكل حركة داخلية وخارجية عبر دائرة فنية تناوبت مع فعل الأمر في كثير من الأحايين”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©