الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

هل أصبحت اتفاقية فيينا عاجزة عن حماية المقار الدبلوماسية؟

5 يناير 2016 21:59
اعتبر اقتحام متظاهرين إيرانيين السفارة السعودية بطهران وقنصليتها بمدينة مشهد، تحديًا، ليس لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية فحسب، وإنما أيضًا لاتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، كونه هدد الأسس التي استندت إليها هاتان المعاهدتان لبناء علاقات دولية تحافظ على السلم والأمن الدوليين. وتحوي الاتفاقية الأولى، التي وقّع عليها رسميًا في 18 إبريل1961، وتضم 52 بندًا، أسس تنظيم العلاقات الدبلوماسية بين الدول، من حيث كيفية إنشائها، وتحديد الفئات المشمولة بالحصانات التي توفرها من شخوص ومقار وعددهم، وتنظيم آليات عملهم في دولة الاستضافة، وحتى طريقة قطع تلك العلاقات، فيما تعتبر الاتفاقية الثانية مكمّلة للأولى في مجال تحديد الحصانات القنصلية، ووقع عليها في إبريل 1963 وبلغ عدد بنودها 74. وكلاهما يوفّر البنية المؤسسية والتنظيمية لإدارة العلاقات الدولية الحديثة، وتحقيق مبدأ المساواة بين الدول، وتنظيم حق السيادة الوطنية للدول، بشكل يحافظ على السلام والأمن الدوليين، وتنمية علاقات الصداقة. ووفقا لديباجة معاهدة فيينا، ورد التأكيد على أنها «اتفاقية دولية عن العلاقات والامتيازات والحصانات الدبلوماسية تساعد على تحسين علاقات الصداقة بين البلدان مهما تباينت نظمها الدستورية والاجتماعية، وهي على يقين بأن الغرض من هذه المزايا والحصانات، ليس تمييز أفراد، بل تأمين أداء البعثات الدبلوماسية لأعمالها على أفضل وجه كممثلة لدولها». وأتت الصياغة النهائية لهاتين المعاهدتين، بوصفها تجسيدًا لإرادة دولية، سعت للمواءمة بين الدول القديمة بالنظام الدولي، والتي شكلت نظام ما قبل الحرب العالمية الثانية، وتلك الدول الأحدث التي برزت بعد تلك الحرب، وتحرر العديد من المستعمرات من قبضة الاستعمار الغربي، ما أسهم في زيادة الفاعلين الدوليين State Actors بشكل غير مسبوق من قبل، وأيضا كثافة وتعقيد العلاقات الدولية بشقيها التعاوني والصراعي. ومن ثم أتت المواءمة بين مطالب الدول القديمة والحديثة في آن واحد. ومن ثم، فإن الدوافع التي قادت لتنظيم وإحكام البنود المنظمة للعلاقات الدبلوماسية بوصفها أحد روافد المؤسسة للعلاقات الدولية تمثلت في بندين: أولهما، مُكمل للقانون الدولي التقليدي الذي وضعته وفرضته الدول الكبرى خلال القرنين الثامن والتاسع عشر على العلاقات الدولية، ومطالبها في الحفاظ على تلك التقاليد الدبلوماسية في إدارة العلاقات الدولية التي أمّنت لها قدرا عاليا من الحماية والتدخل في شؤون الآخرين. ثانيهما، مُنشئ لقواعد قانونية جديدة بسبب زيادة عدد الدول المشاركة بالنظام العالمي، وتحديدًا الدول التي نشأت حديثًا، وتبلورت لديها هواجس من الدول الكبرى أو الأقوى منها في التدخل في شؤونها الداخلية عبر توفير الحماية الدبلوماسية التي يصبغها القانون الدولي على البعثات الدبلوماسية. ورغم من تلك المواءمة السياسية في بنود هاتين المعاهدتين، فإنهما تتعرضان دومًا للتهديد، ما يؤثر على علاقات السلم والأمن التي توخاها المُشرّع الدولي ومقاصده في صياغة تلك البنود. الأول: تهديد غير مباشر، خاضع للسيطرة، نظّمته هاتان الاتفاقيتان، وتحديدًا المادتان 9 و10 من الاتفاقية الأولى، ويشمل قيام الدبلوماسيين بأفعال وممارسات تشكل تهديدًا لسيادة الدول المستضيفة أو أمنها القومي. وفي تلك الحالة تعلم الدولة المعنية بلادهم بكونهم شخوصا غير مرغوب فيهم على أراضيها، وتمنحهم مهلة زمنية لمغادرة البلد، وإلا تنزع عنهم الحصانة الدبلوماسية، ويصبحون كغيرهم، ويمكن القبض عليهم محاكمتهم قضائيا. وهو ما فعلته السعودية، حينما قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران يوم أمس الإثنين، وأمهلت جميع العاملين في البعثتين الدبلوماسية والقنصلية داخلها بالقرار ومنحتهم 48 ساعة لمغادرة أراضيها، وبعد هذا التوقيت يمكن لها محاكمة من تشاء منهم بتهم جنائية أو قضائية أو حتى سياسية، لكونهم باتوا غير مشمولين بالحصانة التي توفرها المواثيق الدولية. الثاني: تهديد مباشر وخارج نطاق السيطرة والتحكم، وهناك أشكال متعددة لتلك التهديدات، منها: اقتحام المقار الدبلوماسية من قبل المتظاهرين وإتلاف محتوياتها وتهديد حياة من فيها من دبلوماسيين وغير دبلوماسيين، ونسف تلك المقار باستخدام السيارات المفخخة أو إطلاق المضادة الأرضية عليها، واحتجاز أو اغتيال الدبلوماسيين خارج تلك المقار، خلال تنقلاتهم داخل الدولة المستضيفة. بدا هذا التهديد واضحًا في اقتحام المتظاهرين الإيرانيين مقار دبلوماسية سعودية في طهران، ومشهد إحراقها وتهديد حياة من فيها. وبشكل عام، يُعد هذا التهديد الثاني الأكثر خطورة وتهديدًا للأمن والسلم الدوليين، وما حدث يوم السبت الماضي في إيران شكل منعطفًا خطيرًا في مسار العلاقة بين الدولتين. فالاعتقاد العام، كما أثبتت الخبرة التاريخية، أن البلدان التي تمر بحالة اضطراب داخلي أو حرب أهلية، تكون المقار الدبلوماسية فيها أكثر تعرضًا للتهديد المباشر، بسبب ضعف قدرات الدولة الأمنية على ضبط الأوضاع داخلها، وبروز فاعلين غير رسميين Non State Actors تتوافر لهم قوة ونفوذ تتجاوز في أحيان كثيرة قدرات الدولة، أضف لذلك حالة وجود صراع متبادل بين دولتين، يكون سببًا في تلك الانتهاكات الدبلوماسية المتبادلة. فإيران الآن ليست إيران الثورة عام 1979حينما حدثت واقعة احتلال السفارة الأمريكية في طهران. صحيح أن الأمن تدخل وأنهى احتلال السفارة السعودية، إلا أنه تواطأ بشكل كبير في تسهيل عمليات الاقتحام، وحرق محتويات السفارة والقنصلية، قبل السيطرة على الموقف. وكانت الحرب الأهلية في لبنان خلال الفترة 1975 1990 تجسيدًا لمقوّمات التهديد الثاني بجميع أشكاله، فالشائع أن السفارة الأمريكية التي نسفت مرتين خلال عامي 1983,1984، والسفارة الفرنسية التي نسفت عام 1984 هما الحدث الأكبر، لكن كانت هناك حوادث مماثلة، مثل تفجير السفارة العراقية في يناير 1981 تدميرًا كاملا، ما أدى لوفاة 25 شخصًا، كما اختطف في سبتمبر 1981 السفير الفرنسي في بيروت لوي دو لامار، واغتيل لاحقًا، واغتيل أيضًا الوزير المفوض بالسفارة الجزائرية عام 1982، ونسفت السفارة الليبية بالكامل في سبتمبر 1984، كما اغتيل قنصل النمسا جيرهار دولنسنيادر في نفس العام. وعقب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وقعت أحداث مماثلة، حيث تم تفجير السفارة الأردنية عام 2003، واختطاف وقتل السفير المصري في بغداد إيهاب الشريف 2005، كما تعرضت السفارة الروسية عام 2006 لهجوم أسفر عن مقتل دبلوماسيين وأسر أربعة منهم، اغتيلوا فيما بعد. وليبيا بعد سقوط القذافي كانت بيئة كاشفة عن تلك التهديدات مجتمعة، من تفجير واغتيال وخطف، فيما عرف بالحرب التي شنّت على المقار الدبلوماسية في بني غازي وطرابلس، وكان أكثرها تأثيرًا، الهجوم على القنصلية الأمريكية في بغازي 12 سبتمبر 2012 التي لجأ إليها السفير الأمريكي جي كريستوفر ستيفن وثلاثة من مساعديه هربًا من طرابلس التي انعدم فيها الأمن والاستقرار، فماتوا حرقا بعد اقتحام السفارة. وخلال هذه التوقيت وما بعده، شهدت مقار دبلوماسية إيطالية وفرنسية محاولات تفجير واغتيال، فيما كان للدبلوماسيين الأردنيين والتونسيين والجزائريين النصيب الأكبر من الاختطاف. كما شكلت حادثة تسلق المتظاهرين أسوار السفارة الأمريكية بالقاهرة في 11 سبتمبر 2012 سابقة لم تشهدها مصر من قبل، إلا أن قوات الجيش تمكنت من منعهم من دخول السفارة، والقبض على بعضهم، فيما لم تتمكن من منع اقتحام السفارة الإسرائيلية في 11 أغسطس 2011 ورفع العلم المصري عليها. وتلك الحوادث لم تكن حكرًا على منطقة الشرق الأوسط، حيث شهدت العديد من البلدان حوادث مماثلة، لكنها كانت أقل في نوعها وتأثيرًها، مثل محاولات اقتحام صينيين غاضبين العديد من السفارات الغربية في بكين، بعد أحداث الميدان السماوي، بسبب موقف بلدانهم من سحق القوات الحكومة انتفاضة الطلاب، في إبريل 1989.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©