الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنا والكتابة...

أنا والكتابة...
20 أكتوبر 2010 19:49
الكتابة... هي المكان الوحيد الذي أعرف إني أستطيع أن أكون فيه على حقيقتي. دون رتوش، دون أقنعة، دون محاولات لأن أبدو أجمل لأكون مقبولة ومحبوبة ومرغوبة، في الكتابة أكون كما خلقني الله دون أن يجعلني هذا شخصا منبوذا، مترهلا، صادما وخارج السياق ودون أن أهتم لو جعلني كذلك. أعتقد من المهم جدا أن يجد الإنسان مكانا ما يستطيع فيه أن يكون نفسه، فقط نفسه دون أن يتلفت في كل الاتجاهات خوفا من عيون تحدق مستنكرة أو شفاه تُقلّب مستهجنة، بالنسبة لي وجدت الكتابة مكانا أنسب. ولكن ما أهمية أن أكون نفسي بالنسبة للقارئ؟ ربما فقط من خلال كينونتي على الورق يجد القارئ نفسه أيضا، وأعتقد هذا أمر بالغ الأهمية. فنحن نتشابه، اكتشفت هذا عبر قراءاتي المختلفة لكتب الأدب، ولذلك أحب الأدب. كم من كاتب يعيش في بقعة جغرافية بعيدة أو عاش في فترة زمنية سحيقة، وجدته يشبهني، وأحيانا كثيرة ظننته أنا، وهذا جعلني أشعر بالألفة وبأن هذه الحياة ليست طريقا موحشا دوما وبأني لست غنمة سوداء تماما في قطيع أبيض. من المهم أن تجد أشباهك. أولئك الذين ينظرون بعينك، ويسمعون بأذنك، وقلبهم ينبض بما ينبض به قلبك، الإنسان مخلوق جماعي، والتواصل حاجة غريزية تماما مثل الهواء والماء والطعام والتناسل. وكل فرد يجد وسيلة إشباعه الخاصة لهذه الحاجة، بالنسبة لي وجدتها في الكتابة، فقط الكتابة، أي صورة أخرى، أية ممارسة أخرى بدت دوما غير كافية واستلزمت مني أن أرتدي قناعا ما، وأن أخفف من ثقل وجودي قدر المستطاع لأبقي ضمن الإطار المرسوم مسبقا من قِبل قوىً غامضة مسيطرة مهيمنة خفيه ولا تبين. ثم هي عملية تجميلية للروح، هي علبة ماكياج روحيه، حين أكتب أشعر أن روحي تتلون بألوان مختلفة، وهذا ينعكس على طريقة تعاطيّ الخاصة مع الدنيا، أصير أكثر تفاؤلا، وحِلما، وتقبلا للآخر، وامتلئ مجددا بآمال جديدة عريضة حول سعادة الإنسان ورحمة الله وقدوم وشيك لفصل ربيع لن يزول، أي هي وقود دائم للآمال، ما معنى الحياة دون أمل؟. ثم أنني حين أكتب تلامس أنفي رائحة ثرىً سقط عليه مطر منذ قليل، ورائحة عشب مجزوز لتوه، فأنتشي وأشعر أن الحياة حلوة وبأني سعيدة لأني على قيدها. فأنا أكتب لأكون سعيدة، لأحس بهذه الفرحة الطفولية الطازجة التي نفقدها في الغالب حين نكبر ونمتلئ بالمشغوليات والالتزامات والشحوم والسوس والتراب. وأشعر بالامتنان لله، لأنه منحني هذه النعمة، التي تسقط عليً المطر رغم المحل وتخلق حولي حديقة غنّاء رغم الصحراء. فلولا الكتابة، لولا الحلم بالكتابة، لولا الشغف الدائم بالكتابة، كيف كنت سأحتمل كل هذا الإقفار في حياة لا تهب سوى الخيبات المتتالية المنظمة المشغولة بحرفية نسّاج سجاد عجمي. إذا أردت أن تعرفني فاقرأني، واعرف أني إذا ضللت طريقي إلى نفسي يوما، كما يحصل باستمرار، أني سأهتدي إليها عبر الكتابة. إذا فأنا اكتب لكي أجدني. فالتعرف على الذات حاجة غريزية، تماما مثل الهواء والماء والطعام والتناسل والتواصل. كيف تمضي في طريقك إن لم تعرف كيف تبدو؟ وكيف تتعرف إلى ملامح طريقك إن لم تكن تعرف أساسا كيف هي ملامحك؟ ألا تحدد ملامحنا اختياراتنا للطرقات التي نقرر أن نسلكها؟ كيف تسير بقدمين لا تحملان وجها ما يميزك عمن يسير خلفك وأمامك ومن على جانبيك؟ بدون ملامحك أنت مجرد ظل، دمية قش، صندوق فارغ، أو ريشة هائمة تسبح في الفضاء ولا تشكل على الأرض أي فرق. التعرف على الذات حاجة غريزيه جدا، كل شخص يتعرف على ذاته بطريقه ما، بالنسبة لي وجدت أن الكتابة هي سبيلي الوحيد، فكل الطرق الأخرى لم تزدني سوى ضياعا وحيره. إذا وكما يبدو مما سبق فإن علاقتي بالكتابة ذاتيه تماما، فانا أكتب لأكون أجمل، ولأكون سعيدة، ولأكون حرة، ولأكون على حقيقتي، ولكي أجدني. وقد يبدو هذا موغلا في الذاتية ومتخما بالأنانية، فأين الشأن العام والقضايا الكبرى التي على الكتابة أن تتبناها؟ ولكن، من قال إن إيجاد الإنسان لهويته، لكينونته، للفرح، لطزاجة الطفولة، ولموطئ قدم له في هذه الدنيا، ليست هي القضية الكبرى؟ * ورقة قدمت لملتقى السرد في الشارقة 2010
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©