الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العدوان على غزة.. والعلاقات اللاتينية الإسرائيلية

10 أغسطس 2014 01:24
في البرازيل، إنها بحق مسافة طويلة تلك التي تفصل بين تل أبيب وبرازيليا، إلا أن هذه المسافة كُتب لها أن تزداد «أكثر» خلال الأسابيع القليلة الماضية. فعندما أطلقت إسرائيل «عملية الحافة الوقائية» ضد قطاع غزة، اهتزّت البرازيل وأصابها غضب. وأطلقت الرئيسة ديلما روسيف التي اشتهرت بتأففها من البحث في السياسات الخارجية، على تلك العملية صفة «المذبحة»، وسارعت إلى استدعاء سفيرها من تل أبيب للتشاور. ولقد ردّت إسرائيل على هذا الإجراء عندما أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية بأن هذه الدولة الأميركية اللاتينية العملاقة «فقدت وجودها تماماً» ضمن نظام العلاقات الدولية. وليست هذه هي المرة الأولى التي يوجّه فيها مثل هذا الوصف للبرازيل، وكان وزير خارجية المكسيك السابق «خورخي كاستانيدا»، وصف البرازيل بأنها «عملاق يتبنّى سلوك قزم» وذلك بسبب صمتها عندما كانت حقوق الإنسان تنتهك في فنزويلا وكوبا. ويجب الانتباه هنا إلى القاعدة المتبعة التي تقول «حيث تذهب البرازيل تذهب أميركا اللاتينية»، حيث سارعت «كتلة ميركوسور التجارية لأميركا اللاتينية» إلى دعوة الأمم المتحدة لتوصيف ما يحدث في غزة بأنه «جرائم حرب». واستدعت كل من الأرجنتين وبيرو وشيلي سفراءها وممثليها أيضاً من إسرائيل، فيما اتخذ مجلس النواب في شيلي قراراً بتجميد المحادثات حول صفقة تجارية مع إسرائيل. وأما الرئيس البوليفي إيفو موراليس الذي سبق له أن طرد السفير الإسرائيلي من بلاده قبل بضع سنوات، فقد وصف إسرائيل بأنها «دولة إرهابية»، وفرض تأشيرة الدخول على السيّاح الإسرائيليين. وأعلنت فنزويلا بدورها عن استعدادها لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين. وحتى الرئيس الأكوادوري «رافائيل كوريّا»، الذي اشتهر بأنه الرجل الذي أغرق الإنترنت في الأشهر الأخيرة بعبارات الإعجاب والتودد لإسرائيل، استدعى سفيره من تل أبيب. وحتى قبل أشهر قليلة فحسب، كانت إسرائيل قد احتلت مرتبة الصديقة الجديدة رقم واحد بالنسبة لأميركا اللاتينية، وأعلن نتنياهو عن إطلاق مبادرة لتعزيز العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية مع دول القارتين الأميركتين الشمالية والجنوبية، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي وفق خطة رصد لها مبلغ 14. 5 مليون دولار. وقال نتنياهو في إحدى جلسات حكومته في شهر مايو الماضي: «نحن نبذل جهوداً مركزة وموجهة لتنويع أسواقنا انطلاقاً من اعتمادنا المعروف على السوق الأوروبية، ووصولاً إلى الأسواق الآسيوية الناشئة وأسواق أميركا اللاتينية». وحظيت إسرائيل بالقبول كدولة ملاحظة في «تحالف الهادي»، وهو عصبة تجارية لدول شمال أميركا الجنوبية يبلغ مجمل حجم تعاملها التجاري 3 تريليونات دولار. وآثر الرئيس الكولومبي «خوان مانويل سانتوس» أن يكيل المديح بلا حدود لإسرائيل أثناء زيارته لتل أبيب في شهر يونيو 2013، عندما قال: «لو شاء أحد أن يسمي بلدي إسرائيل جنوب أميركا، فسوف أكون فخوراً بذلك»!!. لقد كان لهذا الكلام وقته. وأما الآن، فلقد تابعت أميركا اللاتينية أخبار إطلاق الصواريخ الفلسطينية باهتمام، ونظمت المسيرات لتأييد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وحرق مواطنوها علم إسرائيل وأغرقوا شبكات التواصل الاجتماعي بصور المجازر الإسرائيلية في غزة. وبالرغم من كل هذه المواقف الإيجابية، لم يعمد أحد على الإطلاق إلى تمزيق المعاهدات أو إلغاء الاتفاقيات التجارية بين أميركا اللاتينية وإسرائيل. وتعود العلاقات القوية بين الطرفين إلى عهد بعيد. وكانت دول أميركا اللاتينية من أوائل المؤيدين للدولة العبرية بعد أن منحت 12 من أصل 33 صوتاً اللازمة لتحقيق أغلبية الثلثين عند التصويت على مشروع قرار الأمم المتحدة لإنشاء دولة إسرائيل عام 1947. إلا أن بعض الأصوات اللاتينية بدأت الآن تتعالى للمطالبة بإعادة النظر في هذه العلاقة. ومن ذلك ما قاله «جيرالدو رافيرا» مراسل قناة «فوكس نيوز» في أميركا اللاتينية عقب العدوان الإسرائيلي على غزة: «بالنسبة لأميركا اللاتينية، لم يعد لإسرائيل وجود اليوم». وتحرص إسرائيل على تطوير علاقاتها التجارية مع أميركا اللاتينية، فلقد صدرت إليها ما قيمته 1. 5 مليار دولار من الأسمدة والإلكترونيات والمعدات الزراعية والأدوية والتكنولوجيات الدفاعية والخدمات الاستشارية العام الماضي. وبلغت قيمة صادراتها من الأسلحة إلى أميركا اللاتينية 107 ملايين دولار عام 2012. ولقد لوحظ أن أكثر من 30 شركة منتجة للأسلحة والتجهيزات العسكرية الدفاعية، أقامت أجنحة لها ضمن فعاليات «معرض أميركا اللاتينية للطيران والدفاع»، الذي نظم في «ريو دو جانيرو» العام الماضي. وشهدت العلاقات بين إسرائيل ودول أميركا اللاتينية بعض البرودة عندما أيدت تلك الدول إقامة الدولة الفلسطينية. وبقيت تلك العلاقات مجالاً للأخذ والردّ بحسب التطورات التي كانت تجري على الأرض. وبعد المجازر التي ارتكبتها إسرائيل مؤخراً في غزة والدمار الهائل الذي لحق بالبيوت والمستشفيات والمدارس بسبب همجية الهجمة الإسرائيلية، قال الرئيس الفنزويلي «نيكولاس مادورو» بلهجة لا تخلو من التهكم والسخرية: «لقد دمرت إسرائيل أكثر من 50 كنيساً يهودياً. آسف، أقصد مسجداً»!. وفيما لا تزال غزة تحترق، فإن من المرجح أن تتواصل الحملات السياسية المناوئة لإسرائيل. إلا أن وزير الخارجية البرازيلي السابق «لويث فيليب لامبريا»، أشار إلى ملاحظة مهمة، عندما قال: «لقد كانت الدبلوماسية اللاتينية على صواب في توجيه نقدها اللاذع لإسرائيل بسبب هجومها على غزة، ولكن ما من أحد يجد مصلحة في تخريب العلاقة بين الطرفين لأن تجارة مزدهرة تقوم بينهما». ويدفعنا كل هذا إلى النظر إلى الموضوع باعتباره لا يعدو أن يمثل عاصفة كلامية هوجاء تعبر المحيط الهادي، وفي مقابل ذلك تزداد أعداد السفن الملأى بالحاويات. وهذه إشارة واضحة على أن المصلحة تعلو على الشعارات السياسية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©