الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

العطري: المخزن والمال والنسب والمقدس.. طرق الوصول إلى السلطة

17 أغسطس 2006 00:35
د· رسول محمد رسول: احتلت النخب دوما مكانة مركزية في الهرم المجتمعي والسياسي، وكانت مساهِمة بدرجة عالية في تدبير صراعات النسق المجتمعي وتحولاته، وهو ما جعلها تحظى بكثير من الاهتمام من لدن مسيري ومالكي هذه الأنساق؛ فالنخب كانت تلعب على مر العصور دور الشرعنة والتبرير، وبذلك فقد توزَّعت وظيفتها بين المباركة والدفع بإعادة إنتاج الأوضاع نفسها من جهة، وبين المعارضة والدعوة إلى التغيير من جهة أخرى· ولعل هاتين الوظيفتين اللتين تضطلع بهما النخب تبعا للمصالح والدوافع المحركة، هما اللتان جعلتا من النخب فئات مخطوبة الود أو مستهدفة بالحصار والقمع حسب اختياراتها ومواقفها من إشارات وأوامر مسيري الحقول ذاتها· بهكذا نص قدم الكاتب المغربي عبد الرحيم العطري لكتابه (صناعة النخبة بالمغرب/ المخزن والمال والنسب والمقدس وطرق الوصول إلى القمة)، الصادر عن سلسلة (وجهة نظر) بالرباط هذا العام (2006)، وهو كتاب يتناول أدوار المثقفين المعاصرين في المجتمع المغربي الحديث، ولهذا جاء الكتاب بستة فصول بعد المقدمة، هي: صناعة النخبة / الطريق نحو المجتمع· والنخبة الحزبية / المقاولة السياسية والحراك الاجتماعي· والنخبة المدنية / مجتمع مدني بجينات تقليدية· والنخبة المثقفة / بحثا عن المثقف الملتزم· والنخبة الدينية في ظل 16 مايو ·2003 وأخيرا: النخبة العسكرية / سياج الطابوات وقواعد اللعبة الجديدة· ما هي النخبة؟ من الناحية المصطلحية، يعتقد المؤلف أن مفهوم النخبة يشير إلى الجماعة الأكثر قوة أو نفوذا أو تأثيرا في المجتمع، أي النخبة الحاكمة التي تمسك بزمام الأمور، والحكم أو التحكيم هنا لا ينسحب فقط على حقل السلطة السياسية، بل يتفرَّع إلى مختلف حقول المجتمع· أما من الناحية اللغوية فيضمن مصطلح النخبة التفضيل أو التحسين أو الاختيار، وهناك من يستبدل مصطلح النخبة بالطليعة أو الملأ أو السراة، ويأتي المؤلف على تعريفات عدَّة للنخبة منها تعريف (باريتو) الذي قال إن النخبة هي مجموع الناس الذين يظهرون صفات استثنائية ويثبتون تمتعهم بكفاءات عالية في بعض المجالات أو بعض النشاطات، والأمر هنا يتعلق بمجموعة من الأفراد يملكون أقصى ما يمكن امتلاكه من قيمة معينة، وهي بالخصوص السلطة أو النفوذ· وبذلك تدل النخبة على الأقليات الإستراتيجية التي تتحكّم في تدبير وسائل الإنتاج والإكراه التي تحدث عنها ريمون أرون مثلا حيث يرى أنها توجد في مواقع استراتيجية من المجتمع وتتحكّم في السلطة ليس فقط داخل مجالها الخاص بل وكذلك في مجال الشؤون العامة· وفي ضوء ذلك يعتقد المؤلف أن النخبة وبحكم موقعها الحيوي في النسق المجتمعي، وبالنظر أيضا إلى أدوارها في صياغة القرار السياسي وتصريفه تعبر عن وجه نظر الدولة كوسيلة للسيطرة التي تمارسها أقلية محتكرة للقرار بما يجعلها فوق المجتمع الذي ينبغي أن تدافع عن مصالحه المشتركة· إذا كان هذا هو مفهوم النخبة في التعريف العام، فإن المؤلف يحاول تعريف النخبة المغربية فهي: مجموعة من الأقليات التي تتوفر لها إمكانات صنع القرار أو على الأقل المشاركة في بلورته، فالنخبة المغربية عبارة عن مجموعة من هذا النوع من الأقليات، بل هي تلك الفئة من المغاربة الذين يستطيعون لأسباب مختلفة أن يؤثروا في سلطة القرار على المستوى الوطني، وفي مقدورهم التدخل في توزيع منافع الدولة وفرض مطالبهم وقد يرتبط نفوذهم هذا بشبكات الأتباع والأصدقاء وذوي المناصب العليا· وهذا ما يجعل النخب عبارة عن شبكات من العلاقات والمصالح التي تشتغل على السلطة المادية والرمزية لدوائر إنتاج القرار السياسي الموجِّه للحياة العامة· المؤسسة الحزبية إن الحزب كمؤسسة مجتمعية لا يظهر له أي أثر في المغرب خارج الكرنفال الانتخابي، كما يقول المؤلف، ولا ينزل قياديوه إلى القاع الاجتماعي بعيداً عن فترة الاستجداء السياسي· كما يلاحظ المؤلف أن الانقسام من أبرز خصائص المشهد الحزبي بالمغرب، فتاريخ الأحزاب المغربية هو تاريخ انقسامات وتحالفات وصراعات، وما من موعد انتخابي إلا ويعرف المشهد الحزبي ولادة حزب آخر أو أكثر، وبإيعاز من السلطة غالب الأحيان، لأن الانشطارية هي التي تؤمن للنسق استمراره وتحكمه في قواعد اللعبة· إلا أن هذه السمة ليست وحدها ما يميز النخب المغربية؛ فهناك الرأسمال النضالي الذي هو أحد الطرق للوصول إلى القمة السياسية بل هناك المال والجاه والانحدار من العائلات العريقة واحتلال المناصب العليا في هرم الدولة· ناهيك عن أن النخب الحزبية المغربية، من منظور المؤلف، لا تعبر عن الالتزام الأيديولوجي وتكشف تحركاتها نوعا من الفقر السياسي والافتقار إلى المبادرة والإبداع الحزبي· يتوقف المؤلف أيضا عند المجتمع المدني بالمغرب الحديث من حيث واجهته الحداثية وخلفيته التقليدية وبالتالي جغرافية هذا المجتمع المدني من حيث هياكله التي يوصِّف المؤلف منها الهيكلية الرسمية ذات الارتباط بالدولة، والهيكلية الحزبية، والهيكلية المقاولاتية التي يمثلها الجيل الجمعوي الذي صار يشتغل بروح المقاولة الاحترافية في سبيل الحصول على الدعم وإنجاز المشاريع التنموية، وهو جيل ينضبط لمنطق الربح والخسارة في التعاطي مع شواغله وأسئلته، والهيكلية الملتزمة التي تجد نفسها محاصرة من جهة مسيري الحقول الاجتماعية والسياسية الذين يرون فيها المنافس الاحتياطي والعدو المركزي لدائرة صنع القرار، ومن جهة المجتمع الذي يتعامل معها بحذر شديد نظرا لامتلاء الحقل الدلالي للمجتمع المدني· وبرؤية نقدية، وبقدر تعلُّق الأمر بعلاقة الدولة مع المجتمع المدني، يعتقد المؤلف أن الدولة تسعى جاهدة لامتصاص بريق المجتمع المدني، وتبديد طاقاته، وتشتيت تركيزه لتفقده التميز وترديه بضاعة مائعة، وللدولة خبرة في ترويض الكيانات التي تنافسها، كما أن الدولة المعاصرة لا تبيد المجتمع المدني، ولكنها تفرغه من أهدافه من خلال الإشراف على رسم استراتيجيته عبر استعمال آليات الحوار واللجان المشتركة ومبدأ المشاركة· النُّخبة المثقفة تحت عنوان النخبة المثقفة بحثا عن المثقف الملتزم، يأخذنا المؤلف في رحلة تحليلية لأهم المفاهيم المتعلقة بالمثقف من حيث التعريف والكشف عن الدلالات والمعاني المرتبطة به، ومن ذلك تحليله لمفهوم المثقف العضوي الذي صاغه الكاتب الإيطالي أنطونيو غرامشي، إلا أن المؤلف يميل إلى مفهوم (المثقف الملتزم) الذي تقارعه الدولة الوطنية من خلال التدجين وتقليم الأظافر، فالمخزن يبدو حاسما في قراراته القمعية التي كانت بالمرصاد لكل الذين سوَّل لهم هاجسهم النقدي مساءلة الواقع ومحاكاته في صور نضالية شتى· ورغم ذلك يوصف المؤلف أنماطا عدَّة من المثقفين المغاربة ومنهم المثقف الملتزم، والمثقف الانتهازي، والمثقف المستقيل، والمثقف المتعالي، على أن جميع هؤلاء إنما يشتغلون في مجالات عدة بالمغرب منها: الجامعات وميادين البحث العلمي، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني، فلك السلطة· أما عن الأعطاب والأوهام التي تكبِّل المثقف المغربي فيرى الباحث أنها: البون الشاسع بين الخطاب والممارسة أو ما يمكن تسميته بحالة الفصام التي يعاني منها المثقف· والتغريد خارج السرب في إطار طوباوية فارغة تهفو إلى تكريس التميز والاختلاف عن العامة، والفوبيا الزائدة وهو عطب سرطاني ينتشر طولاً وعرضاً بين صفوف النخبة المثقفة بسبب آليات القمع والفرملة التي يمارسها رجل السلطة في حق المثقفين الملتزمين؛ فدرجة الخوف مرتفعة لدى النخبة المثقفة، ولهذا فئات واسعة منها تُدمن المداهنة والنفاق السياسي· النخبة الدينية يعتقد المؤلف أن الحقل الديني بالمغرب لم يعد حقلا فائتا إنما هو حقل مفتوح على كثير من الاحتمالات سواء في اتجاه الضبط الأمني أو الانفلات الذي يعني مزيداً من التفكك والإنتاج المتقدم للعنف والعنف المضاد· ويضع المؤلف أمامه وهو يدرس أوضاع النخب الدينية المغربية حادث 16 مايو الذي وقع بالأردن وهو حادث يمت بصلة بالجماعات الدينية التي تمارس العنف؛ ولهذا لجأ المؤلف إلى الحديث عن خريطة الإسلام المغربي من خلال استعرض أهم جماعاتها ومؤسساتها التي تمنحها الامتداد والحضور المجتمعي· بل والتوقُّف عند أهم خصائصها كالمقاربة الدعوية ومقاربة المشاركة السياسية، ومقاربة الرفض المنهجي، ومقاربة العنف، وهي الخصائص التي قاربها المؤلف مع نموذج الإسلام المغربي الرسمي المرتبط بالدولة، وهو الإسلام الذي لا يقف عند حدود المجالس العلمية والنظارات الأوقاف ورابطة علماء المغرب، بل يتجاوز ذلك إلى الزوايا التي صارت بفضل آليات الإدماج جزءًا من السياسة الدينية الرسمية، بل وسيطرة الدولة على الإنتاج الديني وتشجيع الإسلام الطرقي (الصوفي) وتشجيع الإسلام الوهّابي، وتصريف سياسة المنع والتهميش· أما النخبة العسكرية في المغرب فقد ختم بها المؤلف كتابه وعدها نخبة النخب أو السلطة فوق السلطة بالمغرب، فالجيش بالمغرب كما في مجموع الدول العربية لم يكتف بدوره الطبيعي في حماية السيادة الترابية، بل انتقل بكل ثقله الرمزي والمادي من حدود الوطن إلى حدود السياسة والسلطة بل إلى كثير من الفعاليات المجتمعية والمدنية كالرياضة والثقافة والعمل الاجتماعي·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©