الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

دانا أبو رحمة: «مملكة النساء» يروي تفاصيل الحياة المنبعثة من الموت في «عين الحلوة»

دانا أبو رحمة: «مملكة النساء» يروي تفاصيل الحياة المنبعثة من الموت في «عين الحلوة»
20 أكتوبر 2010 00:26
ينتهي فيلم “مملكة النساء” باللقطة ذاتها التي بدأ بها. اللقطة التي صورت مجموعة من الحلي المصنوعة من الخرز والزركشة بمفردات التراث الفلسطيني التي دأبت المعتقلات في السجون الإسرائيلية على صناعتها في أوقات عتمتهن الطويلة. في المشهد النهائي هذا يعثر المرء على رسالة الفيلم أو مغزاه الأشد غوراً. إنه يعيدنا الى ثمانينيات القرن الفائت وبالتحديد الى العام 1982 حيث الاجتياح الإسرائيلي للبنان وسقوط بيروت وصيدا بما فيها مخيم عين الحلوة ليعرض لنا حكاية المخيم والنسوة اللواتي وجدن أنفسهن وحدهن تماماً... بلا أي رجل فقد ذهب الرجال كلهم الى هناك... أخذهم الاحتلال وترك المخيم يغص بنسائه وأطفاله ومسنيه... وعندها كان على النساء أن ينهضن بشؤونهن كلها وأن يوقظن الحياة في قلب الموت. ويستعيد الفيلم مع روايات النساء الشفاهية تلك الحقبة الدراماتيكية التي عاشها فلسطينيو مخيّم عين الحلوة بين العامين 1982 و1984، أي في إحدى أصعب فترات الغزو المذكور وأقساها. وتقدم دانا أبو رحمة، الآتية من نيويورك حيث تابعت دروساً في ما يُسمّى “دراسات الميديا” في “المدرسة الجديدة للأبحاث الاجتماعية”، بشغف مدروس فيلماً وثائقياً مختلفاً عن السينما التسجيلية المعتادة، فيلماً يتقصى يوميات النساء وتفاصيلهن الصغيرة اللواتي استعن بها في تلك الفترة الحالكة لكي لا يقعن فريسة الإحباط والخوف والسلبية بسبب الموت الذي يحيط بهن من كل جانب. وقالت دانا أبو رحمة في حوار مطول تنشره”الاتحاد” فيما بعد: إن الفيلم يأتي في إطار أرشفة الحكايات الشفوية التي يُنفّذها “مركز الجنى” الفلسطيني في مخيمات فلسطينية متفرّقة في لبنان، في محاولة لاستعادة أرشيف جرى تدميره عن سابق قصد من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي حرص في كل مرة غزا فيها لبنان على تدمير المؤسسات الثقافية والفكرية الفلسطينية ولعل أشهرها مركز الدراسات الفلسطينية الذي تم حرقه بالكامل. وكانوا قد بدأوا بالفعل في التسجيل مع بعض النساء بتقنية الفيديو، ثم جاءت حرب لبنان في العام 2006 فتوقفوا عن التسجيل، ثم تابعوا عملهم الذي كان البذرة الأولى أو الهيكل العظمي الذي بنيت عليه فيلمي”. وأضافت حول أسباب اشتغالها على الحكاية الفلسطينية في هذا الفيلم وفيلمها السابق: “تشغلني في الحقيقة وتؤرقني الصورة التي تبثها الشاشات الأميركية عن الفلسطينيين، تلك الصورة التي يراها الجمهور الأميركي في نشرات الأخبار، والتي تغاير الصورة الحقيقية. ويسكنني هاجس تقديم صورة الناس العاديين، كيف يعيشون ويفكرون ويحيون ويحلمون ويغنون ويرقصون ويحاولون الحياة في ظل واقع قاس وشرس يصادر كل شيء”. وتابعت: “هناك مسألة أخرى تتمثل في الصورة المتداولة عن الفلسطيني بكونه الضحية. هذه الصورة يجب الخروج منها. ايضاً أنا معنية بإيصال حقيقة ما حدث للأجيال الجديدة وتحقيق التواصل بين مختلف الفلسطينيين في مواقع الشتات المختلفة، يحق لهم أن يعرفوا تاريخهم وما قدمته المرأة من تضحيات وطنية، أن يطلوا على نضالات النساء العاديات، يومياتهن، أفراحهن الصغيرة، حكاياتهن وهن يطرزن الثياب ويطرزن في الوقت نفسه ملامح مستقبلهن”. وعن الصعوبات التي تواجهها مثل هذه الأفلام في الولايات المتحدة الأميركية قالت: “ربما بسبب الحادي عشر من سبتمبر وما خلفه من تداعيات عند الأميركيين، وجدت أفلام من هذا النوع فرصة للعرض والظهور. فالاعتداء على برجي المركز العالمي للتجارة والبنتاجون جعل الأميركيين يقبلون على القراءة ومشاهدة الأفلام التي تخص الشرق الأوسط ليعرفوا شيئاً عن المنطقة، لعلهم يجدون تفسيراً لما حدث. هذه الرغبة في المعرفة، هذه “الحشرية” ساهمت بشكل غير مباشر في رواج أفلام كهذا الفيلم”. ولأن دانا أبو رحمة نشيطة في الحقل الاجتماعي اتيحت لها الفرصة للعمل مع النسوة الموجودات في الفيلم مرة بعد مرة، واستطاعت ان تدخل الى عوالمهن ومنازلهن ولم تجد صعوبة في التصوير بل وجدت كل عون ومساعدة. تقول: “التقيتُ عدداً من النساء. أكملت حواراً معهنّ توقّف سابقاً. نساء من مرجعيات مختلفة وأحياء مختلفة وأعمار مختلفة وتجارب مختلفة. بينهن نساء دخلن السجن. وبينهن ناشطات سياسياً وميدانياً. وبينهن عاملات في مجالات أخرى. بفضل الحوارات، اكتملت الصورة لديّ”. وعن تقنية التحريك “الأنيميشن” التي أدخلتها الى الفيلم واستخدمت فيها صور الشهيد ناجي العلي قالت: جاءت هذه الفكرة لأسباب عديدة منها: أنها مناسبة لتقدم خلفية مرجعية تعيدنا إلى الماضي، وترسم صورة له، والثاني: أن ناجي العلي كان وثيق الصلة بالمخيم والمرأة، وقد عبرت رسوماته عن مواقفها المختلفة فجاءت الرسومات مؤيدة للفكرة ومتوائمة مع المناخ الكلي للعمل وغاياته، بل واعطته روحية خاصة كنت أبحث عنها، والثالث أنني رأيت تجربة أولية كانت قد قامت فيها رنا مرهج بتحريك بعض رسومات ناجي العلي، وأعجبتني الفكرة واتفقنا على تنفيذها. والرابع: لكي نتغلب على مشكلة عدم وجود مادة أرشيفية، فإسرائيل كانت تدمر مركز الدراسات الفلسطينية ومراكز البحث في كل مرة تغزو فيها لبنان، لقد فقدنا الكثير من الوثائق والصور والأفلام التسجيلية وغيرها مما كان يوثق الذاكرة الفلسطينية في الشتات اللبناني. وللحقيقة فإن الفكرة راودتني في المرحلة الأخيرة من الفيلم. أحببتُ التركيز على قصص النساء، وعلى ما فعلنه، ووجدت ضالتي في الرسم الكاريكاتوري وما يمتلكه من إيحاءات. أردتُ إيجاد خلفية ما لفهم ما جرى حينها، وللتوغّل في القصص بشكل سياسي واجتماعي خاصّ بتلك الفترة. كانت لديّ رغبة في العمل مع لينا التي أحبت الفكرة هي الأخرى لكنها طلبت شيئاً تعمل عليه. وطلبت من النساء أن يحضرن كل شيء يخص تلك الفترة: صور، حلي، قصاصات صحف، فأحضرنها وبدأت لينا تشتغل عليها. ساعدها هذا كثيراً على ابتكار رسومات التحريك الفني. في البداية، اختارت لينا مرهج الرسم بقلم الرصاص، ثم انتقلنا إلى الرسم بالحبر على الورق. بهذا، استطعنا نقل الإحساس الموجود على الورق إلى الشاشة. التحريك أدّى إلى إشاعة روح المخيم على الشاشة أيضاً. بدا أنه الأقدر على إيصال الروح المطلوبة للفيلم إلى المُشاهدين.
المصدر: الاتحاد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©